بقلم: د. أحمد يوسف
من القضايا الملفتة للنظر أنه إذا تحدث البعض من قيادات الفصائل الوطنية أو الإسلامية، فدائماً يلقي اللوم والعتب على غيره، ويعلق الخطأ على مشاجب الآخرين، ولا تسمع منه إلا كيل المديح للفصيل الذي ينتمي إليه، فهو الذي بادر وقدَّم الاقتراحات للخروج من نفق الأزمة، وهو الذي ناضل في كل الساحات، وسجَّل من الإنجازات ما يجعله يتقدم الصفوف، ويحظى بتحقيق كل ما حلم به من ألقاب البطولة والمجد.!!
هذه اللغة السياسية الحزبية وجدت لها – للأسف - موطئ قدم في بلادنا وبين أهلينا، ومنذ أن وقع الانقسام والكثيرون يدعون أنهم على حق، أما الخطأ وما وقع من حماقات وخطايا فيتحمله الآخرون، الذين هم جهة الخصومة والخلاف.!!
الإسلاميون والسياسة
من الأشياء التي نلاحظها هي لجوء بعض الإسلاميين إلى اعتماد لغة المزاج في السياسة، بعيداً عن حسابات الرأي وأبعاده، ومخاطره وتداعياته، وبالتالي يفتح الباب لملاسنات الطرف الآخر ومناكفاته.
إن من المعروف في عالم السياسة هو توخي السياسيين الحذر في كل ما يقولون، واللجوء إلى الجمل والعبارات التي يمكن وصفها بأنها "حمَّالة أوجه"، والابتعاد عن تشخيص المسائل السياسية العامة خارج سياق المحددات التي من المفترض أن يلتزم بمعالمها القادة والمتحدثون لوسائل الإعلام بكل فضاءاتها المختلفة، إذ لا يُعقل أن تسمع حول المسألة السياسية الواحدة عدة وجهات نظر متباينة، ولقيادات من نفس التنظيم، ولكن الفرق هو أن ذلك محسوب على تيار الصقور والآخر على جناح الحمائم!!
في السياسة هناك ضوابط ومحددات، وعلى الكل القيادي الالتزام بها، للحفاظ على هيبة الحركة ومكانة التنظيم، ولكن – للأسف – إن من بين القادة من تغلب عصبيته فيشطح في تصريحاته بعيداً، أو تتغلب عنده لغة المزاج فيورد الحركة بأخطائه موارد الهلاك ويدخلها في ساحات المناكفة والخلاف.
مصطلحات ساقطة من القاموس الفلسطيني!!
يقول د. غازي حمد، وكيل وزارة الخارجية بغزة، كنت مشدوهاً وأنا أشاهد الأستاذ الشيخ عبد الفتاح مورو على التلفاز وهو يُقيِّم تجربة حزب النهضة, حيث كان يتكلم بعفوية، وبدون تردد، ويقول: "نعم أخطأنا.. نحن قصرنا في جوانب عديدة.. ليس عيباً أن نخرج من الحكومة، وأن نعيد تقييم أمورنا.. التونسيون حاسبوا الحركة على أخطائها.. قيادة النهضة لم تدرس متطلبات الحكم، لذا كان لدينا خطأ وسوء تقدير بسبب قلة الخبرة.. الإسلاميون تأثروا بخروجهم من الحكم، ولم يستوعبوا أن النظام الديمقراطي يعني المغادرة بعد الدخول، وأنه ليس في كل مرة يجب أن تكون أنت في صدارة الحكم".
بلا شك، إن هذه المصطلحات غائبة تماماً عن القاموس الفلسطيني.. لم يسبق أن سمعناها بهذه القوة والوضوح من أحد!
أما الشيخ عصام تلِّيمة، أحد الرموز الإخوانية، والذي انتهت به الأحوال للإقامة في تركيا بعد انتكاسة الربيع العربي، فقد أوضح قائلاً: "إن من أهم خصائص النفس البشرية: الخطأ، وليس عيباً أن نخطئ، لكن العيب الكبير أن نخطئ ولا نعترف بخطئنا، ونعتذر عنه، ونعمل على معالجة ما ترتب على هذا الخطأ".
