هارتس : طلب إغلاق الوكالة: نهاية العصر الذهبي بين يهود روسيا والنظام الحاكم

حجم الخط

بقلم: ليزا روزوبسكي



نظمت الوكالة اليهودية، قبل أربع سنوات، احتفالاً ضخماً لمناسبة يوم القدس، وسط موسكو. تذوّق من جاؤوا إلى حديقة ريميتاج، المنتزه التاريخي الجميل في المدينة، طوال يوم كامل في أيار 2018، أطيب المأكولات الإسرائيلية وتمكنوا من المشاركة في ورشة عمل للطبخ والاستماع لمحاضرات وحضور نقاشات على الطاولة الدائرية، وفي المساء، قاموا بالرقص على أنغام أغنية "تل أبيب، يا حبيبي تل أبيب" وأغنية "هيا نمرح". قبل سنوات من ذلك نجحت الوكالة هي ومنظمات أخرى في إعادة تكرار صورة تاريخية، ظهر فيها في العام 1948 جمهور من اليهود إلى جانب مبعوثة دولة إسرائيل الشابة، غولدا مائير، قرب كنيس الكورال في موسكو. وفي العام 2014 أُغلق الشارع الضيق، الذي يؤدي إلى الكنيس، أمام الحركة لبضع ساعات من اجل تأمين زخم كبير للاحتفال بيوم القدس، وقام آلاف اليهود بملئه مرة أخرى.
هذه كانت سنوات قدمت فيها بلدية موسكو الرعاية لاحتفالات الوكالة اليهودية، وحيّا فيها ممثلو النظام الحاكم المشاركين من على المنصة. في حينه كان من الصعب تخيل أن حكومة إسرائيل سيطلب منها أن ترسل إلى موسكو بعثة لإنقاذ استمرار نشاط الوكالة اليهودية في روسيا.
هدف احتفالات جماهيرية كهذه، سواء أكان احتفالاً بيوم القدس أو معرض هجرة إلى البلاد حيث كان يمكن الالتقاء فيه مع ممثلين عن بلديات في إسرائيل ووزارات حكومية وصناديق مرضى ومشغليهم، كما يسميه رجال الوكالة بمصطلحاتهم الداخلية، هو "تجميع عملاء محتملين". يدور الحديث عن معلومات شخصية عن الزوار الذين يمكن أن يهتموا بالهجرة إلى البلاد. "بعد ذلك يقومون بالاتصال مع هؤلاء الأشخاص"، قال مصدر مطلع. "يقولون لهم: كنتم لدينا. ربما تهتمون بتسجيل الولد في نادي الشباب خاصتنا؟ توجد لنا أيضا مدرسة تعمل في أيام الأحد، وتعطي دروساً عبرية للبالغين. هل يمكن دعوتكم إلى ورشة لدينا؟".
الادعاء الرئيسي، الذي طرحته وزارة العدل الروسية ضد الوكالة اليهودية في الرسالة التي أرسلتها في بداية الشهر الجاري، يتعلق بالضبط بتجميع المعلومات الشخصية عن مواطنين في روسيا. في القانون الروسي، لا يوجد منع مطلق لجمع معلومات كهذا. ولكن تسري على المنظمات التي تعمل في ذلك قيود مختلفة. في السابق، كانوا في الوكالة واعين بأن جمع المعلومات يمكن أن يثير المشكلات. لذلك، "تصرفوا بحذر في هذا الأمر". ضمن أمور أخرى، اهتموا بأن يحصلوا من المواطنين الذين يعطون معلوماتهم على مصادقة على إرسال المراسلات وحفظ جميع المعلومات في الخوادم في إسرائيل.
المحامي ستنسلاف سلزنيوف، وهو شريك كبير في المشروع الروسي "حرية على الشبكة" وخبير في شؤون الخصوصية وحفظ البيانات، قال للصحيفة، إنه توصل إلى استنتاج بأن احد الخروقات المنسوبة للوكالة هو الاحتفاظ بمعلومات على خوادم خارج روسيا، وهو الأمر المحظور حسب القانون الروسي من العام 2014. وهذا استناداً إلى تحليل جزء من بنود القانون التي ذكرت في رسالة وزارة العدل. في بند آخر، يتبين أن موظفي الوكالة لم يحرصوا كما يبدو على أخذ توقيع الأشخاص الذين جمعوا عنهم المعلومات من اجل الموافقة على جمع البيانات وحفظها.
هل الادعاء بشأن تشجيع هرب الأدمغة، الذي طرح في رسالة وزارة العدل، قائم على أساس؟ في الواقع يقولون في الوكالة، إنهم يشجعون هجرة كل من يحق لهم ذلك حسب قانون العودة، لكن فعلياً هناك تفضيل لمجموعات سكانية معينة مثل الشباب والمثقفين والذين لديهم إمكانية تجارية – اقتصادية كامنة.
