معاريف : بـعـض الـجـوانـب الـمـهـمـة فـي زيـارة بـايـدن

زلمان-شوفال.jpeg
حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال

 


 كانت زيارة الرئيس جو بايدن الى إسرائيل، في الطريق الى اللقاء المهم في جدة، استعراضاً كامل الأوصاف للمحبة بين الطرفين، بما في ذلك اللقاءات مع رئيس الوزراء البديل، يئير لابيد، والمرشح لرئاسة الوزراء، بنيامين نتنياهو. لسان وقلب بايدن متساويان، وصداقته لإسرائيل حقيقية ومثبتة، حتى وان كانت على مدى السنين ثمة خلافات في الرأي في الموضوع الفلسطيني، وأساساً في موضوع البناء خلف الخط الأخضر. المحطة الانتقالية في القدس وان كانت شكلت لبايدن ايضا حجة كي تطمس النقد ضده في الجمهور الأميركي، وبخاصة في حزبه، على قراره ذي الواقعية السياسية للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلا ان هذا لا يقلل في شيء من نيته جعل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية رافعة سياسية وأمنية من ناحية دولة إسرائيل أيضاً.
أهداف الأطراف واضحة تماماً؛ اكتشفت أميركا فجأة، بخلاف معتقداتها السابقة، أنها بحاجة للنفط السعودي في محاولة لإنقاذها وإنقاذ باقي العالم الغربي من آثار حرب أوكرانيا، من دوامة التضخم المالي ومن تهديد أزمة اقتصادية عالمية. أما السعودية والإمارات من جانبهما فتتطلعان الى تسويات سياسية وامنية شاملة، مرغوب فيها بتعاون من الولايات المتحدة نفسها، ضد التهديد الإيراني.
لا يعمل بايدن في فراغ، إذ إن اتفاقات إبراهيم لنتنياهو وترامب شقت الطريق للخطوات الحالية، بما في ذلك خطوات معينة، سواء أكانت علنية أم سرية، في المجال الأمني. نتيجة مرافقة أخرى، لا تنعدم المفارقة فيها، هي انه في أعقاب الواقع الجديد، لطفت إدارة بايدن سياسة سلفيها أوباما وترامب للانسحاب من الشرق الأوسط ونقل أساس محور العمل الاستراتيجي للولايات المتحدة الى الشرق الأقصى. ومع ذلك، ورغم أن الاتجاه إيجابي، تحتمل تأخيرات اخرى في تحقيق الأهداف المرجوة، سواء لأميركا ام لإسرائيل. فلا يوجد مثلاً يقين بأن تتمكن السعودية أو ترغب في ان تزيد بقدر واضح إنتاجها من النفط. اما في الموضوع الإسرائيلي، ورغم بضعة تسهيلات مهمة سبق أن أقرت مثل الطيران في المجال الجوي السعودي، لا توجد على الإطلاق ضمانة بان الرياض تعتزم في المستقبل القريب اتخاذ الخطوة الأخرى في تطبيع كامل للعلاقات.
وعودة الى الزيارة في إسرائيل: وقع الرئيس بايدن ورئيس الوزراء لبيد على إعلان القدس، وثيقة تعنى بالعلاقات بين الدولتين. في الدبلوماسية توجد "اتفاقات مهمة غير مهمة"، واعلان القدس هو واحد كهذا. وان كان لا ينبغي الاستخفاف برمزيته وكذا الرمزية لا تسير على الأقدام، وبخاصة في الشرق الاوسط، الا انه عملياً كل ما تضمنه تقريباً قائم عملياً منذ الآن – او العكس، ولن يكون ممكناً تحقيقه في الزمن القريب، اذا كان يمكن على الإطلاق، مثلما في المسألة الفلسطينية. ايهود باراك هو الآخر، في زيارته الاولى الى واشنطن رئيساً للوزراء، وقع مع الرئيس كلينتون على وثيقة عظمى، كثير من بنودها عكست واقعاً قائماً واخرى بقيت على الورق. بند واحد في إعلان القدس توجد فيه ظاهرا أهمية ملموسة اكثر، تشدد على "التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران أبداً بنيل سلاح نووي". ويعتقد بأنها "مستعدة لأن تستخدم عناصر قوتها القومية كي تضمن هذه النتيجة"، ولكن دون الذكر الصريح، كما اقترح نتنياهو في حديثه مع الرئيس، للخيار العسكري. ومهما يكن من أمر، فقد كان يمكن للتعهد آنف الذكر ان يكون مقنعاً اكثر لو لم يكن واضحاً ان أميركا تواصل الآن ايضا جهودها لاستئناف الاتفاق النووي مع إيران الى تعديلات تقريبا. بالمقابل، للوعد "بالعمل مع شركاء آخرين لمواجهة عدوان ايران ووكلائها مثل حزب الله، حماس، والجهاد الإسلامي وأعمالهم التي تضعضع الاستقرار" توجد اهمية، وبخاصة اذا ما فسرته واشنطن كإعطاء ظهر دبلوماسي وعملي لإسرائيل في الساحة الدولية في أعمالها ضد إيران ومنظمات إرهابية.
لعل احد الجوانب المهمة في رحلة بايدن الحالية هي الصفعة التي وجهها للجناح اليساري، المناهض لإسرائيل ولشطره اللاسامي في الحزب الديمقراطي والذي يتبنى الـ BDS ، الذي يعارض كل مساعدة أمنية لإسرائيل ويدعو الى العقوبات عليها. هذا مهم أيضا في ضوء الاحتمال في أن يصعد وزن اليسار المتطرف في انتخابات التجديد النصفي وإمكانية أن يستغل في حينه تفوقه النسبي كي يؤثر على موقف حزبه تجاه إسرائيل. الأقوال التي اطلقها بايدن في القدس استهدفت الإشارة الى العصبة آنفة الذكر بأن الأغلبية في الحزب الديمقراطي لا تزال ثابتة في دعمها لإسرائيل.

 عن "معاريف"