بات واضحاً أن المنطقة العربية تتحرك فوق صفيح ساخن يتطلب القفز يمينا ويساراً، فالتحالفات التي تبني وتنهار بسرعة شديدة تعكس بوضوح غياب استراتيجية عربية قادرة على رسم سياسات حتى لسنوات قريبة ، فبالأمس كانت المنطقة العربية مقسمة بين تياري «الاعتدال» و»الممانعة» وهذا الأخير كان يضم قطر وسورية وليبيا ثم أخذ هذا المحور يأكل نفسه على مرأى واندهاش الجميع حين وضعت قطر الدولة الأغنى في ذلك المحور كل ثقلها ضد الرئيس السوري والزعيم الليبي.
ثم أعيد صياغة تحالفات المنطقة مع بدايات الربيع العربي بين تياري الأخوان المسلمين والقوى والدولة الوطنية أنتجت هذه التحالفات صراعا من نوع آخر بين تيار أيدلوجي وتنظيمي متماسك وقوى ودول مختلفة، بعضها وضع الأخوان على قوائم الإرهاب وانتهى هذا الصراع بإسقاط حكم الأخوان في القاهرة وتراجعهم في تونس وهما العاصمتان اللتان استعادتا حكم الدولة من الأخوان، وفي ذروة هذا التحالف كانت الدولتان الخليجيتان السعودية وقطر كل منهما يدعم تيارا من التيارين ووصل التناقض بينهما إلى حد سحب السفراء من قطر واشتراط المصالحة معها طرد أو التوقف عن دعم الجماعة .
وما أن بدأ يخفت هذا الصراع حتى ظهرت على السطح تهديدات جديدة أصابت المملكة العربية بخوف ترافق ذلك مع وفاة الملك عبد الله وتسلم الملك سلمان مقاليد الدولة، تمثلت هذه التهديدات بتطورات ميدانية على الأرض كانت أسرع من عملية الفك والتركيب التي تحدث داخل الإقليم، الأولى سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء بعد أيام من نقل الحكم في الرياض، ما يعني وصول إيران الى حدود المملكة وهو ما تعتبره تهديدا حقيقيا لحكمها، خاصة أن الجانبين كانا قد خاضا معارك أواخر 2009 أسر الحوثيون خلالها عشرات من الجنود السعوديين، والخطر الثاني هو بروز الدولة الإسلامية «داعش» وسيطرتها على مناطق واسعة من سورية والعراق وتعيينها أمراء لحكم مكة والمدينة.
لقد دفع تمدد القوتين الإيرانية من جهة و»داعش» على الجهة الأخرى أن السعودية الى اعادة صياغة تحالفاتها بما يتلاءم مع مخاوفها الجديدة أو أن تعيد النظر بتحالفات كانت على وشك النظر فيها بعد تسلم العاهل الجديد الحكم، وخاصة ما تردد عن تحول في السياسة تجاه مصر ولكن سيطرة الحوثيين على صنعاء غير سريعاً النوايا السعودية من الضغط على القاهرة إلى الاستقواء بها كقوة عربية هي الأولى ولديها الجيش الأقوى، لهذا كانت اللقاءات المتسارعة على مدى الأيام الماضية وكان مركزها الرياض وخارج الرياض، السعودية - المصرية، التركية- السعودية، السعودية- القطرية إلى الحد الذي تواجد فيه الرئيسان اللدودان المصري والتركي في يوم واحد في المملكة.
إذن، بدأت تتضح معالم التحالف الجديد في المنطقة تحالف سني ضد إيران الشيعية التي يشكل اتفاقها مع الدول العظمى على البرنامج النووي مصدر قوة كبيرا يزيد من تمددها في المنطقة، وإن كانت هذه التحالفات المذهبية هي طبيعية في منطقة لم تصل بعد لمفهوم دولة المواطنة المدنية لكنه غير طبيعي ارتباطا بالمستوى الحضاري، لكن في إطار التحالف السني يجري تحالف آخر بين قوى ودول تعتبر نفسها وسطية ضد التطرف الداعشي، وهذا التحالف الذي يتشكل ليس بمنأى عن الولايات المتحدة التي تخوض صراعات مختلفة ضد القوتين المتمددتين وإن اختلف الشكل.
حركة حماس وسط ما يجري في المنطقة تبدو مطلوبة جدا للاستقطاب، حيث يجري استمالتها من قبل الأقطاب التي تجاهلتها خلال السنوات الأخيرة، فكما هي مهمة لإيران لنفي تهمة المذهبية عن محورها الإقليمي وكدولة راعية للمقاومة، هذا معروف سابقا لكن الجديد هو اهتمام السعودية في مخاوفها الجديدة باعتبار أن الحركة الفلسطينية لها علاقات مع إيران، ولم تعلن موقف عدائي لداعش، لذا يجري المراهنة على حسم موقفها لصالح التحالف الجديد، ومن مفارقات هذا الأسبوع أن يجري الحديث عن انفراجة في علاقات السعودية بحركة حماس قد تفضي الى دعوة للزيارة، كما توقع البعض في حين تشهد قطر لقاء يجمع السيد مشعل مع رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني.
