على الأرجح أن العام الحالي ما هو إلاّ امتداد للعام السابق فيما يخص القضايا الكبرى التي شغلت العالم، انتهى عام 2015 من دون أن تستكمل أو تنتهي أي قضية من هذه القضايا: الارهاب، اللاجئين، تداعيات الربيع العربي وجملة التحالفات الإقليمية والدولية، إلاّ أن هناك مسألة بالغة الأهمية ظلت دون مستوى الاهتمام مقارنة مع القضايا الكبرى المشار إليها، ربما باعتبارها نتيجة وليست سبباً، ونقصد هنا «التخمة النفطية» المعروضة في الأسواق العالمية، الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعار النفط بمقدار الثلث تقريباً.
ومع أن معظم الاقتصاديين المتخصصين بالسوق النفطية، كانوا قد راهنوا على «اعتدال» أسعار النفط وارتفاعها مع حلول فصل الشتاء، نتيجة لاستهلاك متزايد من قبل الأوروبيين للنفط للتدفئة، إلاّ أن هذا الرهان قد سقط بعدما تبين، أن التخمة النفطية وزيادة المخزون النفطي لدى معظم الدول الأكثر استهلاكاً للنفط، لم تنعكس تحسناً في أسعار النفط، بل على العكس من ذلك، فإن هؤلاء ـ المتخصصين في أسواق النفط ـ عادوا ليشيروا إلى أن الأسباب التي أدت إلى تراجع أسعار النفط لا تزال تسبب في استمرار هذا التراجع خلال العام الجاري الجديد، مع استمرار الزيادة في الامدادات العالمية مقابل تباطؤ الطلب، هذا التوازن المختل حسب العرض والطلب، سيظل يحكم التعامل مع أسعار النفط. وتتلخص أسباب تراجع أسعار النفط في استمرار منظمة اوبك في الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاج بدفع من السعودية، وتزايد إنتاج النفط من الدول خارج الاوبك، وعودة إيران، أو الخشية من عودتها إلى إنتاج النفط بعد الاتفاق النووي، وإمكانية لجوئها إلى ضخ متزايد تعويضاً عن توقفها عن الإنتاج نسبياً خلال السنوات الماضية، كما أن الركود الاقتصادي، وتراجع الطلب على النفط بعد وصول الدول الصناعية الكبرى، كالصين إلى مستوى أدنى من النمو الاقتصادي، يضاف إلى ذلك طفرة الإنتاج من النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن الأسباب المذكورة تشير إلى العناصر الاقتصادية كسبب من أهم أسباب تراجع أسعار النفط، إلاّ أن هناك إشارات أكثر وضوحاً، إلى أن هناك عوامل سياسية، رافقت الأسباب الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى مثل هذا التراجع وهنا إشارة إلى تحالف أميركي ـ سعودي، في مواجهة مع الاتحاد الروسي وإيران في اطار ميزان القوى السياسي ـ الاقتصادي، على أساس أن تراجع أسعار النفط، ستؤثر مباشرة على اقتصادات روسيا وإيران، في حين أن الولايات المتحدة، ذات المخزون الأكبر من النفط على مستوى العالم، والسعودية التي تستطيع احتواء الأزمة بسلسلة إجراءات، تعوض عن خسارتها من مردودات النفط، إلاّ أنه تبين أن تكاليف التحالفات الإقليمية والدولية انطلاقاً من الأزمة السورية، زادت من أعباء والنتائج السلبية لتراجع أسعار النفط على الدول العربية النفطية، خاصة دول الخليج العربي، دون أن يشكل هذا الأمر سبباً لمراجعة السياسة النفطية المعتمدة على ضخ المزيد من النفط، بدلاً من تراجع الضخ لضمان ارتفاع أسعار النفط وتزايد المردود المالي منه. فقد أعلنت السعودية أن ميزانيتها للعام الجاري 2016، تأثرت تأثيراً مباشراً بتراجع أسعار النفط بعجز مقداره 840 مليار ريال سعودي، بينما كان العجز في السنة السابقة 145 مليار ريال سعودي، بينما لم يكن هناك أي عجز في الميزانية السعودية خلال العامين 2013ـ2014، ما يشير بشكل حسابي بسيط إلى مدى تأثير تراجع أسعار النفط على الميزانية السعودية. لذلك، فإن التخمة النفطية على مستوى الاقتصاد العالمي، فرضت على دول الخليج العربي المنتجة للنفط سياسة تقشف قاسية ستؤثر مباشرة على الوضع الاقتصادي للدول كما للمواطنين بهدف سد العجز في ميزانية الدولة، تحت شعار ترشيد الاستهلاك، ومع بداية العام الجاري، اتخذت قرارات تنفيذية فورية برفع أسعار المحروقات على اختلاف أشكالها، والكهرباء والمياه، وبالمقارنة مع الدول الأخرى فإن الأسعار الجديدة ستظل أقل من المعدلات الدولية، لكنها ستشكل عبئاً على المواطنين الخليجيين مقارنة مع أحوالهم الاقتصادية قبل اتخاذ هذه الإجراءات التقشفية، وتراجع مستويات الرفاهية التي اعتادوا عليها.
إلاّ أن تراجع أسعار النفط، ربما يشكل أداة فعالة بالنسبة للدول النامية والفقيرة، إذا ما أحسنت هذه الدول استثمار هذا التراجع لصالح برامج التنمية لديها، فهي ستدفع أقل بكثير مما كانت تدفعه في ظل ميزانياتها السابقة من النفط والطاقة، في حين قد تلجأ الدول المنتجة للنفط إلى فك ارتباط عملتها بالدولار الأميركي، وأشارت «الديلي تلغراف» البريطانية إلى أن السعودية تفكر بمثل هذا الإجراء، وإذا ما حدث فعلاً، فإن ذلك سيشكل أبرز نتائج تراجع أسعار النفط على مستوى تراجع العملات عن ارتباطها بالدولار، كنتيجة اقتصادية للحرب العالمية الثانية، وتزايد الاكتشافات النفطية في عديد من الدول، خاصة دول الخليج العربي
!! Hanihabib272@hotmail.com