يديعوت : زيارة بايدن فرصة لاختبار حدود قوة الدولة العظمى

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع

 

 



وصل الرئيس جو بايدن، أمس الأربعاء، إسرائيل بالحفاوة التي تستحقها الدولة التي يقف على رأسها والاحترام الذي يستحقه شخصيا. دعمه لإسرائيل عميق وطويل وثابت. فهو يؤمن أن القيم الأساسية الديمقراطية والليبرالية التي تنبض في قلب أميركا تنبض أيضا في قلب الإسرائيليين. للأسف تلك القيم موجودة في هذه اللحظة في تراجع، سواء هناك أو هنا ولكن بايدن يؤمن بهذه القيم وبهذه الشراكة ولهذا، فإنه يستحق التقدير.
توفر جولته في المنطقة فرصة جيدة لفحص حدود قوة الدولة العظمى: متى تستطيع دولة عظمى أن تفرض إرادتها على دول أخرى ومتى لا تستطيع ذلك. فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية قاسية جداً على إيران. دونالد ترامب، وبتأثير من إسرائيل، كان يؤمن بأن العقوبات ستؤدي الى انهيار نظام آيات الله من الداخل، وبأن النظام سيستبدل أو على الأقل سيضعف ويتراجع عن المشروع النووي. لم يحدث شيء من هذا. ساء الوضع الاقتصادي للمواطنين الإيرانيين، وتمخض الغضب من حين الى آخر عن تظاهرات، ولكن النظام لم يستبدل، والمشروع النووي لم يخبُ، وتدخل إيران في سورية، وفي لبنان، وفي اليمن ومساعدتها للإرهاب الإقليمي بقي على حاله.
إذا وافق حكام إيران في نهاية المطاف على الاتفاق النووي – كل الأوراق الآن لديهم – فإنهم يستطيعون القول لجمهورهم: انتصرنا في المواجهة مع أميركا.
فرضت الولايات المتحدة أيضا عقوبات على روسيا. وهذه العقوبات تم تشديدها بعد غزو أوكرانيا. توحد الاتحاد الأوروبي حول السياسة المتشددة. روسيا، ومنظومتها المالية، ثقافتها، دورها في السوق العالمية، أُقصيت وقوطعت. تضرر الاقتصاد الروسي بشدة. تضررت أيضا ثروتها ومكانتها وحرية حركة "القلة الغنية" من مقربي النظام. تضخمت المرارة في الشارع الروسي. هل أدت هذه الخطوات الى تظاهرات جماهيرية ضد فلاديمير بوتين أو الى انسحاب روسي من أوكرانيا؟ بالتأكيد لا. نظر بوتين مباشرة الى العقوبات وواصل طريقه. فالوقود الذي يبيعه في أوروبا يساعده على الصمود. حسب تقارير وسائل الإعلام الأميركية فإن بوتين مقتنع بأنه نجح في الاختبار.
بايدن واقع في مصيدة: إذا شجع أوروبا على وقف شرائها الغاز الروسي سيرتفع سعر النفط الى 200 دولار للبرميل، وسوف يهزم الديمقراطيون في الانتخابات في تشرين الثاني. وإذا سمح لأوروبا بشراء الغاز فإن بوتين سوف يتعزز في أوكرانيا. لهذا فقد بلوروا في البيت الأبيض خطة تنص على أن أوروبا والشرق سيواصلون شراء وقود من روسيا، ولكن سيفرضون على الروس ثمنا متدنيا. كيف سيعمل هذا؟ هذا غير واضح. بموازاة ذلك سيحاول بايدن إقناع محمد بن سلمان لإنتاج المزيد من النفط وبيعه بثمن أرخص. من منبوذ ومقاطع تحول بن سلمان بين عشية وضحاها الى عزيز الإدارة الأميركية.
ستقولون: يوجد لدول شمولية مثل إيران وروسيا ولممالك مطلقة مثل السعودية قدرة على الصمود أمام الضغط، والخوف من الحاكم يقمع كل احتجاج. ماذا ستقولون إذا كان الأمر كذلك عن أوكرانيا، حيث واجه رئيسها بنجاح ليس فقط إنذارا نهائيا روسيا بل أيضا واجه توقعات حكومات الغرب؟ لو كانت الأمور متعلقة بالإدارة الأميركية لكان فلاديمير زيلنسكي يعيش الآن في المنفى في نيويورك، أو قد وقع على تنازل جغرافي في موسكو. ولكن أمام الوحشية الروسية، فإن قدرة صمود أوكرانية واستخداما حذرا للأوكرانيين بوسائل التواصل الاجتماعي، فإن بايدن اضطر لكي يأخذ على عاتقه تسليح وتمويل الحرب.
في فترة الحرب الباردة، قسم العالم الى دولتين عظميين ورعاياهما. أعطى ميزان الرعب النووي مكانا فقط لحروب صغيرة محدودة، في الشرق الأوسط وفي الشرق الأقصى. عندما شعرت أميركا أن دولة تحت رعايتها مهددة، خرجت لتحارب. بعد سلسلة من الهزائم المؤلمة فقدت أميركا شهيتها للحرب. هي مقسمة من الداخل، ضعيفة ونازفة. أيضا الصين ليست متشوقة للحرب: يوجد لها أساليب توسع خاصة بها. روسيا مستعدة لتحارب ولكنها تجد صعوبة في الانتصار. توجد فجوة كبيرة ما بين تبجحها الإمبريالي وقدراتها في ساحة الحرب.
دخل الى الفراغ دول مثل إيران وإسرائيل. هذان هما المغناطيسان، مركزا القوة اللذان حُكم على دول المنطقة المناورة بينهما. من لا يريد إيران سيكون عليه في نهاية الأمر التعاون مع إسرائيل، علنا أو سرا. دون إسرائيل فإنه سيكون مكشوفا. بايدن يمكنه أن يعرض سلاحا، أموالا، دعما سياسيا، ودعما معنويا. ويمكنه التوسط والقيام بمصالحات. ما تبقى سيحسم هنا، في المنطقة، سواء مع أميركا في المقدمة أو مع أميركا في الخلف.

عن "يديعوت"