"إسرائيل اليوم" : شرق أوسط جديد: العلاقات الإسرائيلية -السعودية تنضج على نار هادئة

يواف ليمور.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوآف ليمور


في مطعم في الرياض سألني، مساء أول أمس، مواطن شاب كان يجلس إلى الطاولة جانبنا: من أين أنت؟ "من إسرائيل"، أجبت. ضحك وواصل كالمعتاد. حين خرج نظر وسأل: حقاً من إسرائيل؟ أجبته نعم. "واو، أهلاً وسهلاً. نحن نستقبل هنا الجميع بسرور، من كل الأديان".
تفاجئ السعودية إيجاباً. ودية. مستبشرة. وحتى كلمة "إسرائيل" لا تُسقط هنا أحداً. جربت هذا مع سائقي سيارات عمومية ومع باعة في المحلات وفي الأسواق. بعضهم ابتسم، وأدار رأسه بعدم التصديق أو بتخوف. وبدأ آخرون حديثاً فضولياً. من المشكوك فيه أن يكون أحد منهم التقى إسرائيلياً على الإطلاق، أو سمع العبرية، لكن لم يجعلنا أحد نحسّ لحظة بأننا غير مرغوب فينا في المملكة المسؤولة عن المقدسات الإسلامية.
لن تجلب زيارة الرئيس بايدن الأسبوع القادم، إلى إسرائيل والى السعودية، في أعقابها علاقات رسمية بين الدولتين. سيصل بايدن الى السعودية يوم الجمعة القادم، بعد أن يزور إسرائيل. في جدة سيلتقي كل زعماء دول الخليج وبعض الزعماء العرب البارزين الآخرين، لكن الأهم من ذلك أنه سيلتقي ولي العهد، محمد بن سلمان، وهكذا سيرفع عمليا المقاطعة التي فرضت عليه في أعقاب قضية تصفية الصحافي جمال خاشقجي. بايدن معني أن تزيد السعودية كمية النفط التي تنتجها لتخفيض سعره، لكنه أيضا سيحاول الدفع قدماً بالتطبيع مع إسرائيل. وكجزء من ذلك، سيحاول أن يضم إلى رحلته من إسرائيل الى السعودية شخصية إسرائيلية أيضا، وإن كان الأمر لم يتفق عليه بعد.
كل من يشارك في الموضوع يقول ان العلاقات بين إسرائيل والسعودية ستتحسن ببطء، خطوة خطوة، على مدى زمن طويل. لكن زيارة الى الرياض تفيد كم عميقاً هو التغيير الذي تجتازه المملكة اليوم. من حكم محافظ جداً ميّز أبناء عائلة عبد العزيز بن سعود، الذين تناقلوا الحكم بينهم في العقود الاخيرة (أصغرهم سلمان، الملك الحالي) الى انفتاح بطيء ومدروس نحو الغرب تحت قيادة ابنه، ابن سلمان.
صورة الاثنين، الملك وابنه، تطل في كل مكان في الرياض. تجتاز المملكة تهيئة للقلوب قبيل تبادل الحكم، الذي يجلب معه أيضاً بشرى لإسرائيل: من علاقات بعيدة وحذرة، تحت الرادار، تحت الحكم القديم الى تعاون متعاظم في جملة مجالات. سيعنى بايدن في زيارته ببرنامج الدفاع الجوي ضد الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، لكن جملة شركات إسرائيلية، تكنولوجية وغيرها، تعمل هنا منذ الآن في جملة متنوعة من المجالات.

الشعب يعيش حياة عادية

في السنوات الأخيرة زار السعودية غير قليل من الإسرائيليين، معظمهم من رجال جهاز الأمن، بقيادة "الموساد". كل شيء تم بسرية مطلقة، في الغالب في طائرات خاصة. لكن فُتحت السعودية، مؤخراً، تدريجياً أيضاً للإسرائيليين الذين يحملون جواز سفر أجنبياً، ولا سيما من رجال الأعمال. من المشكوك فيه أن نرى فيها طوفاناً من السياح، لكن هنا أيضا ما يقرر هو المسيرة. ففي وقت قريب ستتمكن الشركات الإسرائيلية من الطيران شرقاً عبر سماء المملكة، وربما في المرحلة التالية سيُسمح برحلات جوية مباشرة للحجاج الى مكة.
الدين بارز في الرياض في كل مكان، في اللباس بالطبع: النساء كلهن في جلابيب سوداء وبالحجاب الذي في معظم الحالات لا يترك مكانا إلا للعينين.
أما الرجال فبجلابيب بيضاء وبالكوفية. لا مجال للحديث عن الكحول: حتى في الفنادق من المحظور تقديمها ولا في شركة الطيران السعودية. المساجد مليئة بالمصلين، وفي الشوارع يمكن سماع أذان الصلاة.
السعودية أقل سياحة من شقيقاتها في الخليج، الامارات، والبحرين. لا يرى فيها الكثير من الأجانب، باستثناء أولئك الذين يعملون هنا بأجر متدن – من الشرق الأقصى أساسا – والذين يمكن إيجادهم في كل مكان: عمال نظافة في الفنادق، حمالين في السوبر ماركت او عمال بناء. في الرياض توجد كل العلامات التجارية الغربية بما فيها الأعلى سعراً، لكنها لا تنقر العين: معظم السيارات عادية والناس يتصرفون ببساطة. وهذا ينبع ضمن أمور أخرى من حقيقة أن توزيع الثراء هنا ليس متساوياً. بخلاف الإمارات وقطر قلة فقط تتمتع بالوفرة بينما أغلبية الشعب تعيش حياة عادية. كما أن هذا سيكون التحدي الأساس لولي العهد، محمد بن سلمان، في ان يعطي الشعب كله إحساساً بالانتماء.

هدف سياسي؟
في الأيام الأخيرة كان الحر شديداً في الرياض، اكثر من 40 درجة مئوية. معظم الناس يعيشون تحت التكييف ولكن يوجد أيضا حياة في الخارج: تعج الأسواق بالناس ولا سيما في ساعات المساء الأقل حرارة. يمكن ان نجد فيها كل طيب المملكة – من الجلابيب والصنادل إلى العطور، التوابل والذهب، وحتى الشباري والسيوف بأنواع مختلفة، وبأسعار زهيدة نسبياً. بعامة، السعودية زهيدة بشكل مفاجئ: الفواكه والخضار بأقل من نصف السعر في البلاد (بما في ذلك في السوبرماركت)، الملابس بربع السعر (هذا لا يتضمن العلامات التجارية)، والوقود بـ 2 شيقل للتر (الأزمة العالمية وارتفاع أسعار الوقود العالمية لم تصل الى هنا).
من المعقول الافتراض أن المزيد فالمزيد من الإسرائيليين سيصلون الى هنا في المستقبل. بعضهم لغرض الأعمال التجارية، وبعضهم انطلاقاً من الفضول. هؤلاء وأولئك سيجدون دولة أقل تهديداً بكثير مما كان يمكن تقديره من بعيد. العكس هو الصحيح: السعودية لطيفة جداً وتبث أجواء مريحة. من المشكوك فيه أن تصبح هدفاً على خريطة السياحة الإسرائيلية، لكن ما يحصل هذه الأيام بين المملكة وبين إسرائيل هو حدث تاريخي يصعب على المرء ألا يتأثر به. إذا ما تزينت إسرائيل أيضاً بصبر غير مميز، وفهمت بأن هذه المسيرة ستستغرق وقتاً، فثمة احتمال كامن بأن ينتهي بعلاقات بين الدولتين.

عن "إسرائيل اليوم"