لكن مصر التي تسعى لتوسيع جبهة الحرب على «داعش» بتشكيل قوة إماراتية أردنية مصرية مشتركة بعد إعدام التنظيم لواحد وعشرين مصرياً في ليبيا وإن كان في ذلك ما يشجع مصر أن تكون جزءا من التحالف، لكن بالمقابل لا ترى مصر بإيران قوة مهددة ليس فقط لأن مصر حالة تتجاوز الصراع المذهبي، والذي أغضب الجيش من الرئيس السابق مرسي حين أعلن في مؤتمر الأمة أنه جزء من الصراع السوري الذي أخذ طابعا مذهبيا، بل لأن إيران على درجة من الذكاء في دعم مصر مقابل تركيا التي تناصبها العداء، واتضح ذلك لحظة عدوان الصيف الماضي على غزة وساهمت بتتويج وتعزيز الدور المصري وسحب البساط من تحت قدمي تركيا وقطر اللتين حاولتا مصادرة حضور القاهرة، سواء من خلال حركة الجهاد الإسلامي الحليف الفلسطيني لإيران أو بالمكالمة التي تمت بين وزيري الخارجية المصري والإيراني في الأيام الأولى للعدوان، وهنا أيضا لا يمكن إغفال الدور الروسي خصوصا بعد الزيارة التاريخية للرئيس بوتين للقاهرة وإمكانية أن يلعب لصالح إيران. اذن المسألة مركبة.
بالعودة لحركة «حماس» فانها تقف في مفترق صعب بين طهران والرياض، وقد تسببت لها لعبة المحاور خلال السنوات الماضية بأزمة شديدة فقدت خلالها مصر وكادت تفقد إيران لولا شعرة معاوية الإيرانية مع الجناح المسلح للحركة، إذ تبدو الحركة أمام امتحان آخر عسير، فهل يمكن أن تكون جزءا من محور يشهر عداوته لإيران و»داعش»، وفي مقابل ذلك ما يفكك أزمات بدءا من المعبر وتحسين العلاقة مع القاهرة برعاية سعودية وقد بدأت بوادر ذلك، أم تعود لفتح علاقة أوسع بإيران، هذا ربما ما عرضه لاريجاني في لقائه الأخير وإن كان في العرضين ما يغري حركة حماس، ولكن بات من الواضح أن عليها أن تحسم موقعها وموقفها.
لا يمكن أن تكسب الاثنين معا في حالة الاستقطاب الحادة في الإقليم، ولكن القبول بالعرض السعودي وحسم الموقف باتجاه المحور « السني « الجديد له تداعياته على الحركة التي يعتبر عسكريوها أن ما حققوه في السنوات الماضية يعود الفضل فيه للدعم الإيراني من الأسلحة التي مكنتهم من الانقلاب والسيطرة على غزة، وصولا للمعارك الثلاث التي واجهوا فيها إسرائيل وأوقعوا فيها خسارات ووصلت صواريخهم إلى تل أبيب، فالأمر ليس هينا حين تقدم العروض والإغراءات في ظل اشتداد الحصار والأزمة المالية وكأن الجميع اكتشف حركة «حماس» .. ولكن للمواقف ثمنها أيضا.
الجميع يحرص على ألا تقع «حماس» مرة أخرى بعد التجربة المريرة، خاصة بعدما ثبت أن محاور الإقليم قصيرة العمر ولكن ثمنها بعيد المدى وطويل، أن تستمر على حيادها الإيجابي ليس من أجل الحركة فقط، بل من أجل الشعب الفلسطيني وتحديدا في غزة، والذي لا يحتمل دفع أثمان جديدة في منطقة رملية متحركة، وفقط مطلوب منها العمل على تصويب العلاقة مع مصر، وهناك بدايات مشجعة ظهرت بعد فتح المعبر وتقديم الحكومة استئنافا على تصنيف الحركة كحركة إرهابية، وأن تدفع أكثر باتجاه المصالحة وإن كان على حسابها، لأن وجودها في النظام السياسي يجنبها أن تقف في مهب الريح قد تستفيد خلاله من الغطاء المؤسسي والابتعاد عن الحسم، ولتنظر لتجربة القيادة التي ابتعدت عن الاصطفافات في السنوات الأخيرة ولم يطلب منها أحد أن تكون ورقة إلى جانب أحد، وظلت محافظة على مسافة واحدة من الجميع وتحظى باحترام كل الخصوم، السعودية ومصر إيران وسورية، فالقضية لا تحتمل وهي تستدعي حشد كل المحاور معها، لا أن تكون ورقة في محور الأمل أن تتجاوز «حماس» الاختبار بنجاح.