من بين البرامج التي تطبقها الوكالة في روسيا وفي أرجاء المنطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي هناك على سبيل المثال ورشات عمل مخصصة لرجال الأعمال أو المبادرين الذين يهتمون بمواصلة تطوير مشاريعهم في إسرائيل. تُعلم الوكالة أيضا المهاجرين حول برنامج وزارة الاستيعاب المخصص للعلماء المهاجرين إلى إسرائيل. إضافة إلى ذلك فإنها تشجع على هجرة الطلاب أو الشباب الذين يريدون الحصول على التعليم العالي، على سبيل المثال مشروع "رحلة" ومشروع "سيلا" (وكالة الفضاء الإسرائيلية).
في الفضاء الروسي، هناك منافسة متوازية بين عدة هيئات تعمل على تشجيع الهجرة. "نتيف"، وهي وحدة تابعة لمكتب رئيس الحكومة، تعمل في الواقع على فحص من يحق لهم الهجرة وإصدار تأشيرات الهجرة لهم ولكنها في الوقت ذاته تشغل أيضا مراكز ثقافية. وشبيهاً بالوكالة فإن هذه الوحدة أيضا تجري احتفالات تستهدف العرض على من يحق لهم الهجرة الجوانب الجيدة لإسرائيل. على سبيل المثال، حسب اتفاق غير خطي فإن السفارة و"نتيف" تأخذان المسؤولية عن تنظيم احتفالات عيد استقلال إسرائيل في موسكو، في حين أن الوكالة تركز على يوم القدس.
إضافة إلى ذلك منذ العام 2014 أيضا أقام صندوق الصداقة، وهو الهيئة الممولة في معظمها من قبل افنغلستيين، آلية هجرة خاصة به في روسيا. وشبيها بالوكالة فهو يمول رحلات طيران للمهاجرين، ويهتم بنقلهم من أماكن بعيدة إلى المطارات، حتى أنه يزود المهاجرين بمنح سخية لمرة واحدة، 500 دولار للبالغ و300 دولار للولد. ولكن صندوق الصداقة لم ينجح في اختراق روسيا، وهو يكتفي بنشاطه في أوكرانيا وروسيا البيضاء وجورجيا وكازاخستان وأوزباكستان وغيرها.
وصل المبعوثون الأوائل للوكالة اليهودية إلى روسيا، التي كانت في ذلك الوقت الاتحاد السوفييتي، في العام 1989، في عهد البروسترويكا (عهد الانفتاح). وقد ارتبطت بداية النشاطات بالوعي الجماعي لليهود السوفييت مع نهضة الثقافة اليهودية في الدولة التي بدأت بالانفتاح على الغرب (وعلى الشرق). يتذكر كثيرون الحفلات الموسيقية الضخمة التي عرضت على يهود الاتحاد السوفييتي للمرة الأولى الموسيقى والثقافة الإسرائيلية. في البداية، عمل المبعوثون بشكل غير رسمي، وفي بداية 1991، في حينه أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي، وانتقلت الوكالة إلى الإطار الرسمي مع بنية تحتية متشعبة من المبعوثين والنشاطات الحثيثة لتشجيع الهجرة والمساعدة عليها.
شهد شموئيل بن تسفي، الذي كان الرئيس الأول للممثلية الأولى للوكالة اليهودية في موسكو في الأعوام 1991 – 1993، في محادثة مع الصحيفة على وجود علاقة جيدة كانت له في حينه مع ممثلي النظام الحاكم في المراكز العليا. "بين الأعوام 1990 – 1991 كانت هناك فترة اعتقدت فيها السلطات الحاكمة الروسية بأن إسرائيل من شأنها أن تشكل وسيطا بينها وبين الولايات المتحدة"، قال بن تسفي.
"عندما ذهبت للمرة الأولى للالتقاء مع اندريه كوزرييف (وزير الخارجية الأول لروسيا) قال لي مساعده: تحدث بالروسية مع لهجة خفيفة، فنحن نعرف من أنت، لكن هذا سيساعد في ترك انطباع". ربما كان هذا السبب في أنه كانت لي حرية عمل كبيرة جدا. كان يمكنني الالتقاء مع من أريد والقيام بنزهات واحتفالات وحفلات موسيقية. جميع المحادثات (مع ممثلي نظام الحكم) أجريتها بشكل عام في مقاه، حيث دعوتهم إليها وجعلتهم يشعرون بأنني جاهز لأي سؤال وفي أي وقت. حاولت أن يستمتع الأشخاص في اللقاء معي".
