هارتس : الإسرائيليون كذلك إرهابيون..

يوسي ميلمان.jpeg
حجم الخط

بقلم: يوسي ميلمان

 

 



حق الاختراع محفوظ لوزير الدفاع، بيني غانتس، على اختراعه المفهوم الجديد "إرهاب السايبر". في خطاب ألقاه في مؤتمر السايبر الدولي في تل أبيب، الأربعاء الماضي، قال: إن "إيران رائدة في إرهاب السايبر". وأضاف إلى ذلك تهديداً كأنه لا تكفي تهديدات زعماء إسرائيل، رئيس الأركان ورئيس "الموساد"، التي يسمعونها صباح مساء، "تستخدم إيران امتداداتها أيضاً في مجال السايبر". الامتدادات الجديدة هي إرهابيون لديهم لوحة مفاتيح، حكمهم هو حكم أعضاء منظمات إرهابية أخرى.
يبدو أنه لا توجد حدود لرغبة إسرائيل في استخدام كلمة "إرهاب" التي تجذرت في الحرب الفرنسية في السنوات التي سميت "حكم الإرهاب"، والتي كان مهندسها مكسمليان روبسبير. التفسير اللفظي للكلمة هو "الخوف"، ومع مرور السنين أخذت معنى لفرض الرعب بوساطة عملية عنيفة، بالأساس ضد مدنيين، وهدفها زرع الخوف بهدف تحقيق هدف سياسي، عسكري، أو شخصي. هكذا جاء إلى عالم المصطلحات الإسرائيلية مفهوم "نشاطات إرهابية"، الذي يترجم للعبرية أيضاً بـ"العمليات التخريبية".
لأن الإسرائيليين، بشكل خاص القيادة السياسية والعسكرية، يعشقون هذه الكلمة بسبب أنها تعزز البرانويا والحيونة، فإنه أضيفت إلى الإرهاب العادي اشتقاقات عبثية - "إرهاب سياسي" و"إرهاب قانوني". وقد استهدفت إنكار حقوق الفلسطينيين في النضال ضد الاحتلال بوسائل دبلوماسية - للضغط أو التأثير على دول من أجل تغيير موقفها من إسرائيل - أو قانونية: تقديم دعاوى ضد أعضاء جهاز الأمن في محكمة الجنايات الدولية. ولكن جهود الفلسطينيين هذه لا تعتبر "إرهاباً". هي بالضبط عكس ذلك. من يستخدم وسائل دبلوماسية أو قانونية، أو حتى يطالب بمقاطعة إسرائيل، لا يعتبر "إرهابياً"، هو دبلوماسي أو قانوني أو نشيط في "بي.دي.أس"، الذي بالتحديد امتنع عن تنفيذ عمليات "إرهابية".
أيضاً استخدام السايبر لا يعتبر "إرهاباً"، هو وسيلة تحولت في السنوات الأخيرة إلى وسيلة منتشرة أكثر فأكثر، من أجل تحقيق أهداف كثيرة ومتنوعة. هو يساعد الخارجين على القانون على تنفيذ جرائم اقتصادية مثل سرقة الأموال والاحتيال ومخالفات جنسية، وهو يمكن من سرقة الهويات وتقمص شخصيات آخرين وسرقة معلومات، ويمكن بمساعدته نشر معلومات كاذبة في محاولة لتشويه الواقع وخلق "حقيقة بديلة"، ووسائل السايبر يمكن أن تؤثر على وعي الجمهور في محاولة لتغيير نتائج انتخابات، مثلما حاولت روسيا في عهد فلاديمير بوتين في الانتخابات الأميركية في 2016 وفي بريطانيا وفرنسا ودول ديمقراطية غربية أخرى.
على الصعيد العسكري والأمني يجب التحدث عن السايبر بمصطلحات حربية وليس إرهابية. فمنذ الحرب العالمية الأولى جرت الحرب على ثلاثة مستويات، البر والبحر والجو. وقبل عشرين سنة تقريباً بدأ يتطور بُعد رابع، وهو السيبراني، والآن تمت أيضاً إضافة بُعد خامس وهو الذكاء الاصطناعي.
الإمكانية الكامنة في الضرر الذي يمكن لحرب السايبر أن تتسبب به للعدو هي إمكانية كبيرة. فهي يمكن أن تؤدي إلى موت مئات الآلاف، فإذا تم أبطال مفعول منظومات الحواسيب في المستشفيات سيموت أشخاص. وبدلاً من إطلاق صاروخ يصيب محطة كهرباء يتم اختراق حواسيب تلك الدولة. وإذا تم شل محطة طاقة نووية فيمكن أن ينبعث غبار مشع. وإذا تم التشويش على حواسيب السدود فستحدث فيضانات. وإذا تم إخراج حواسيب شركات المياه من الخدمة فيمكن تسميم مصادر المياه مثلما كشف عن ذلك نائب قائد الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية، الأسبوع الماضي، في مؤتمر السايبر ذاته في تل أبيب.
ليس عبثاً أن صلاحية الرئيس الأميركي بإعطاء الأمر لاستخدام حرب السايبر ضد دولة معادية ترتكز على صلاحيته في استخدام السلاح النووي. أضرار حرب السايبر أو إلقاء قنبلة نووية يمكن أن تكون متشابهة، لكن مع فرق واحد وهو أن حرب السايبر لا تترك أي آثار. فهي حرب خفية عن الأنظار، وهي تسمح بمجال لنفي المسؤولية عن العمل.
إسرائيل والولايات المتحدة (بعد ذلك الصين وروسيا) كانتا من الأوائل في العالم الذين فهموا ذلك. وكانتا من الأوائل الذين طوروا قدرات تكنولوجية بعيدة المدى. وحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية والـ"إن.أس.آي" وقيادة السايبر الأميركية، استخدمت حرب السايبر ضد إيران. حدث هذا في 2008 و2009 عندما تم إدخال فيروس باسم "ستوكسنت" إلى الحواسيب التي شغلت أجهزة الطرد المركزي في موقع لتخصيب اليورانيوم في نتناز. تسبب "تسميم" الحواسيب بالضرر لنحو ثلث هذه الأجهزة. ومنذ ذلك الحين طورت إسرائيل قدراتها ويتم توجيه ضربات سايبر لحواسيب هذه المواقع وقواعد الجيش والبنى المدنية الحيوية في إيران، المنسوبة لـ"الموساد" ووحدة 8200. حركة السفن في ميناء بندر عباس تم شلها، وهكذا أيضاً محطات الوقود ومحطات القطارات. في الأسبوع الماضي نشر عن ضرر كبير في ثلاثة مصانع لإنتاج الفولاذ تابعة للحرس الثوري الإيراني.
عندما فهمت إيران أن إسرائيل والولايات المتحدة تدير ضدها حرب سايبر فقد بدأت بالرد. بنوك أميركية تضررت وأيضاً حواسيب شركة النفط السعودية "أرامكو". ولا يمر يوم لا ترد فيه إيران على إسرائيل بحرب ضروس، حتى لو كان ذلك بنجاح قليل جداً.
لذلك فإن اتهام غانتس لإيران بـ "إرهاب السايبر" هو نفاق. إذا كانت ما تقوم به إيران هو إرهاب فإن نشاطات إسرائيل هي إرهاب أيضاً. هذه التصريحات هي هراءات، ومن الأفضل عدم القيام بشيطنة العدو، لأنه تدور بين إيران وإسرائيل منذ عشرين سنة حرب سرية، تستخدم فيها جميع الوسائل بما في ذلك حرب السايبر.

عن "هآرتس"