عن "حماس" وطموحها أن تكون "حزب الله" فلسطين!

ماجد كيالي.png
حجم الخط

بقلم ماجد كيالي

يمكن طرح العديد من الأسباب التي تدفع "حماس" نحو تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، بما في ذلك النكوص عن موقفها من ثورات "الربيع العربي"، وإعادة تموضعها في الخريطة السياسية في الإقليم، إلى جانب النظام الإيراني وتوابعه، مثل "حزب الله" و"الحوثيين" في اليمن، وميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق؛ وكلها تتطلب بداهة التطبيع مع نظام الأسد. 

 

لعل أهم تلك الأسباب تتمثل في الآتي: أولاً، انحسار "الربيع العربي"، واستعصاء التغيير السياسي في البلدان العربية، وتحول الأمر إلى "خريف" لتيارات الإسلام السياسي، بشقيه "السني" و"الشيعي" (كما تبدى في تموضع "حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي" في حراسة واقع الفساد والاستبداد والتبعية لإيران في مجتمعاتهم).

 

ثانياً، انكشاف التيارات الإسلامية تلك، بكياناتها السياسية والعسكرية (لا سيما في مصر وسوريا والعراق ولبنان)، ليس لأسباب موضوعية فقط وإنما لأسباب ذاتية أيضاً، إذ إن تلك الكيانات لم تنجح، أو فشلت، في اختبارات إدارة السلطة والمجتمع، وهو الأمر ذاته الذي حصل مع غيرها من التيارات الأيديولوجية الأخرى، فضلاً عن اختلافاتها، واقتتالاتها، البينية.

 

ثالثاً، نكوص تركيا عن موقفها من "الربيع العربي"، وهو ما تمثل في إعادة علاقاتها مع إسرائيل (حزيران/يونيو 2016)، وضمنه تنشيط تلك العلاقات في الأشهر الأخيرة، وذلك بالتوازي مع سعيها الى إعادة التموضع في الإقليم، عبر تطبيع علاقاتها مع الإمارات والسعودية ومصر.

 

رابعاً، غلبة التيار الأيديولوجي المتشدد في "حماس"، المحسوب على الجناح العسكري، فهذا التيار أحوج إلى الدعم الخارجي (السلاح والذخيرة والمال)، وكل ذلك لا يمكن تأمينه إلا من مصدر واحد (إيران)، أي لا من قطر ولا من تركيا، علماً أن إيران تقدم الدعم لـ"حماس" وفقاً لأجندتها هي، أي باعتبارها ورقة في يدها، للمساومة على نفوذها الإقليمي، وفي الملف النووي، بدليل أن طهران لا ترد على اعتداءات إسرائيل المتوالية عليها وعلى ميليشياتها، وبدليل أنها لا تقطع التفاوض مع الولايات المتحدة في شأن ملفها النووي. 

 

أيضاً، ثمة أسباب أكثر عمقاً تفسر موقف "حماس"، مفادها:

أولاً، أن تلك الحركة عندما اتخذت موقفاً سياسياً داعماً لثورات "الربيع العربي"، اتخذته، على الأرجح، من زاوية براغماتية، باعتباره "ربيعاً" إسلامياً، لا سيما مع فوز التيار الإسلامي بالسلطة في مصر وتونس والمغرب، ومع بروز موقف تركيا (وقطر) كداعم للحركات الإسلامية في تلك المرحلة، ما يعوض عن إيران، بخاصة مع بروز موقف تركيا الداعم للجماعات الإسلامية في سوريا.

 

ثانياً، إن حركة "حماس" ظنت أن رياح التغيير في العالم العربي، التي حملت التيار الإسلامي إلى السلطة، يمكن أن تعزز مكانتها القيادية في الساحة الفلسطينية، إزاء حركة "فتح"، التي كانت تمكّنت من ذلك بفضل تحولات النظام العربي بعد حرب حزيران (يونيو) (1967). وهذا يعني، ضمن ذلك، إن تلك الحركة تتصرف في الواقع من زاوية أنها سلطة، في الإقليم الذي تسيطر عليه في غزة، ولكونها تستحوذ على قوة عسكرية تقدر بعشرات الألوف، مع موارد مالية كبيرة، أي أنها لا تتصرف من واقع كونها حركة تحرر وطني، معنية برأي الناس في مواقفها، أو بالقيم السياسية او الأخلاقية التي تلتزم أو لا تلتزم بها. والخلاصة هنا أن حركة "حماس" لم تحسم أمرها، رغم مرور 35 عاماً على قيامها، ورغم مرور 16 عاماً على كونها سلطة أحادية في غزة (لا تشرك في تقرير الخيارات والسياسات حتى الفصائل القريبة منها)، فهي لم تحسم بين كونها حركة وطنية، أو حركة اممية أو هل هي حركة سياسية أو حركة دينية أو هل هي حركة تحرر وطني أم سلطة؟ هل هي سلطة أم مقاومة؟

 