أيضا حاييم سزلر، الذي كان رئيس ممثلية الوكالة اليهودية في الدول التي كانت تنتمي في السابق للاتحاد السوفييتي في الأعوام 1993 – 1997، تحدث عن علاقات إيجابية من جانب السلطات الحاكمة. وتحدث سزلر عن قصة تتعلق برئيس حكومة روسيا، فيكتور تشيرنوميردن، في عهد الرئيس بوريس يلتسن: "يحئيل ليكت، الذي كان القائم بمقام رئيس الوكالة في حينه، شارك في جميع اللقاءات الصغيرة التي عقدها اسحق رابين مع تشيرنوميردن أثناء زيارته روسيا. في احد اللقاءات مع تشيرنوميردن قال الأخير لليكت: إذا واجهت أي مشكلة مع الوكالة اليهودية فعليك التوجه مباشرة لي. العمل في الوكالة وصفه سزلر بأنه "مهمة حياته. وقال، إنه كانت له "حكومة الوكالة". أنا كنتُ الغورباتشوف ما بعد غورباتشوف".
رغم ذلك، في التسعينيات وما بعد ذلك التصقت بالوكالة اليهودية صورة مشكوك فيها في أوساط جالية المهاجرين من الاتحاد السوفييتي. كان هناك من اتهموا الوكالة بجعل إسرائيل نموذجا مثاليا في نظر العالم، فعلياً من أجل تضليلهم. عن ذلك قال بن تسفي: "كانت لي نقطة انطلاق. أنا لا أقوم بتجميل إسرائيل، لكني قلت، إن إسرائيل هي الدولة التي تشبهكم في كل لحظة والتي تعطيكم المواطنة في اللحظة التي تطأ فيها أقدامكم هنا، إضافة إلى المساعدات المالية. لم آتِ من أجل رواية أساطير لكم، بل لأصف لكم إسرائيل كما هي". مع ذلك، قال بن تسفي، إنه أجرى اتصالات مع شركة الطيران الروسية الحكومية "ايرو فلوت" من أجل القيام برحلات جوية مباشرة من موسكو إلى تل أبيب، ضمن أمور أخرى، بهدف منع تسرب مهاجرين محتملين في فيينا أو في بودابست، واللتين مر خلالهما مسار الهجرة. وقال بن تسفي، إن هجرة اليهود من الاتحاد السوفييتي أو من روسيا بتأشيرة هجرة إلى دول أخرى اعتبرت خداعا رسميا. "كانت هناك في حينه نقاشات كبيرة. لم يكن هذا لطيفاً. شعر الكثيرون بالإهانة، وغضبوا مني؛ لأنني أجبرتهم على القدوم إلى إسرائيل. ولكني لم أقم بإجبار أي أحد. فمن ناحيتي، كان هناك فقط اتجاه واحد، من موسكو إلى إسرائيل. ومن هنا اذهبوا إلى حيث تريدون. فإسرائيل دولة حرة".
ادعاء آخر سمع طوال السنين فيما يتعلق بالوكالة اليهودية هو أن الأمر يتعلق بمنظمة زائدة، أساس وظيفتها هو تأمين تشغيل ومستوى حياة عال لموظفيها، لا سيما في دول الاتحاد السوفييتي سابقا، وهذا كان ممكنا بسبب الفجوة في مستوى الحياة مقارنة مع إسرائيل. "كل من أراد القدوم جاء".
تقوم الوكالة بشراء تذاكر السفر التي تتضمن شحنة زائدة للمهاجرين الذين يستعينون بخدماتها. إضافة إلى ذلك فهي أيضا تجند الأموال بشكل عام من منظمات مسيحية لغرض النقل من بلدات بعيدة إلى المطارات.
إلى جانب ذلك، قال مصدر مطلع للصحيفة، إنه حتى دون مساعدة لوجستية – اقتصادية فقد كان معظم من توجهوا للوكالة هاجروا إلى إسرائيل. نسي الكثيرون في روسيا فقر التسعينيات. حاييم بن يعقوب، الذي كان رئيس ممثلية الوكالة في روسيا في الأعوام 2006 – 2009، لا يتفق مع هذا الادعاء. "الآن، لا توجد للكثير من الأشخاص إمكانية لشراء تذاكر السفر. يدور الحديث عن مئات آلاف الأشخاص".
الوضع الاقتصادي المتدهور في روسيا في ظل الحرب وصعوبة إخراج الأموال من هناك على خلفية العقوبات سيغير الصورة. ولكن المؤكد هو أن الإغلاق المحتمل للوكالة يعتبر في المقام الأول إشارة إلى أن العصر الذهبي للعلاقات بين يهود روسيا والنظام الحاكم هناك قد انقضى.

عن "هآرتس"