لماذا أخفق الإسلاميون سياسياً؟
في سياق عثرات الإسلاميين سياسياً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تنجح الحركات الإسلامية – بشكل عام - في مشهد الحكم والسياسة؟ ولماذا تتراجع حظوظ الكسب لديها من ناحية الشعبية، والقدرة على تحقيق وعودها في التغيير والإصلاح؟
لقد حاول الصديق العزيز د. منذر عبد اللطيف، الأكاديمي والمفكر الإسلامي، الإجابة على هذا السؤال بصراحة قوية، كان مبعثها خبرته القريبة بالإسلاميين، وفهمه لطبيعة الحركات الإسلامية التي عايشها لعقود، إضافة إلى الخبرة الشخصية والممارسة الفعلية. فأشار إلى عدد من السلوكيات التي لخصها في عشر نقاط مستفيضة، وقد قمنا باختيار خمسة من بينها، وهي الآتي:
أولاً) الثقافة الفوقية، والتي تعني أن فلسفة تثقيف أبناء الحركة الإسلامية تقوم على أسس من الفوقية، وأنهم أساتذة العالم، وأن غيرهم يفتقد مقومات أساسية كثيرة، وبذلك فهو يفتقد الحق في الحكم والقيادة، وعليه فمن الطبيعي أنه يستحق المعارضة من الحركة الإسلامية، وتفسير ما يصنع على أسس الريبة والشك، فإن أخطأ فهو استغلال المنصب، والفساد بعينه، وإن أصاب فقد كان من الممكن أن يكون الإنجاز أكبر بكثير!!!. وعلى خلاف ذلك فإن من ينتمي إلى الحركة الإسلامية إنما يحفر في الصخر (أعانه الله)، فـ "الصهيونية العالمية"، و"الصليبية الحاقدة " تناصبه العداوة وتخطط ضده، فإن أخطأ فهو معذور، وله أجر، وإن أصاب فله أجران.
لا شك، بأن هذه الثقافة الفوقية التي تربت عليها أجيال الحركة الإسلامية حالت بينهم وبين رؤية الخير في كثير من الأفراد والجماعات، فرسَّخت لدى أبنائها صفات التفرد والاستحواذ، وبذلك حرمتهم من بناء جسور التواصل والتعاون والمشاركة، واستبدلتها بسدود من الحقد والكراهية والريبة، بالرغم من وجود مساحات واسعة من آفاق التوافقات والعمل المشترك.
ثانياً) الثقافة التبريرية، حيث إن الحركات الإسلامية تتميز بقدر غير معقول من القدرة على التبرير، فهي تبرر عداءها وتناقضها مع الحركات الأخرى على أسس دينية حيناً، وعلى أساس ضعف أداء الأخيرة أحياناً أخرى، أو الفساد الذي "يضرب أطنابه"، والتجاوزات المنتشرة في جنباتها، أو حتى لأسباب وطنية وأيديولوجية!! المهم أنها لا تعدم الوسيلة لتبرير تناقضاتها، ولديها من المصطلحات والمفردات ما يكفي ويزيد. وعلى الجانب الآخر، فإن قدرتها التبريرية عالية للدفاع عن سياساتها وممارساتها بل حتى عن أخطاء قياداتها، إذ أنها لا ترى في كل ما يجري على لسانها سوى الحق بعينه.. لقد أوجدت الثقافة التبريرية لدى الحركات الإسلامية معالم جوهرية للتبرير، تتربع على عرشها "المؤامرة العالمية على الإسلام والحركات الإسلامية"، مما يمنعها من الوصول إلى الحكم، وإن وصلت كانت لها بالمرصاد!! وليس أصدق من التدليل على بطلان ذلك من فشل الحركات الإسلامية في التعايش مع شقيقاتها الأُخَر أو زميلاتها من الحركات الوطنية، أو حتى ذلك الفساد الظاهر في استغلال المنصب وتجاوز القانون، الذي لا يمكن أن تخطئه العين، عندما تصل بعض من تلك الحركات للحكم. إن استخدام مفهوم المؤامرة على الإسلام قد صنع من كل ما عدا الحركة الإسلامية – بما في ذلك الحركات الإسلامية المختلفة معها – كتلة كبيرة من الأعداء، الذين "يتفقون جميعاً في ضرورة إفشالها، وتنحيتها عن الحكم"، أو أن تلك القوى تتحالف معاً لمنع وصولها إليه!!
