بايدن واهداف الزيارة المؤلمة؟؟ ‏

fd6b2fc11147ca6ec17d64e1808271b0.jpg
حجم الخط

بقلم: د. أماني القرم ‏

 


ربما لم تحظ زيارة رئيس أمريكي للشرق الأوسط بهذا التردد والجدل والتبرير الدفاعي الذي سبق رحلة جو ‏بايدن الى المنطقة للدرجة التي تطلبت نشر مقال بقلمه في صحيفة الواشنطن بوست يبرر فيه " لماذا ‏أذهب للسعودية؟" من ضمن ما يقول فيه أن الرحلة ستعود بالفائدة على الأمريكيين من نواح عديدة . ‏
الزيارة ليست ودية وإنّما "مؤلمة" كما تم وصفها بعض المسئولين ووسائل الاعلام الأمريكية . وكما دفعته ‏حرب غزة في ايار 2021 للتدخل من اجل التهدئة والاتصال بالحلفاء ، تدفعه اليوم الحرب الروسية ‏الاوكرانية لإعادة توجيه المسار والاعتراف بأن واشنطن أخطأت بتخليها عن المنطقة . ولأن الضرورة ‏والمصلحة أرغمته على الزيارة فقد جاء بايدن للشرق الاوسط وهو يعرف تمامًا ماذا يريد . ‏
هدفان رئيسيان ومتشابكان لجولة بايدن : الاول داخلي يتعلق بالناخب الامريكي الذي لا يهمه سوى ‏الاقتصاد والتضخم وارتفاع اسعار البنزين الذي وصل الى مستويات قياسية . فالرئيس الذي تشهد شعبيته ‏تضاؤلا مستمراً، ويتمتع حزبه بحظوظ قليلة في الانتخابات النصفية القادمة للكونجرس ، لم ينتظر الرجوع ‏الى واشنطن لتوجيه ناخبيه، بل خاطبهم من جدّه وحاول استعراض إنجازات جولته السياسية والاقتصادية ‏خاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة وزيادة امدادات النفط . والحقيقة أنه لم يملك سوى الوعد بفعل ما يلزم لتحقيق ‏حدوث الأمر في الاسابيع المقبلة . ‏
الهدف الثاني خارجي يتعلق بقيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي ومحاولة احتواء انبثاق نظام عالمي جديد ‏برأسين هما: روسيا والصين اللتان تحاولان ايجاد موطئ قدم لهما في الشرق الاوسط ، واستغلال الانسحاب ‏الامريكي منه منذ سنوات . هذا الهدف يتطلب تعاوناً دفاعيًّا مشتركاً بين بلدان المنطقة بصيغة بنية أمنية ‏وتكنولوجية لمواجهة تحديات النفوذ الصيني والروسي وبلا شك العدو المشترك ايران وحلفائها ، حيث تقبع ‏اسرائيل في قلب هذا التعاون بتقدمها التكنولوجي وتطوير منظومة القبة الحديدية. ولم يكن اعتباطًا ان يبدأ ‏بايدن زيارته لاسرائيل باستعراض تكنولوجيا القبة الحديدية، ونظام الدفاع الجوي الجديد الذي يعتمد على ‏أشعة الليزر لاسقاط الطائرات بدون طيار. بايدن جاء ليقول أن الولايات المتحدة هي راعية هذه الترتيبات ‏الاقليمية الجديدة في الشرق الاوسط ونظم الدفاع المشتركة بين اسرائيل والدول العربية والاستثمارات الهائلة ‏التي ستقود بنية التعاون والأمن الجديدة .‏
ولضمان تحقيق هدفي الزيارة حرص بايدن وفريقه على الابتعاد عن كل ما ينغّصها أو يتسبّب في اثارة ‏الجدل والخلاف بين الشركاء والحلفاء . في اسرائيل حظيت زيارته بارتياح تام فقد قدم لهم ما يريدون . لا ‏حديث عن عملية سلام مع الفلسطينيين ، ولا محاولات لعصرهم في مطالبات سياسية كتجميد الاستيطان أو ‏انتقاد هدم المنازل او الاعتداءات على الأقصى أو أية حقوق سياسية للفلسطينيين ، بل نفى بكلمة واحدة ‏‏"لا" أي تغيير في موقفه من القدس دون تفصيل أو تبرير . وبدا وكأن الجميع متفق على أنّه أمر لا ‏يريدون الخوض فيه منعًا للإحراج والتحول عن هدف الزيارة ..‏
فيما كانت رحلته الى بيت لحم تثير اسئلة أكثر مما تجيب ، لكن الغريب والمستهجن كيف لأقوى رئيس ‏في العالم أن يؤمن بحل سياسي وفي نفس الوقت يراه بعيد المنال؟؟ ‏
أما زيارته للسعودية "الجائزة الكبرى التي تتطلع اليها اسرائيل" فهي الهدف الأساسي "المؤلم" بالنسبة له، ‏لأنه وعد بجعلها منبوذة وعاد اليها صاغراً من أجل طاقة أرخص. ‏
احد المفكرين الامريكان قال ان زيارة بايدن يمكن اختصارها في كلمة واحدة هي ‏‎“OIL” ‎‏ : حيث حرف ‏الO” ‎‏ ‏‎“‎‏ يرمز الى ‏oil ‎‏ وحرف " ‏I‏ " يعني ‏Israel ‎‏ و حرف " ‏L‏" يعني ‏logistic ‎‏ ‏‎!‎‏ وهو فعلا ما ‏يختصر أهداف جولته.. ‏
لكن السؤال الى متى سيظل الشرق الأوسط ينتظر واشنطن بمبادراتها واحتياجاتها ؟ وهل سيبقى العرب ‏اصدقاء تحت الطلب ؟؟ لاشك ان الولايات المتحدة ماتزال القوة الاهم عالميا في الشرق الاوسط رغم ‏المحاولات الاخرى، لكن حدود الدور الذي تلعبه هو الذي سيحدد الى متى ستبقى ؟؟ هناك جيل جديد من ‏الحكام اختلفت طموحاتهم وأولوياتهم وتحدياتهم تعلموا من الدروس السابقة بأن الولايات المتحدة حليف لا ‏يوثق به. ‏