وصلت الحالة الفلسطينية إلى حالة من الاستهتار أخذت بُعداً مُزعحاً تقزمت بها القضية الفلسطينية واندثرت المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بسبب تضخم الذات الفصائلية تلاها انفصالاً وشرخاً بين شطري الوطن بسبب غياب رؤية وطنية تسعى إلى تقليص "الانقسام الفلسطيني _الفلسطيني" الذي كان جزءاً من خطة "أمريكية _صهيونية" تم صياغتها وتطبيقها بحرفية.
بعد مشاهدة الصورة التي جمعت كل من الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس "اسماعيل هنية" في الجزائر بات المحللون يعكسون وجهات نظرهم بين الرؤية الإيجابية والسلبية فتارة اعتبروها صورة بروتوكولية لا أكثر ولا أقل وتارة اعتبروها بوابة الأمل للبدء في المصالحة وإنهاء الانقسام، وتارة اعتبروها أنها جاءت بالصدفة وبترتيب مُفاجىء من الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" لمواصلة المصالحة وإنهاء الحقبة السوداء كون الجزائر تحمل فكراً وحدوياً بين كافة الفصائل وترى فلسطين واحدة موحدة مهما اختلفت الرؤى والإيديولوجيات، وكما تسعى الجزائر ايضالتكون لاعباً إقليمياً أمام ظهور النظام الدولي متعدد الأقطاب فالجزائر أكثر قُرباً من روسيا والصين حيث تريد أن تكون ضمن سياق دول الإقليم الفاعلة في الملفات ذات البعد الإقليمي والشرق الأوسطي.
ولكن من المؤكد أن من رأى الصور والذي يحمل هماً وطنياً نحو إنهاء الحالة الراهنة يحلم بأن تُترجم حالة المصافحة بين "أبو مازن وهنية" إلى حالة تعكس فعلياً المصالحة بين الطرفين، فالانقسام زرع مفاهيم فكرية خاطئة بين أجيال تلاحقت أدى إلى بناء "حائط إسمنتي" بين أكبر حركتين "فتح وحماس" أفقدت القضية من مضمونها الوطني وأصبح المضمون الاقتصادي هو الأساس دون إدراك أن الانقسام جُزء من مخطط "صفقة القرن" أو ما يسمى" الصفقة الإبراهيمية" أو "الصفقة الاقليمية".
إن المستقبل القريب لا يُبشر بخير حول حال القضية الفلسطينية إن بقي التمسك بطريق المفاوضات العبثية برعاية أمريكية والتي لم تُحقق سوى المصالح الاسرائيلية وغض الطرف عن المصلحة الفلسطينية .
من هنا لا بد من تحقيق الوحدة الوطنية كهدف من خلال الضغط الداخلي على كل من مسؤولي فتح وحماس لأن من حلل الصورة ورأى الوجوه العابسة يعلم تماماً من المعرقل وأنهم التيار الرافض للوحدة.
لذا من المأمول من قبل الحركتين والفصائل الأخرى أن لا يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه المؤامرات القادمة وأن الرهان على المؤثرات الإقليمية أو الدولية دون الرهان على الحالة الداخلية يعني بمثابة استكمال المخطط" الصهيو_أمريكي"، وكل شخص ضد إنهاء الانقسام قولاً أو فعلاً هو يُمثل "فجوراً وطنياً" خاضعاً ضمن أجندات خارجية أو مصالح شخصية لتمرير الصفقة الاقليمية.
إن صعوبة تحقيق اتفاق بين فتح وحماس يعني أن الساحة الفلسطينية تواجه خلافاً سياسياً وقانونياً ويزداد هذا الخلاف بعد غياب الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" فالخوف أن يتطور الخلاف إلى فوضى محلية .
فالمصالحة الفعلية هدفاً والانتخابات العامة هي وسيلة لتحقيق هذا الهدف بعيداً عما يسمى "تدوير أزمة المصالحة" دون حلول على أرض الواقع، صحيح أن الحركتين لهما برنامجين مختلفين ولكن بالإمكان التقاط النقاط المشتركة وعمل برنامج موحد يُمكِن الحالة الفلسطينية ويلائم المرحلة الحالية، والمصالحة تعتبر باباً لتأسيس شراكة سياسية حقيقة يشمل الكل الفلسطيني وإنقاذ المشروع الوطني من خلال تقديم تنازلات تعمل على نجاحها.
في نهاية المطاف، مآلات القضية في ضوء الانقسام يتراوح بين سيناريوهين بقاء الوضع الراهن كما هو مع تزايد الحالة الفلسطينية تعقيداً وإن طرأت تحسينات في الناحية الاقتصادية ولكن الانتخابات الاسرائيلية القادمة في تشرين الثاني المقبل لا تُبشر بخير للشعب الفلسطيني أمام تسارع الفكر التطرفي اليميني.
وأما انقاذ ما يمكن إنقاذه بتعزيز المصالحة دون شروط أو مراحل وتكون الانتخابات العامة أولى مراحلها كبوابة العبور لحقبة جديدة ويجب إقرار قانون للانتخابات بحيث تصبح انتخابات دورية كل أربع سنوات، وكما أن عدم إتمام المصالحة والتقدم ببعض الخطوات سيكون سبباً في حرب طاحنة لن تسلم الضفة من انعكاساتها، من هنا فإن الضغط الشعبي في الضفة الغربية وقطاع غزة ضرورة ملحة في هذه المرحلة.