هل تعاني القيادات الفلسطينية من "الباريدوليا"؟!

AZ01p.jpeg
حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 الباريدوليا، ظاهرة نفسية يستجيب فيها العقل لمحفز عشوائي والتي عادة ما يكون على شكل صورة أو صوت، تجعلنا نرى الأشياء أو نسمعها على غير حقيقتها، كأن نرى صورة رجل نعرفه على وجه القمر أو مجسم حيوان في سحابة عابرة أو أن نرى وجهاً مكتمل الملامح في صخرة أو على جذع شجرة، وأحياناً تأخذنا الظاهرة النفسية إلى تبرير ما نراه والذي هو في حقيقة الأمر غير موجود، وفي المجتمعات التي تسكن الخرافة ديارهم قد تنعكس الباريدوليا على السلوك الجمعي، كما حدث في دولة حين تجسد لمرضى الباريدوليا صورة قرد على جذع شجرة، فتحولت معها الشجرة إلى مزار يؤمه الناس لكسب رضاها عنهم، والظاهرة النفسية تأتي نتاج معالجة بصرية وهمية لما تراه العين من محفز عشوائي، وهي بذلك تختلف عن الخداع البصري المبني على قواعد علمية تجعل المرء يرى الأشياء على غير حقيقتها والتي يلجأ إليه الحاوي في أعماله معتمداً على خفة الحركة بالمقام الأول.
دعونا نرى الأشياء على حقيقتها دون أن نقع فريسة الباريدوليا أو تحت تأثير الخداع البصري، غرقنا لسنوات طويلة في تداعيات الانقسام الفلسطيني سيما ما إرتبط منها بالشؤون الحياتية بتعقيداتها المختلفة، تحول فيها الإنقسام إلى مرض مزمن في ظل التقاسم الوظيفي بين شقي الوطن، تلاعب الإنقسام بنا حتى تحولنا معه إلى أضحوكة تلوكها الألسن، فلنا حكومتان وليس لنا دولة، ولدينا من كل وزارة وزارتان ومن كل سلطة سلطتان ومن كل هيئة هيئتان، ولدينا سلطة قضائية هنا وأخرى هناك، وديوان فتوى هنا وآخر هناك، وقوانين جادت بها المراسيم الرئاسية ونافستها قوانين من مجلس تشريعي غير مكتمل، ولدينا وسائل اعلام نسيت الاحتلال واستحضرت كل مفردات اللغة المتعلقة بالتخوين والتكفير لتلصقها بالآخر منا، ولدينا من المجالس ما لا حصر له، ولدينا من الهيئات المحلية ما ليس لغيرنا، ولدينا سفارات في دول لم تصل إليها الدول العظمى، ولم نكتف بذلك بل سعينا ليكون لكل فصيل ممثلاً فيها حتى وإن كان هو قائد الفصيل وجمهوره، لدينا علم يخرج في المناسبات على استحياء وسط رايات الفصائل بكل ما جادت به الألوان، ولدينا من المسميات القيادية ما عجزت الصين عن مجاراتها، ولدينا قيادات هرمت بمسمياتها حتى تمنينا أن ترافقها إلى الدار الآخرة، لدينا سلطة ومنظمة لا نعرف أي منهما تتبع الأخرى.
ألا يحق لنا أن نرى الأشياء على حقيقتها وما آلت إليه القضية الفلسطينية، أم علينا أن نواصل دفن رؤوسنا في التراب ظناً منا أنه يقينا شر الذئب المتربص بنا، نعم فلسطين لن تكون حاضرة في قمة العرب مع بايدن، وتراجع العرب عن تعهداتهم في المبادرة العربية وهرولوا سراً وعلانية في التطبيع مع إسرائيل، ولم تعد فلسطين قضيتهم المركزية وإنغمس كل منهم في قضاياه الداخليه ومصالحه، ويمكن لنا أن نعلق كل خطايانا على شماعة التخاذل العربي، لكن الحقيقة الكاملة غير ذلك، فلا يمكن لنا أن نعفي أنفسنا من الحالة التي وصلت إليه القضية الفلسطينية بل الجرأة الأدبية تتطلب منا أن نضع الأمور في مسمياتها الحقيقية، فما عليه القضية الفلسطينية اليوم هو بالدرجة الأولى نتاج الوضع الفلسطيني الداخلي الكارثي الذي نعيشه، ونحصد اليوم نتائج أخطاء سياسية وحسابات ضيقة ما كان علينا أن نقع فيها.
لطالما شكلت فلسطين بنضالها إرثاً مشرقاً تستمد منه الشعوب الباحثة عن الحرية أنماطاً منه، ولطالما كانت البوصلة لمن ينشد مقاومة الظلم والطغيان، لم يتعب شعبنا من حجم التضحيات التي قدمها على مدار عقود عدة، ولم تفتر عزيمته ولم يضل طريق الحرية والكرامة التي ينشدها، وتجرع لسنوات طويلة مرارة الانقسام في كل تفاصيل حياته، ومارست قياداته كل وسائل الخداع البصري كي يرى الأمور على غير حقيقتها، وأجبرته على التعايش مع مرض الباريدوليا الذي تعاني منه، لكن الحقيقة التي يراها الشعب ولا تراها قياداته أن الانقسام حقق ما عجز الاحتلال عن تحقيقه، وأن قيادات عاجزة عن طي صفحة الانقسام لن تكون قادرة على دحر الاحتلال.