في زيارة هي الاولى من نوعها منذ جلوسه على مقعد الرئاسة قبل أقل من عامين وصل الرئيسِ الأمريكي جو بايدن للمنطقة ، ومن المُتوقع أن يلتقي خلالَها بالعديد من قادةِ وزعماء المنطقة، ويلتقي ايضاً بالرئيسَ محمود عباس يومَ الجمعة في مدينة بيت لحم. ملامح الزيارة كما بينت مقدماتها تبدو واضحةً للعيانِ، ترتكزُ بالأساس على سعي الولايات المتحدة لفرض أولويات جديدة مُختلفة عما سادَ طيلةَ سبعةَ عقودٍ مضت احتلَ خلالها الصراعُ العربي الإسرائيلي وجوهرهُ القضية الفلسطينية مركز الاهتمام العالمي.
الزيارة هذه تحملُ محاذيرَ متعددة استبقها الرئيسُ الأمريكي نفسه وأركان إدارته بسلسلةٍ من التصريحات التي اكدت أنَّ أهمَ أهدافها يتمثل في توطيد مكانة إسرائيل في المنطقة والحفاظ على أمنها، كما ويتضحُ أنه من بين ثناياها يبرزُ الهدفُ الأساسي والمتمثلُ في دمجِ إسرائيل بالمنطقة بالارتكاز لاتفاقات أبراهام التطبيعية التي نُسِّجت حروفُها بدقةٍ وعناية إبان ولايةُ الرئيسِ السابق دونالد ترامب الامر الذي يؤكد أنَّ الإدارةَ الأمريكية الحالية تسيرُ على ذاتِ الطريق الذي دأبت على السير فيه الادارات الامريكية المتعاقبة خاصة في ما يتعلق بالعلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل، ويبرزُ من بين أهداف الزيارة المُرتقبة أيضاً السعي لِتشكيل تحالف مُتعدد الأهداف الاقتصادية، والسياسية والعسكرية، يكونُ الدورُ الإسرائيلي فيه محورياً.
وتُشيرُ العديدُ مِن المُعطيات حتى اللحظة أن مسألةَ تشكيل تحالف كهذا لم تنضج نظراً لرفض بعض الدول المؤثرة لهذا الشكل من التحالفات التي يجري التخطيط لها بين اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية خاصةً فيما يتعلق بتحالفٍ عسكري يُؤسسُ لحلف ( ناتو شرق أوسطي) والتعامل في ضوئه مع إيران باعتبارها مصدر الخطر على شعوب المنطقة والدولِ العربية والتغاضي كليةً عن كون إسرائيل بموجب هذا التحول فيما لو تحقق بعدوانها المستمر وطبيعتها العنصرية واستمرار تنكرها لقرارات الشرعية الدولية هي مكمن الخطر الدائم على الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم .
القلقُ الكبير من تبعات هذه الزيارة على الصعيد الفلسطيني كبير ليس فقط مَمَّا يُمكن أن تحمله من تهميش للقضية الفلسطينية وتبديل أولويات الصراع في المنطقة؛ بل أن تكون هذه الزيارة المسمومة على حساب القضية الفلسطينية ومكانتها وضرورة حلها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بقضية فلسطين، و الخشيةُ كل الخشية أن يتمَ الاكتفاء بتقديم بعض التحسينات والتسهيلات الاقتصادية إضافة لبعض الهدايا والوعود المسمومة وتجنب ملامسة القضايا الأساسية حتى تلك التي سبقَ وأن ووعدَ بها بايدن نفسه، علاوة على استمراره في تبني سياسة الإدارات المتعاقبة في الوقوف إلى جانب دولة الاحتلال وعدم مُمارسة أيِّ ضغطٍ عليها والزامها على وقف عدوانها واستيطانها وعمليات القتل اليومي واستمرار الاعتقال والحصار ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وضرورة الزامها بتنفيذ البدء بعملية سياسية جادة من خلال مؤتمر دولي يقود الى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين طبقاً للقرار ١٩٤، لذلك لا بُدَّ من القول بكل وضوح أنه لا يوجد أيِّ رهان أو تعويل على ما يُمكن أن تحمله الزيارة لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقوقه، لكنها بدون شك ستمثل اختبارا جديا لمدى مِصداقية الوعود التي كان بايدن وحملته قد اطلقوها خلال الحملة الانتخابية التي أوصلته إلى مقعد الرئاسة قبل عامين وهي وعود لو تحققت بمجملها يمكن اعتبارها مؤشرا على مسارٍ جديد يمكن البناءُ عليه.
على الصعيد الفلسطيني برزت العديد من المواقف تناولت كيفية التعامل مع هذه الزيارة على المستويين الرسمي والشعبي وأعتقدُ أنهُ مع التفهم المشوب بالحذر لهذا اللقاء على المستوى الرسمي حيث تكاد نتائجه البائسة ان تكون معروفة للجميع، لكن واقع حالنا الفلسطيني يفرض التعامل مع مثل هذه اللقاءات وفق القاعدة الفقهية " درءُ المفاسد خيرٌ من جلب المنافع" خاصة وأن كلَ ما يحمله بايدن يندرج تحت إطارِ المفاسد المتعددةِ الأوجه. الأمر الذي يتطلب رسمياً إسماعه ما يجب أن يسمعه والتمسك بمطالبته بتنفيذ وعوده، والحرصُ كل الحرص على أن لا يتم تقديم أي غطاء مهما بلغ يُسهلُ مهمته الخبيثة المُتمثلة في دمج دولة الاحتلال بالمنطقة وأن لا يتخذ من القضية والموقف الفلسطيني الرسمي جسراً لذلك.
أما على المستوى الشعبي فإن كل المدركين لمخاطر هذه الزيارة وأهدافها السامة مَدعُوين للتعبير بكل الأشكال عن رفضها لما تحمل في طياتها ما يمكن أن نُسميه دسُ السُّم في العسل، والاستعداد وطنياً لما بعد هذه الزيارة التي سيكتشف الجميع أن "الرهانَ عليها إن وُجِد" كان مجرد سراب.
* عضو المجلس المركزي الفلسطيني - عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني