"إسرائيل اليوم" : الانتصار على أعدائنا: التعليم أولاً

ايلي زيسر.jpeg
حجم الخط

بقلم: ايال زيسر

في كلمة علنية نادرة في ندوة السايبر السنوية، التي عقدت الأسبوع الماضي في جامعة تل أبيب، اختار نائب قائد وحدة 8200، الوحدة النخبة للاستخبارات الإسرائيلية أن يكرس قسماً مهماً من حديثه – إلى جانب الانشغال اللازم بإيران وهجماتها السايبرية على إسرائيل – لمصادر نجاح الوحدة التي جعلتها رائدة في العالم أيضا.
وقد نسب هذا النجاح إلى نوعية الشبيبة الإسرائيلية التي تتجند لصفوفها؛ نوعية شخصية ولكن أيضاً معرفة وخبرة اكتسبها الفتيان والفتيات أثناء تعليمهم في جهاز التعليم، يمكن بل يجدر أن نلاحظ أن هذه أقلية غير واسعة من أبناء الشبيبة، في الغالب من وسط البلاد ممن حظوا بتعليم فائق ليس من نصيب أجزاء أخرى في المجتمع الإسرائيلي، وبالتأكيد سكان بلدات المحيط.
يمكن ويجدر أيضاً أن نتساءل إذا كانت قصة النجاح هذه ستستمر في المستقبل أيضاً، في ضوء الصعوبة المتزايدة لنواصل ونبقي على جهاز تعليم نوعي في ظل غياب المقدرات، وفي ضوء النقص في المعلمين.
بوسع جهاز التعليم في إسرائيل أن ينتج أناس علم وأساساً أناس عمل – علماء، مهندسين، أناس سايبر وغيرهم، ممن من شأنهم أن يقودوا المجتمع والدولة في إسرائيل إلى مستقبل أفضل، فيضمنوا بذلك الإبقاء، بل تعميق الفجوة النوعية بيننا وبين أعدائنا.
في المجال المحيط بنا، بالمقابل، الصورة مختلفة تماما. تتعمق الأزمة العميقة – أزمة سياسية، اجتماعية وأساسا اقتصادية، والتي تعيشها معظم الدول العربية، بل إيران – وضررها لأجهزة التعليم في هذه الدول قاسٍ على نحو خاص.
في العقود الأخيرة ازداد عدد السكان في الشرق الأوسط بوتيرة متسارعة، من نحو 100 مليون نسمة في العام 1960، إلى نحو 400 مليون في العام 2010، وفي العام 2050 سيصل العدد إلى 750 مليون. غير أن دول المنطقة تجد صعوبة في أن تدرك الوتيرة، وأن توفر احتياجات السكان، والنتيجة هي النقص والضائقة، البطالة المستشرية، والمس بخدمات الصحة، الرفاه، والتعليم التي تقدمها الدول لمواطنيها.
إلى جملة هذه المشاكل أُضيف في العقد الأخير "الربيع العربي"، الذي تبين أنه هدام على نحو خاص لسكان الشرق الأوسط.
في العديد من الدول نشبت حروب أهلية خلفت وراءها الدمار والخراب. في سورية مثلا، التي حتى قبل الحرب لم تشتهر كقوة عظمى في التعليم المدرسي والعالي، دُمّر ثلثا المدارس وصفوف التعليم. وكفّ الأطفال عن التعلم. اليوم أيضا، بعد أن تحقق الهدوء، ليس للنظام السوري المقدرات أو الرغبة ليستثمر بنفسه في ترميم أجهزة التعليم المدرسي والعالي، وذلك لأنه يعطي أولوية لترميم قوته العسكرية لكنه بذلك يحكم على جيل المستقبل لأبناء سورية بالجهل.
في دول أخرى أدى "الربيع العربي" إلى تعزيز أنظمة الحكم المطلق، وغير مرة أيضاً القوى الإسلامية التي تخنق التفكير الحر، والنقد، وإبداء المبادرة، وهي المزايا الضرورية لتربية جيل شاب يفكر ويحتوي.
بضغط رجال الدين أُعطيت غير مرة أولوية لتعليم آيات القرآن والفتاوى على حساب الرياضيات أو اللغة الانجليزية.
خطيرة بقدر لا يقل هي ظاهرة هجرة الشبان المتعلمين ممن يصوتون بأقدامهم ويهاجرون بجموعهم إلى دول الغرب بعد أن فقدوا الأمل في مستقبل أفضل في وطنهم.
تفيد المعطيات بالتالي أن للعديد من البنين، وبالتـأكيد البنات، لا يوجد على الإطلاق إمكانية للوصول إلى التعليم المدرسي والعالي، وفي كل حال فإن جودة التعليم الذي يتلقاه المحظوظون منهم ضحلة في ظل غياب القدرة بل وإرادة الحكام للاستثمار في التعليم.
من بين عشرات ومئات ملايين السكان يمكن مع ذلك خلق نخبة متعلمة، حتى وإن كانت ضيقة. والدليل أن إيران أخرجت من صفوفها علماء أوصلوها إلى النووي.
لكن هنا أيضاً هذه أقلية بائسة، مساهمتها ملموسة في إنتاج الصواريخ والنووي وهجمات السايبر. فيما أن باقي أجهزة الحياة في الدولة فاشلة ومنهارة.
التعليم هو، إذاً، أحد المجالات التي حذار على إسرائيل أن تندمج فيه في المجال المحيط بها.
بدلاً من ذلك يجدر بها أن تعمل على تعزيز جهازها التعليمي الذي يتعلق به مستقبلها، والذي هو وحده سيضمن بقاء وتوسيع الفجوة النوعية بينها وبين أعدائها.

عن "إسرائيل اليوم"