ثالثاً) القفز في الهواء، ويعني ذلك عدم تقدير البيئات الداخلية والخارجية بالشكل الصحيح. ونقصد بالبيئات الداخلية مجموعة العوامل الداخلية المؤثرة من الأحزاب والحركات والمؤسسات ذات الحضور، وأيضاً طبقات رجال الأعمال والنقابات، إضافة إلى الأجهزة الأمنية والقضائية، وأجهزة الدولة الأخرى، التي تشكل عصب البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي – إن توحدت – يمكنها أن تتغلب على صندوق الانتخابات، الذي هو آلية الوصول إلى الحكم، لكنه ليس الضامن لممارسته. أضف إلى ذلك، الحاجة الملحة لبناء وتفعيل منظومة من القوانين والقيم الداعمة لتداول السلطات وتشكيل التحالفات ومنع التفرد والتسلط، وإعلاء قيمة صندوق الاقتراع، وترسيخ مبادئ التعددية وحقوق الإنسان والشفافية، وغيرها. وأما البيئة الخارجية، فنقصد بها مجموعة الدول الإقليمية والعالمية والمؤسسات الدولية، والتي لا بدَّ للحركة الإسلامية من التمتع بقدرٍ كافٍ من المصداقية، لبناء علاقات محترمة مع تلك المجموعات، بحيث يتم التغلب على أي من عوامل التوتر، وسوء الفهم.
إن القفز من صندوق الانتخابات إلى أعلى سلم الحكم، دون اعتبار لمصالح البيئتين الداخلية والخارجية وتأثيراتهما، إنما هو نوع من المجازفة التي لا تليق بحركة متمرسة، وهو قفز في الهواء لن تجد معه الحركة أي أرضية جديدة، بل ستعود بعده إلى نقطة الصفر. وللعلم؛ فإن هذه هي طبيعة الأشياء، وبالذات في وجود ذلك القدر الكبير من التشكك وسوء الظن في سلوكيات الحركات الإسلامية وأهدافها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار صندوق الانتخابات معياراً كافياً أو وحيداً يؤهل الحركة للحكم.
رابعاً) العفوية والعشوائية والتسلط في اتخاذ القرارات، إن المتتبع لآليات اتخاذ القرارات في هيئات ومؤسسات الحركات الإسلامية يكتشف العجب العجاب. ويكفي أن ندلل على ذلك فيما يتعلق مثلاً بالموقف من المشاركة في الانتخابات من عدمه، حيث لك أن تتخيل أن يتم عرض الموضوع على الهيئة القيادية العليا، وهي ما بين عشرين إلى أربعين عضواً، فيدلي كل عضو بدلوه بين مؤيد ومعارض، ويبين كل منهم أسبابه، ولماذا أخذ هذا المنحى في إجابته، وبديهي أن يصمت آخرون لأن أصواتهم لا تضاهي المتكلمين، أو خوفاً من الشطط.
وفي النهاية، إما أن يداهم الوقت الحضور فيضطروا للتصويت أو أن تمتد الجلسة لتخلف عشرات الإيجابيات والسلبيات والفرص والمحاذير، ثم يحدد كل فرد منهم موقفه بناء على "حدسه وشعوره". إن الطريقة المذكورة هي الطريقة المعتمدة في الوصول إلى مواقف الحركة، ثم يقال بأن هذا هو رأي الشورى!! إن من يفهم طرائق التفكير وآليات صناعة القرارات يعلم تماماً أن تلك الطريقة هي طريقة عشوائية لا يمكن أن تفضي إلى أجوبة ومواقف محترمة ومحسوبة تماماً، كما يتطلب الأمر من الحركات الكبيرة أو الدول والحكومات. كما يجب أن يكون معلوماً أن أسهل خطوة هي اتخاذ القرار، لكن يجب أن يسبقها عملية صناعة القرار، والمفاضلة الكميَّة بين البدائل، وكل ذلك محكوم بالمعايير المتفق عليها، والتي تمَّ وزنها بناء على أهميتها. لكني أعلم يقيناً أن هذا الكلام يعتبر من الطلاسم للكثير من القيادات، التي تمَّ تصعيدها بالأساليب الحالية، ولهذا فكيف نتوقع نجاحاً دون مقدمات؟
فمثلا، تمَّ تقديم النصح للإخوان المسلمين في مصر بعدم الترشح للرئاسة، والاكتفاء بدعم أحد المرشحين الداعين للحريات وحقوق الإنسان في هذه المرحلة، مع التركيز على التعاون مع الأحزاب الأخرى لسنِّ القوانين الضامنة لحياة سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية وقضائية ملائمة لتداول السلطات وتحقيق الحكم الرشيد، وتمَّ تحذيرهم من عدم استقرار النظام السياسي إن قامت بالمنافسة على الرئاسة، والكل يعلم النتيجة. إن القيادة التي لا تعرف طرق صناعة القرارات، أو لا تحترم نتائج عمل اللجان المتخصصة في صناعة القرارات هي قيادة فاشلة ومتخبطة، ولا تحميها سوى شماعة المؤامرات المحلية والإقليمية، التي تستمر في تعليق عجزها وضعفها وفشل سياساتها عليها.
