كفى قرارات بقوانين !!!

44idX.png
حجم الخط

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان

 

 

انشغل الشعب الفلسطيني في الأيام الأخيرة بأمر سياسي ألا وهو زيارة جوزف بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة، وتصريحاته ومصافحاته وتنقلاته وحركاته وتحليل زيارته بالمجمل ونتائجها، بينما كان الداخل الفلسطيني يعج بالقرارات بقانون الفلسطينية حيث تهل واحدا إثر آخر من المقاطعة، لتقيد بعضا من حقوق الإنسان الفلسطيني، مما اجبر نقابة المحامين الفلسطينيين النظاميين على اتخاذ مواقف متعددة لمواجهة هذه القوانين المخلة بالحقوق والحريات العامة. وهذا دعا بعض أعضاء الجسم القضائي والمفكرين والنقابات الأخرى، إلى مناصرة نقابة المحامين، والدعوة لتشكيل لجنة فكرية مهنية قانونية، متاثرين بتجارب سابقة ناجحة، لبحث مقترحات القرارات بقانون الجديدة.


شكلّ القانون وما زال يشكلّ القانون العام المجرد في مجتمعات الدول المختلفة وفي جميع قاراتها وبغض النظر عن دينها ولونها ولغتها وموقعها، الوسيلة الوحيدة الملزمة لحل المنازعات على اختلافها سواء المدنية أو الجزائية أو الإدارية أو الأسرية أو المالية. واتفق السياسيون والقانونيون والإداريون على تطبيق القانون واحترامه في جميع الظروف والأحوال. 

ولهذا التطبيق والإحترام هدف واحد ووحيد ألا وهو التقدم وبالتالي منع الفوضى ومحاولة تحقيق العدالة. ووجد الجميع أن القانون ضرورة حيوية وسيادة القانون الوسيلة المثلى للعدالة. ولعل نظرة واحدة على المجتمع الفلسطيني تشير بجلاء ووضوح للمنحدر الذي نهوي إليه بسبب غياب ليس فقط سيادة القانون بل غياب القانون ذاته وتطبيقه السليم.


تعارف العالم بأجمعه على طريقة وضع القانون وتطبيقه واحترامه من خلال السلطات الثلاث في كل دولة. فنحن جزء من هذا العالم المترامي الأطراف وهذه سنته في وضع القوانين، ولسنا خلقا آخرا ولا بدعة عن دون هذا العالم. فيوضع القانون من السلطة التشريعية حكرا، وتطبقه وتحترمه كل من السلطة التنفيذية والسلطة القضائية دون اي حق في الإضافة إليه أو الإنتقاص منه. ولا يجوز لسلطة أن تجمع في يدها اكثر من سلطة واحدة، لأن هذا الأمر يقود إلى الإنحراف التشريعي والإستبداد والطغيان، كما يقرر فقهاء القانون الدستوري في جميع أنحاء العالم. وهذا أمر مجمع عليه دوليا ولا يجوز الخروج عليه لسبب أو لآخر، كأن يقال أننا نمر في وضع خاص ولنا خصوصيتنا التي تسمح لنا بالخروج عن القواعد العامة، فالخصوصية ما هي إلا تبريرات وأعذار مكشوفة للحيد عن الطريق السليم.


تكمن المشكلة عندنا في غياب وتغييب السلطة التشريعية التي أسميت في القانون الأساس " المجلس التشريعي " وهي التي تحتكر العملية التشريعية القانونية في جميع أنحاء العالم. فبدلا من إنتخاب مجلس تشريعي لفلسطين بدل السابق، نتفنن في إبقاء فلسطين خالية من مجلسها التشريعي وإضاعة الوقت، مع أنه مصلحة وطنية عليا من الدرجة الأولى، بغض النظر توجهات اعضائه التي من الطبيعي أن تختلف. وزدنا الطين بِلّة بأن أجّلنا الإنتخابات الرئاسية والتشريعية إلى أجل غير مسمى وكأننا ألغيناهما من قاموسنا السياسي، وجعلنا المحكمة الدستورية في قرار غير قانوني تقرر إلغاء الوجود الصوري للمجلس التشريعي، اكتفاء بانتخابات بلدية في اماكن متفرقة وأزمان متفرقة، وكفى الله المؤمنين شر القتال.


المشكلة الكبرى أننا وتحديدا في السلطة التنفيذية الفلسطينية نلجأ إلى استعمال صلاحية إصدار القرار بقانون وفق القانون الأساس بتسارع مثير مخالف الهدف والغاية الذي وضعت من أجله. فهذ الصلاحية الإحتياطية الإستثنائية لم توضع لمثل هذه الحالة التي نعيشها. فمعظم القرارات بقانون خالفت مخالفة جسيمة المادة 43 من القانون الأساس، فهي ليست ضرورة لا تحتمل التأخير، بل هي اصلا ليست بضرورة قط إلا إذا توسعنا في تفسير المادة 43 من القانون الأساس توسعا كبيرا. وهنا يجب التوقف مليا عند كيفية إصدارها وآليتها وغايتها. ويبدو أن الحال قد انقلب على عقبيه فقد غدت الضرورة التي لا تحتمل التأخير التي تجيز إصدار القرار بقانون بشكل استثنائي هي الطلب الفئوي و/أو الإقتصادي و/أو الإجتماعي و/أو السياسي وغدا عندنا لوبيات تجيز إصدار قرارات بقوانين في كل المناسبات.


