هارتس : قصة القنصلية الأميركية في القدس: بايدن على خطى ترامب

عكيفا الدار.jpeg
حجم الخط

بقلم: عكيفا الدار



إذا تركنا لحظة موجة الإرهاب في الديمقراطية الأميركية وموجة القذارة التي تتصاعد من محاكمة بنيامين نتنياهو فإن دونالد ترامب كان يمكنه أن يأتي إلى هنا، الأسبوع القادم، ليلتقي نتنياهو. في كل ما يتعلق بمثلث الولايات المتحدة – إسرائيل – الفلسطينيين، فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، يحافظ على تراث سابقه. قائمة "الإنجازات" التي عددتها المستشارة المستقيلة لرئيس الحكومة السابق، شمرين مائير، جميعها دون استثناء تركة إدارة ترامب.
في مقابلة مع نداف ايال في "يديعوت أحرونوت" تفاخرت الخبيرة في الشؤون العربية أن "هذه الحكومة لم تفتح قنصلية أميركية في شرق القدس"، هكذا في المصدر. من أغلق القنصلية؟ ترامب. بعد ذلك تحدثت مائير بتفاخر لايال انه على الرغم من أن الحكومة "عانت كثيرا أمام الأميركان بسبب ذلك" فإنها واصلت البناء في "يهودا" و"السامرة"، تماما مثل ترامب. الحكومة السابقة أيضا "ذهبت الى استثمار كبير في هضبة الجولان" – من المهم معرفة كم استثمروا في هضبة ترامب. ودون (أعقنا الاتفاق مع إيران) لم يكن هذا الأمر ممكنا. وشكرا لترامب لأنه أوصلنا الى هذا الوضع، الى مسافة قصيرة من القنبلة الإيرانية.
ليس هناك مثل قصة القنصلية الأميركية في القدس من أجل تجسيد التشابه ما بين سياسة بايدن وسياسة من سبقه في هذا المنصب. التباهي بإفشال إعادة فتحها يكشف أنه حتى بعدسة مكبرة يصعب التمييز بين سياسة حكومة لابيد – بينيت وبين مقاربة نتنياهو. في حملة الانتخابات الرئاسية تعهد بايدن علناً أنه غداة دخوله الى البيت الأبيض سوف يعيد فتح مقر القنصلية في القدس. كرر وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، هذه الأقوال في آذار الماضي. ولكن مثلما شهدت مائير، فإن حكومة إسرائيل نجحت في إفشال هذه الخطوة. إذا لم تحدث انعطافة مفاجئة بصورة واضحة، فإن بايدن سيضع خلفه موضوع القنصلية اليتيم، وسيخرج رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بخفي حنين من اللقاء مع الرئيس الأميركي.
حسنا، لا يدور الحديث عن ممثلية دبلوماسية عادية، واحدة من تلك التي تعمل في إصدار التأشيرات. القنصل العام في القدس لم يكن خاضعا للسفير، وأبلغ مباشرة تقاريره لوزارة الخارجية في واشنطن. إغلاق القنصلية مثله مثل إغلاق سفارة رئيسة. منذ العام 1967 لعب رجال القنصلية دورا رئيسا في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي. في أوقات تدهور العلاقات بين واشنطن ورام الله حافظت القنصلية على علاقة مع السلطة، وأدارت بل منعت حدوث أزمات أمنية. يدين عدد لا بأس به من الإسرائيليين بحياتهم للقنصلية الأميركية في القدس. فلسطينيون وإسرائيليون (ومن بينهم عدد من رؤساء المستوطنين) اعتادوا الاحتفال معا بيوم الاستقلال الأميركي في حديقة البيت الفاخر الموجود في شارع "اغرون".
لم يولد قرار إغلاق القنصلية في البيت الأبيض. سفير المستوطنين في إسرائيل، ديفيد فريدمان، والذي حمل اللقب الرسمي سفير الولايات المتحدة، هو الذي اقنع ترامب بإبعاد القنصل عن طريقه وطريق سكان البؤر الاستيطانية. لقد اشتهوا التخلص من الدبلوماسيين الأميركان، الذين كانوا يتجولون بينهم ويبلغون عن أفعالهم. في مقابلة مع الصحيفة الإلكترونية "زمن إسرائيل" ادعى فريدمان أن الدبلوماسيين الذين طلبوا أن يكونوا موجودين في القنصلية مالوا الى التعاطف أكثر مع الفلسطينيين.
حظيت بالتعرف عن قرب إلى ثلاثة قناصل عامين للولايات المتحدة في القدس. أجل، كلهم، خلافا لفريدمان، اظهروا تعاطفا مع معاناة الفلسطينيين، وبذلوا كل ما في وسعهم لتقليص المس بحقوقهم. كلهم كانوا مخلصين لسياسة الإدارات الأميركية، والتي أيدت وما زالت تؤيد حل الدولتين على أساس حدود 1967 ويعارضون مشروع الاستيطان.
لم يكن للولايات المتحدة أي مصلحة سياسية في إغلاق القنصلية. وليس لديها مصلحة لتأجيل إعادة فتحها، الى جانب الرغبة في تجنب المس بمكانة حكومة لابيد وتوفير ذخيرة لنتنياهو. في الوقت الذي فيه تتملص الإدارة من تعيين قنصل في القدس فإنها خرجت عن طورها من أجل إقناع أعضاء الكنيست السابقة لتمرير قانون استهدف إعفاء مواطني إسرائيل من الأدوار في قسم التأشيرات في سفارة الولايات المتحدة. المعارضة، برئاسة نتنياهو، أفشلت العملية.
بعد أن اضطر الى أن يغلق خلفه أبواب البيت الأبيض، اكتشف ترامب أنه هو أيضا سقط ضحية لشهوات الهدايا المجانية للمليونير من قيساريا. في مقابلة مع باراك رابيد، كاتب كتاب "السلام مع ترامب"، قال الرئيس السابق، إن "بيبي لم يرغب في يوم من الأيام في التوصل الى سلام مع الفلسطينيين... أعتقد انه فقط ماطلنا". إغلاق القنصلية، مثله مثل فتح سفارة للولايات المتحدة في القدس، واتفاقات إبراهيم والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، استهدف مساعدة نتنياهو في استيعاب صفقة القرن. قدم نتنياهو لترامب طعماً وهمياً، وابتلعه بايدن. لابيد وبينيت يلعقان شفتيهما. الإسرائيليون والفلسطينيون ظلوا يعانون مع آلام البطن. من فضلك افتح القنصلية يا بايدن ولا تكن ترامب.

عن "هآرتس"