ثم أعيد صياغة تحالفات المنطقة مع بدايات الربيع العربي بين تياري الأخوان المسلمين والقوى والدولة الوطنية أنتجت هذه التحالفات صراعا من نوع آخر بين تيار أيدلوجي وتنظيمي متماسك وقوى ودول مختلفة، بعضها وضع الأخوان على قوائم الإرهاب وانتهى هذا الصراع بإسقاط حكم الأخوان في القاهرة وتراجعهم في تونس وهما العاصمتان اللتان استعادتا حكم الدولة من الأخوان، وفي ذروة هذا التحالف كانت الدولتان الخليجيتان السعودية وقطر كل منهما يدعم تيارا من التيارين ووصل التناقض بينهما إلى حد سحب السفراء من قطر واشتراط المصالحة معها طرد أو التوقف عن دعم الجماعة .
وما أن بدأ يخفت هذا الصراع حتى ظهرت على السطح تهديدات جديدة أصابت المملكة العربية بخوف ترافق ذلك مع وفاة الملك عبد الله وتسلم الملك سلمان مقاليد الدولة، تمثلت هذه التهديدات بتطورات ميدانية على الأرض كانت أسرع من عملية الفك والتركيب التي تحدث داخل الإقليم، الأولى سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء بعد أيام من نقل الحكم في الرياض، ما يعني وصول إيران الى حدود المملكة وهو ما تعتبره تهديدا حقيقيا لحكمها، خاصة أن الجانبين كانا قد خاضا معارك أواخر 2009 أسر الحوثيون خلالها عشرات من الجنود السعوديين، والخطر الثاني هو بروز الدولة الإسلامية «داعش» وسيطرتها على مناطق واسعة من سورية والعراق وتعيينها أمراء لحكم مكة والمدينة.
لقد دفع تمدد القوتين الإيرانية من جهة و»داعش» على الجهة الأخرى أن السعودية الى اعادة صياغة تحالفاتها بما يتلاءم مع مخاوفها الجديدة أو أن تعيد النظر بتحالفات كانت على وشك النظر فيها بعد تسلم العاهل الجديد الحكم، وخاصة ما تردد عن تحول في السياسة تجاه مصر ولكن سيطرة الحوثيين على صنعاء غير سريعاً النوايا السعودية من الضغط على القاهرة إلى الاستقواء بها كقوة عربية هي الأولى ولديها الجيش الأقوى، لهذا كانت اللقاءات المتسارعة على مدى الأيام الماضية وكان مركزها الرياض وخارج الرياض، السعودية - المصرية، التركية- السعودية، السعودية- القطرية إلى الحد الذي تواجد فيه الرئيسان اللدودان المصري والتركي في يوم واحد في المملكة.
إذن، بدأت تتضح معالم التحالف الجديد في المنطقة تحالف سني ضد إيران الشيعية التي يشكل اتفاقها مع الدول العظمى على البرنامج النووي مصدر قوة كبيرا يزيد من تمددها في المنطقة، وإن كانت هذه التحالفات المذهبية هي طبيعية في منطقة لم تصل بعد لمفهوم دولة المواطنة المدنية لكنه غير طبيعي ارتباطا بالمستوى الحضاري، لكن في إطار التحالف السني يجري تحالف آخر بين قوى ودول تعتبر نفسها وسطية ضد التطرف الداعشي، وهذا التحالف الذي يتشكل ليس بمنأى عن الولايات المتحدة التي تخوض صراعات مختلفة ضد القوتين المتمددتين وإن اختلف الشكل.
حركة حماس وسط ما يجري في المنطقة تبدو مطلوبة جدا للاستقطاب، حيث يجري استمالتها من قبل الأقطاب التي تجاهلتها خلال السنوات الأخيرة، فكما هي مهمة لإيران لنفي تهمة المذهبية عن محورها الإقليمي وكدولة راعية للمقاومة، هذا معروف سابقا لكن الجديد هو اهتمام السعودية في مخاوفها الجديدة باعتبار أن الحركة الفلسطينية لها علاقات مع إيران، ولم تعلن موقف عدائي لداعش، لذا يجري المراهنة على حسم موقفها لصالح التحالف الجديد، ومن مفارقات هذا الأسبوع أن يجري الحديث عن انفراجة في علاقات السعودية بحركة حماس قد تفضي الى دعوة للزيارة، كما توقع البعض في حين تشهد قطر لقاء يجمع السيد مشعل مع رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني.