خامساً) صناعة الأعداء، من الواضح أن لدى الحركات الإسلامية قدرة هائلة على صناعة الأعداء، وفي نفس الوقت عجزها عن بناء التحالفات. إن منطق فلسفة الفكر الحركي الذي تكتنفه درجة عالية من الفوقية، والقناعة بأنه الأفضل, وأن ما عداه (فيجمع الجميع في سلة واحدة) إما متآمرون أو يرتبطون بمتآمرين غرضهم تحجيم الحركة الإسلامية (نظرية المؤامرة)، إنما يبني تكتلاً من الأعداء للحركة. ويرتبط ذلك - أيضاً - بالرغبة الجامحة للحركة في الاستحواذ والسيطرة، وعدم المشاركة، وكأن تلك الحركة تعيش في العالم الافتراضي، وهذا ما شهدناه في مصر، وفلسطين، والأردن، وغيرها. وكأن لسان حال الحركة الإسلامية يُصرِّح بأنه الأوحد والأقدر والأحرص وصاحب الحق الطبيعي في الحكم والقيادة، ويا ويل من حاول الدفاع عن وجوده ومصالحه ضد هذا التوجه، فهو في هذه الحال يشترك في المؤامرة على "الإسلام"، وهو الحريص على دعم الفساد ومعسكر الأعداء!!
إننا في الحركة الإسلامية بحاجة إلى إجراء مراجعات جادة، ونشرها حتى تصبح ثقافة عامة داخل الحركة وليس فقط بين نخبها القيادية، وعلينا أن نفتح المجال لكي ينطق كلٌّ منَّا بمرئياته دونما اتهام أو تشكيك؛ لأن حجم الكارثة وأشكال التآمر تفرض معالجات سريعة قبل أن يبلغ الموج مداه.
تونس والحركة الإسلامية: نموذج للاقتداء
لقد أعجبتني مداخلة للشيخ عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية، أثناء مشاركته في الملتقى الوطني العاشر لشبيبة العدالة والتنمية، حيث قدَّم مجموعة من النقاط والتي هي بمثابة لفتة بالغة الأهمية وكلمة نصوح لكل الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين، وهذا ملخصها: نحن في المغرب أدركنا قبل أساتذتنا في المشرق أن الخلل ليس في العلاقة مع الدين؛ بل في القدرة على نفع الناس، وأضاف: إن هذا الفهم لم يكن متوفراً بداية؛ بل حصل نتيجة تراكم معرفي وتجارب كانت نتيجتها الاعتقالات والمنافي، مقراً بأن تجربة الإسلاميين اعترتها أخطاء على مستوى قراءة النص الإسلامي والواقع أيضاً.
وشدد الشيخ مورو على أن من بين أخطاء الإسلاميين التصورية هو الموقف من الدولة، حيث إننا لم نفهم حقيقة الدولة الوطنية، التي نشأت في أوطاننا بُعيد خضوع العالم الإسلامي للاستعمار، وبقينا خاضعين لمنطق آخر في التعاطي مع مسألة الدولة .
وتابع مورو: في مقابل نقاش الدولة، كنا نحن الإسلاميون مشغولين بنقاش "العالمية الإسلامية"، وتجاهلنا قضايا مهمة من قبيل المواطنة، والعلاقة مع غير المسلمين في أوطاننا، والموقف من "اليسار والشيوعيين"، ومكانة المرأة، وقضايا "حقوق العمال" و"الحريات العامة". وأضاف: "لقد حرص الإسلاميون على الغرق في مفهوم الحاكمية، وهي قضية جزئية ظهرت إلى العلن في سياق سقوط الخلافة الإسلامية، بل تمَّ تضخيمها، وأصبحت قضية القضايا لدى إخواننا".
