هارتس : خامنئي مَن سيحدد إذا كانت زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط ناجحة أم لا

حجم الخط

بقلم: ألوف بن*

 



من السهل الحكم على زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إسرائيل والسعودية بأنها زيارة غير مهمة لزعيم ضعيف غير شعبي، وتكاد فرصه في أن يُنتخَب مجدداً تكون معدومة. لكن بينما التأييد الشعبي في أدنى درجاته، فإن رجل البيت الأبيض يسيطر على السياسة الخارجية والأمنية للدولة العظمى الأقوى في العالم، ويملك حرية عمل واسعة جداً في إدارة العلاقات مع دول صديقة وعدوة. إعلان نظيره الروسي، فلاديمير بوتين أنه سيقوم في الأسبوع المقبل بزيارة مضادة إلى طهران، رفعت مرة واحدة درجة أهمية زيارة بايدن، وأظهرت أن وراء الخطابات المنمقة والتصريحات الاحتفالية وتبادُل اللفتات الشخصية، التي يتقنها الضيف بصورة خاصة، مضموناً استراتيجياً عظيم الأهمية.
في قلب الزيارات المتقاطعة لبايدن وبوتين هناك الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. يريد بايدن عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة التي انسحب منها سلفه دونالد ترامب. ورفْع العقوبات عن إيران هو الطريق الأقصر والأكثر فعالية لكبح ارتفاع أسعار النفط الذي يُقلق الناخبين الأميركيين، وفي الوقت عينه يُضعف روسيا، التي يعتمد اقتصادها على السائل الأسود والغاز اللذين تصدّرهما. الحساب بسيط: نفط غالٍ يسمح لبوتين بمواصلة حرب الاستنزاف في أوكرانيا التي تجذب اهتمام وموارد الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا. نفط رخيص يقصّر من طول نفَس روسيا ويؤدي إلى تقصير الحرب، أو على الأقل لجمها على مستوى يكون محتملاً في الغرب.
مشكلة بايدن أن صفقة أحلامه مع الإيرانيين لا تثير الحماسة لدى الدولتين الصديقتين القديمتين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، السعودية وإسرائيل. فالدولتان تعتبران التقرّب الأميركي من طهران تهديداً محتملاً لموقعهما الإقليمي، وتقفان موقف المتفرج من الحرب الأوكرانية، ولا تشاركان في عرض العضلات الغربي حيال بوتين. لم يعاقب بايدن إسرائيل والسعودية فيما يتعلق بأوكرانيا، وسيحاول التمهيد للاتفاق النووي مع إيران مع رئيس الحكومة يائير لبيد وولي العهد السعودي (الحاكم الفعلي) محمد بن سلمان.
    المقابل الذي سيدفعه بايدن لإسرائيل مضاعف: سحب يد الأميركيين من الموضوع الفلسطيني الأكثر أهمية للإسرائيليين من إيران، حتى لو قالوا العكس مئة مرة، وتعميق الترتيبات الأمنية التي وُضعت خلال فترة ترامب، وعلى رأسها انضمام إسرائيل إلى المنظومة العسكرية للقيادة المركزية الأميركية (سانتكوم)، إلى جانب دول الخليج والأردن ومصر. إن الكشف، جزئياً، عن العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل، بعد أعوام من السرية والرقابة الشديدة، هدفه إظهار وجود طرف يمكن التحاور معه، ويمكن الاعتماد عليه، وأن الاتفاق مع إيران ليس نهاية العالم، ولا نهاية الصهيونية، أو بداية محرقة ثانية.
    سيحصل السعوديون من بايدن على عفو علني عن قتل الصحافي المنشق، جمال الخاشقجي، الذي من أجله قاطعت الإدارة الحالية في واشنطن محمد بن سلمان. ما العمل؟ أسعار النفط أهم بكثير لأميركا من حقوق الإنسان في دول بعيدة. الزيارة الرئاسية ستكون طلباً للصفح، وستُظهر أن صبر السعودية أعطى ثماره، وسيضطر بايدن إلى الركوع (مجازياً) أمام ولي العهد. سيكون الثمن مجدياً لصورة بايدن، إذا كان المقابل الذي سيحصل عليه التخفيف من ضائقة الطاقة وإزالة عقبة أُخرى من أمام الاتفاق مع إيران.
لكن الشخص الذي سيحدد ما إذا كانت زيارة بايدن ناجحة أو فاشلة، هو المرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامئني. هو الذي يمسك بيده القلم لتوقيع اتفاق نووي ورفع العقوبات عن بلده. إذا وقّع ولمّح إلى تقارُب مع الغرب، فإن ميزان القوى الإقليمي سيتغير، وستنعم إيران بالازدهار الاقتصادي والشرعية الدولية اللتين تفتقر إليهما اليوم. أما إذا رفض وتمسّك بمواقفه، فسيزداد التوتر وسترتفع أسعار النفط، وستتحصن إيران في موقعها في الكتلة المعادية لأميركا مع الصين وروسيا.
يبدو أن بوتين قلِق حيال ما قد يفعله خامنئي. ويمكن أن نفهم من زيارته القريبة إلى طهران أنها محاولة لمنع الصفقة التي ستؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة، وفي المقابل وبحسب الإدارة الأميركية، حصول إيران من روسيا على تعويض أمني على صورة مسيّرات هجومية - السلاح الذي استخدمته أوكرانيا بنجاح ضد الجيش الروسي. وهكذا يتمتع خامنئي بمكانة نادرة كحكَم بين الدول الكبرى. في الأسابيع المقبلة، سيتبين ما إذا كان ينوي التوصل إلى اتفاق، وبهذه الطريقة نعرف ما إذا كان بايدن نجح في مهمته، أو خرج خاسراً كما في استطلاعات الرأي الكئيبة في الداخل الأميركي.

عن «هآرتس»
ـــــــــــــــــــــ
*رئيس تحرير «هآرتس»