لكن مصر التي تسعى لتوسيع جبهة الحرب على «داعش» بتشكيل قوة إماراتية أردنية مصرية مشتركة بعد إعدام التنظيم لواحد وعشرين مصرياً في ليبيا وإن كان في ذلك ما يشجع مصر أن تكون جزءا من التحالف، لكن بالمقابل لا ترى مصر بإيران قوة مهددة ليس فقط لأن مصر حالة تتجاوز الصراع المذهبي، والذي أغضب الجيش من الرئيس السابق مرسي حين أعلن في مؤتمر الأمة أنه جزء من الصراع السوري الذي أخذ طابعا مذهبيا، بل لأن إيران على درجة من الذكاء في دعم مصر مقابل تركيا التي تناصبها العداء، واتضح ذلك لحظة عدوان الصيف الماضي على غزة وساهمت بتتويج وتعزيز الدور المصري وسحب البساط من تحت قدمي تركيا وقطر اللتين حاولتا مصادرة حضور القاهرة، سواء من خلال حركة الجهاد الإسلامي الحليف الفلسطيني لإيران أو بالمكالمة التي تمت بين وزيري الخارجية المصري والإيراني في الأيام الأولى للعدوان، وهنا أيضا لا يمكن إغفال الدور الروسي خصوصا بعد الزيارة التاريخية للرئيس بوتين للقاهرة وإمكانية أن يلعب لصالح إيران. اذن المسألة مركبة.
بالعودة لحركة «حماس» فانها تقف في مفترق صعب بين طهران والرياض، وقد تسببت لها لعبة المحاور خلال السنوات الماضية بأزمة شديدة فقدت خلالها مصر وكادت تفقد إيران لولا شعرة معاوية الإيرانية مع الجناح المسلح للحركة، إذ تبدو الحركة أمام امتحان آخر عسير، فهل يمكن أن تكون جزءا من محور يشهر عداوته لإيران و»داعش»، وفي مقابل ذلك ما يفكك أزمات بدءا من المعبر وتحسين العلاقة مع القاهرة برعاية سعودية وقد بدأت بوادر ذلك، أم تعود لفتح علاقة أوسع بإيران، هذا ربما ما عرضه لاريجاني في لقائه الأخير وإن كان في العرضين ما يغري حركة حماس، ولكن بات من الواضح أن عليها أن تحسم موقعها وموقفها.
لا يمكن أن تكسب الاثنين معا في حالة الاستقطاب الحادة في الإقليم، ولكن القبول بالعرض السعودي وحسم الموقف باتجاه المحور « السني « الجديد له تداعياته على الحركة التي يعتبر عسكريوها أن ما حققوه في السنوات الماضية يعود الفضل فيه للدعم الإيراني من الأسلحة التي مكنتهم من الانقلاب والسيطرة على غزة، وصولا للمعارك الثلاث التي واجهوا فيها إسرائيل وأوقعوا فيها خسارات ووصلت صواريخهم إلى تل أبيب، فالأمر ليس هينا حين تقدم العروض والإغراءات في ظل اشتداد الحصار والأزمة المالية وكأن الجميع اكتشف حركة «حماس» .. ولكن للمواقف ثمنها أيضا.
الجميع يحرص على ألا تقع «حماس» مرة أخرى بعد التجربة المريرة، خاصة بعدما ثبت أن محاور الإقليم قصيرة العمر ولكن ثمنها بعيد المدى وطويل، أن تستمر على حيادها الإيجابي ليس من أجل الحركة فقط، بل من أجل الشعب الفلسطيني وتحديدا في غزة، والذي لا يحتمل دفع أثمان جديدة في منطقة رملية متحركة، وفقط مطلوب منها العمل على تصويب العلاقة مع مصر، وهناك بدايات مشجعة ظهرت بعد فتح المعبر وتقديم الحكومة استئنافا على تصنيف الحركة كحركة إرهابية، وأن تدفع أكثر باتجاه المصالحة وإن كان على حسابها، لأن وجودها في النظام السياسي يجنبها أن تقف في مهب الريح قد تستفيد خلاله من الغطاء المؤسسي والابتعاد عن الحسم، ولتنظر لتجربة القيادة التي ابتعدت عن الاصطفافات في السنوات الأخيرة ولم يطلب منها أحد أن تكون ورقة إلى جانب أحد، وظلت محافظة على مسافة واحدة من الجميع وتحظى باحترام كل الخصوم، السعودية ومصر إيران وسورية، فالقضية لا تحتمل وهي تستدعي حشد كل المحاور معها، لا أن تكون ورقة في محور الأمل أن تتجاوز «حماس» الاختبار بنجاح.