وأفاد الشيخ مورو: "لقد نسينا أن قضيتنا إنسانية مرتبطة بالنضال مع المستضعفين، من أجل التحرر الاقتصادي والسياسي من قيود الاستعمار والقوى الإمبريالية، نضال يجب أن يكون مع غيرنا من غير الإسلاميين ومن غير المسلمين".
وأوضح بأن الأمة ليس لها كيان وطني، فإيجاد الكيان الوطني مقدم على تطبيق الشريعة، القضية ليست تطبيق القانون، الأهم هو بناء دولة العدالة، فليست القضية "قطع يد أو قطع رأس أو إقامة حد، بل بناء دولة المواطنين".
وزاد مورو: "كنا مخطئين في قراءتنا للنص الإسلامي في شبابنا، ولما صرنا شيوخاً بقي لنا الشباب الذين عليهم الأمل في تجاوز أخطائنا، وأيضا تجاوز تخلف المجتمعات الإسلامية".
اعتبر مورو أن تخلف العالم الإسلامي، أكبر من ترك الصلاة، وعدم لبس المرأة للحجاب الشرعي، وعدم إطالة اللحية، أو تقصير الثياب، أو عدم تطبيق الحدود، "فالعالم الإسلامي تخلف؛ لأنه لم يستطع الحفاظ على القيم الأخلاقية التي تحمي حقوق الناس وكرامتهم.
وأفاد الرجل الثاني في حركة النهضة: "لقد ظهرنا لنقول للناس نحن الخلاص الأخلاقي، لكننا فشلنا في هذا، ومنعتنا النخب السابقة من التعامل المباشر مع الناس، وحاصرونا بأننا نصلح للصلاة فقط، ومع ذلك علينا التعاون معهم لصالح الوطن.
وتناول مورو قضية "الشرعية"، مسجلاً أنها "شرعيات"، وعلى الإسلاميين بعد الوصول إلى الحكم أن يبحثوا عن شرعيات جديدة، أهمها شرعية "الإنجاز"، وتوفير الخدمات والوظائف وتحقيق طموحات الناس التي كانت سبباً مباشراً في التصويت عليهم.. واعتبر الإسلامي التونسي، أنه يتعين على الإسلاميين الوصول إلى مفاصل الحكم، مشدداً على أن مفاصل الحكم هي الشرعية، مبرزاً أن المفاصل هي كل الوسائل التي تمكن من الوصول المباشر إلى الناس، مجملاً إياها في أربعة عناصر هي الإعلام، والفن، والجامعة، ورجال الأعمال.. وأفاد أن المجتمعات لا تتغير بالحكم، بل تدار بالحكم، قائلاً: "أنتجوا للناس ما يجعلهم يختارونكم على غيركم، قدموا منتوجاً يرضي الناس".
في الحقيقة، أن في هذه الوصايا الكثير مما يمكننا اعتباره حجر الزاوية، وبيت القصيد في عملية التوعية والإصلاح المطلوب من الإسلاميين انتهاجها في المرحلة القادمة، للخروج من حالة التخبط والصراع مع الآخر.
ختاماً، إن على الإسلاميين وقادة الحركة الإسلامية في منطقتنا العربية التحرك قبل فوات الأوان، لقد أخفقنا في مشهد الحكم والسياسة، ولكن هذا لا يعني أننا فشلنا، وأن علينا عدم تكرار المحاولة.. اليوم، نحن في الساحة الفلسطينية – مثلاً - نتحدث برؤية أفضل عن الشراكة السياسية والتوافق الوطني، ونتقبل مفاهيم المواطنة والدولة المدنية والحريات والتعددية السياسية، كما أن نظرتنا تجاه شركائنا في المشروع الوطني تتحرك بإيجابية، وتقدم استجابات بشكل أفضل، وهذه كلها خطوات - إن تمَّ الالتزام بها – وصلنا إلى رأس الجسر وبداية الدرب في جمع الصف، وتحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة. وعلينا أن نتذكر دائماً بأن "الاعتراف بالخطأ فضيلة".