هارتس : حروب المسيرات: إسرائيل تعترف بعد صمت دام 30 عاماً

حجم الخط

بقلم: ألوف بن*

 

 




كان هذا القرار الأهم الذي اتخذه إسحاق رابين وزيراً للدفاع، وإيهود باراك قائداً لهيئة الأركان: بناء قوة الجيش، استناداً إلى طائرات مسلحة من دون طيار.
قوة متحركة، خفيفة وسريعة، يمكن توجيهها ضد اجتياح بري لقوات العدو، أو إرسالها إلى عمليات خاصة، من دون الخوف على حياة الطيارين.
كانت الفكرة تدور في ذهن المؤسسة الأمنية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بسرية تامة، وتم طرحها على الإعلام بديلاً عن مشروع لافي - طائرة عسكرية تم التخطيط لها في إسرائيل، وجرى تطويرها بتمويل أميركي.
قامت طائرة الـ"لافي" برحلة تجريبية، إلاّ إن الأميركيين فضلوا تزويد الجيش الإسرائيلي بطائرات F-16، وهو ما أدى إلى إلغاء المشروع في سنة 1987.
البديل، كما تم التخطيط له، حينها، كان "بغيون"- طائرة من دون طيار، شبحا ومسلحة، بدأ تطويرها في الصناعات الجوية مع محرك سيلون التابع لشركة "غرات" الأميركية.
وبعدها، ظهر بديل البديل، الذي دفع به قدماً باراك بعد تعيينه قائداً لهيئة الأركان في سنة 1991: وضع جانباً الـ"بغيون" المكلف والذكي، الذي كان حجمه كحجم طائرة "سكايهوك" العريقة.
كان واضحاً أن الجيش سيستطيع التزود ببضع طائرات "بغيون" فقط، وستكون عملية التصنيع مرتبطة برغبة الأميركيين، كونهم المزودين بالمحرك.
شركة صغيرة، كان اسمها "حيتس هكيسف"، اقترحت على الجيش نموذجاً مختلفاً من المسيّرات الصغيرة، صحيح أنها لن تستطيع حمل كميات كبيرة من الصواريخ، إلا أنه من الممكن تصنيعها محلياً، وبكميات كبيرة، وإقامة قوة جدية ومهمة. اشترت شركة "إلبيت"، التي أرادت منافسة الصناعات الجوية، الشركة الناشئة وقادت تطوير المشروع الجديد، الذي سُمّيَ "زيك" (أو اسمه العلني هرمس 450).
في سنة 1992، فاز رابين في الانتخابات وعاد إلى وزارة الدفاع مكان موشيه أرنس، المؤيد للصناعات الجوية، حامي الـ"لافي" وداعم الــ"بغيون".
بدوره، دفع رئيس هيئة الأركان، إيهود باراك، إلى نقاش خطة المسيّرات المسلحة مرة أُخرى، ودخلت الصناعات في معركة حياتهم. وكان واضحاً أن المشروع الذي سيقع عليه الاختيار- بغيون أو زيك - سيحدد شكل القوة الجوية الإسرائيلية للأجيال القادمة، وأيضاً مَن سيقود التكنولوجيا الأمنية الإسرائيلية، الصناعات الجوية الحكومية، أو "إلبيت" الشركة الخاصة. لكن وبعكس الصراع على طائرة لافي الذي كان علنياً، تم فرض رقابة صارمة على معارك المسيّرات.
زميلي عمانوئيل روزن من "معاريف" وأنا، كمراسل جديد للصناعات الأمنية في "هآرتس"، نشرنا الأخبار عن صراعات القوى الدائرة في القيادة الأمنية تحت غطاء اسم "المعركة على المشروع المركزي".
لم تتدخل الرقابة ما دمنا لم نقُم بأي إشارة إلى نوع الأسلحة وقدراتها. وبدورهم، حاول مسؤولو الصناعات استمالتنا إلى جانبهم، فاجتمعت قيادات عسكرية بالصحافيين بهدف الحديث عن تدريب كبير قاده الجنرال عوزي ديان، من دون الحديث عما تم التدريب عليه. ومن استطاع الفهم، فهِم.
في مطلع سنة 1993، حسم رابين النقاش لمصلحة باراك والـ"زيك". توقف مشروع الـ"بغيون"، وحصلت الصناعات الجوية على جائزة ترضية، كمقاول مساعد لـ"إلبيت". فالتدريب الذي أجراه ديان أثبت أن طائرات الـ"زيك" قادرة على الدفاع عن الجولان في حال وقع هجوم سوري مفاجئ على نمط "حرب الغفران".
وعندما تم انتخاب باراك لمنصب رئيس الحكومة في سنة 1999، كان مؤمناً بأن المسيّرات المسلحة ستزود إسرائيل بسور واقٍ طائر في حال عاد الجولان إلى سورية من خلال اتفاق سلام، وطرح الفكرة على حكومته.
توقف السلام مع سورية على الطريق، واندلعت الانتفاضة الثانية، وصادق أرئيل شارون على استعمال المسيّرات الهجومية في عمليات الاغتيال في قطاع غزة. المعروفة بينهم كانت عملية اغتيال قائد "حماس"، أحمد ياسين، في سنة 2004. لكن على الرغم من أن كل فلسطيني في غزة عرف السلاح وقدراته، فإن الرقابة العسكرية المفروضة على استخدام المسيرات المسلحة لم تتغير، حتى بعد أن غيّرنا التسمية إلى "مسيّرات (بدلاً من طائرات من دون طيار). وعندما قام الجيش الأميركي وأجهزة الاستخبارات الأميركية باستخدام مسيّرات لاغتيال مقاتلي "القاعدة" و"داعش" حافظت إسرائيل على الصمت، إلى أن خرجت، أول من أمس، عن صمتها، تقريباً بعد مرور 30 عاماً على موافقة رابين على تطوير الـ"زيك" مكان الـ"بغيون".

عن "هآرتس"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس تحرير "هآرتس".