يوجد في السلطة التشريعية لأية دولةعدد كبير من النواب، وعندنا يوجد في المجلس التشريعي 132 نائبا وبه لجان كثيرة منها اللجنة القانونية، وليس هذا عبثيا. فكل تشريع اي قانون له آلية لإصداره، حيث يجب عرضه على اللجنة القانونية في المجلس التشريعي وفق ترتيب زمني معين ومذكرة تبين سبب التشريع أو التعديل وبيان أوجه ذلك ، ويجب إقراره بقراءات الثلاث، ويصوت على كل مادة قانونية من قبل جميع أعضاء المجلس، ويصوت على جميع مشروع القانون في كل قراءة من قبل جميع أعضاء المجلس التشريعي، حتى يصبح جاهزا للمصادقة عليه من قبل الرئيس أو رفضه. وهذه العملية التشريعية تدون تفاصيلها وتصور وتوثق كاملا حتى يتبين الهدف من استعمال كل مفردة أو لفظة أو حرف دون غيره، وبخاصة أن اللغة العربية تعج بالمترادفات أو المتقاربات والحروف. ليس هذا فقط فبموجب القانون الأساس يمكن للرئيس أن يرفض أي مشروع قانون يعتمده المجلس التشريعي. بعد هذا نتساءل ألا يجدر بنا عودة المجلس التشريعي وعودة التشريعات العادية بدل القرارات بقانون الفردية.


في القرار بقانون، نحن استبدلنا كل ذلك بإرادة فرد واحد هو المستشار القانوني للرئيس. فقد استبدلنا المجلس التشريعي بكل أعضائه ال 132 القائم على التشاور والتحاور والتجارب المختلفة والثقافات المتعددة والتصويت ولو علت الأصوات نتيجة الإختلاف، بشخص واحد هو شخص المستشار، واستبدلنا عقول ال 132 بعقل واحد، واستبدلنا آراء 132 براي واحد، واستبدلنا لغة 132 عضوا بلغة واحدة. وكأننا نفترض أن عقلا واحدا يملك الحقيقة كاملة وهو أمر غير متصور وغير ممكن وغير عملي وغير مقبول وضد الفطرة مهما اوتي من الحكمة والبصيرة. حتى لو كان المستشار من لون سياسي محدد، فمن الجائز ومن الممكن أن يختلف معه شخص آخر من ذات اللون السياسي، وكأننا قبلنا الحظر على الرأي، وقبلنا باللون الواحد، والمفردة الواحدة، والفكرة الواحدة، وكأن هذا الواحد لا ياتيه الباطل لا من يديه ولا من خلفه.


ولو كان القرار بقانون يطرح على الهيئات المختصة واللجان الفنية والمراكز العلمية للنقاش والدراسة والتوصية، لبدا الأمر مقبولا كبديل لوجود المجلس التشريعي على سبيل الجدلية، وكحلٍّ لمعضلة الفرد الواحد . لكن ذلك لا يحصل البتة، فالشعب في القرار بقانون متعلق براي فرد واحد وحيد مهما كان رأيه. ومن هنا حصل هذا الجدل الواسع بين فئات قانونية ومهنية متعددة والذي قاد إلى خطوات تصعيدية، وبخاصة في المرفقين القضائي والنقابي للمحامين، حول قرارات بقانون كثيرة جدا. ووصل الأمر نتيجة لهذا الراي الواحد لتجميد أو تعليق أو وقف عدة قرارات بقانون بعد صدورها، وهو أمر لا يوجد له مرجعية قانونية سليمة أو شرعية، بعد سلسلة نقد وتذمر وشكوى من صحة وسلامة الراي الواحد. ولو أخذ القرار بقانون حقه من النقاش قبل إصداره، لما كنا بحاجة لمثل هذه الإجراءات بعد صدوره والتي لم تعرفها كتب الفقه ولا التشريعات. ويبدو أننا نجتهد في كل شيء حتى المسلمات.


سيقال في هذا المجال وبحق كيف سيطرح قرار بقانون على الهيئات واللجان والمراكز وهو لا يصدر إلا في حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، أليس هذا تناقضا؟!. هذا وارد وصحيح، ولكن جميع القرارات بقانون التي صدرت هي تمثل حالات لا تتوافر فيها الضرورة التي لا تحتمل التأخير، بل تستطيع أن تنتظر ردحا من الزمن. ومن هنا كان أمامها متسع من الوقت لتجري عصفا فكريا حولها من جميع الجوانب.


الا يكفي ما نحن فيه من مأزق سياسي ووضع اقتصادي وصحي سيء وجهل فاضح، ومنظومة قيم تنحدر باستمرار، ألا يجدر بنا أن نركزّ على جبهتنا الداخلية وإصلاحها. نطلقها صرخة أن كفى للقرارات بقوانين فقد بلغ السيل الزبى!!!