ثالثاً، مشكلة حركة "حماس" أنها ضائعة في تحديد خياراتها، ومعرفة ما تستطيعه وما لا تستطيعه، وضمن ذلك التوضيح لشعبها ما تريد، أو كيفية تحقيق ما تريد، في قطاع غزة، الذي يشكل فقط 1.4 في المئة من مساحة فلسطين، يعيش فيه مليونان من الفلسطينيين في ظروف صعبة، وفي منطقة تفتقد إلى الموارد، وفي حالة حصار إسرائيلي مشدد منذ سيطرة "حماس" كسلطة (2007)، مع التعرض لحرب مدمرة بين فترة وأخرى، ضمنها أربعة حروب (في 2008، و2012، 2014، و2021). والفكرة هنا أن ثمة وهماً لدى "حماس"، أو لدى جناح فيها، مفاده أنه يمكن تحميل قطاع غزة، فوق ما يحتمل، في تحرير فلسطين، أو في دحر الاحتلال من الضفة، علماً أنه رغم كل الحروب، وكل الصواريخ والأحاديث عن "توازن الرعب"، وعن "الردع المتبادل"، وعن "زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل"، فإن "حماس" لم تستطع رفع الحصار عن القطاع، بل إن أوضاع القطاع تزداد بؤساً، ناهيك بالهيمنة السلطوية لـ"حماس" على مجتمع الفلسطينيين في غزة، مع كل التقدير للتضحيات والبطولات. 

 

رابعاً، مشكلة "حماس" أيضاً، ذلك الوهم بخصوص ما يسمى معسكر "المقاومة والممانعة"، إذ لا ترى الارتدادات العكسية للنفوذ الإيراني في المشرق العربي، ذلك أن هذا النفوذ الذي استغل يافطة فلسطين، أدى ولو بشكل غير مباشر، إلى كل هذا الخراب والانشقاق الدولتي والمجتمعي من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا، ما أفاد إسرائيل أكثر مما أضرها، أي إن إيران قدمت في ما فعلته في تلك البلدان أكبر خدمة لإسرائيل، التي أضحت الدولة الأكثر أماناً واستقراراً في الشرق الأوسط، ونظرة إلى واقع سوريا والعراق ولبنان واليمن تؤكد ذلك. 

 

الفكرة هنا أنه لا توجد حجة، مهما كانت، لا السياسة ولا المصلحة الفصائلية الضيقة، ولا بدعوى التطبيع المرفوض مع إسرائيل، تحلل أو تبرر الوقوف مع نظام إيران، وتوابعه كالنظام السوري و"حزب الله" و"الحشد الشعبي"، التي تمعن خراباً في العراق ولبنان وسوريا، فالقضية الفلسطينية هي قضية نبيلة، كونها قضية حرية وكرامة وعدالة، وهي ليست تلك التي تدعي إيران تحريرها، على أنقاض الشعب في سوريا والعراق ولبنان.

 

نعم لا شيء يبرر ذلك، إذ لا توجد جريمة تحلّل أو تبرر أخرى، ولا نظام ظالم يغطي على آخر، والقصة ليست مفاضلة بين عدو وعدو، إسرائيل أو إيران، أو أي كان، فالعدو هو الذي يحدد نفسه، لذا فإن مقولة: "عدو عدوي صديقي"، ليست صحيحة، بل مضللة، ومخاتلة، إذ إن إسرائيل وإيران تتغذيان من هذه المقولة، وتزدادان قوة ونفوذاً، بها، في تقاطع، أو في تواطؤ، غير مباشر.  

 

وعلى أي حال فإن تطبيع "حماس"، مع إيران وسوريا و"حزب الله"، سيوجه رسالة الى السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين، وغيرهم، في شأن ضعف حساسية الحركة لقيم الحرية والكرامة والعدالة، وتغليب مصالحها كفصيل على تلك القيم، وعلى حساب الشعوب، علماً أن لا احد يطالب "حماس" بأن تحارب أنظمة كهذه، فذلك ليس بمستطاعها، ولا هو دورها، وهو لن يزيد شيئاً في ما يخص مقاومة إسرائيل، بعد أن كفت تلك القوى عن ذلك من زمان، وبعد أن باتت قضية فلسطين بالنسبة اليها مجرد مطية، ما بينه وقوف تلك الميليشيات الطائفية المسلحة ضد الحراكات الشعبية المطالبة بالتغيير السياسي في بلدانها (ضمنها في العراق ولبنان)، وضد الطائفية والفساد.

 

باختصار، فإن حركة "حماس" في سياساتها الفلسطينية، وفي إدارتها لمجتمع الفلسطينيين في غزة، وفي علاقاتها الإقليمية تبدو وكأنها تتوخى، أو تطمح، لأن تكون "حزب الله" الفلسطينيين، وهو طموح ينم عن بؤس، وعن ضياع، وعن فقر في السياسة والأخلاق، ولا أكثر من ذلك في محاولة "حماس" تطويب قاسم سليمان كشهيد للقدس!