هل زالتْ «عالمية» حركة فتح؟!

3U4K2.jpg
حجم الخط

بقلم توفيق أبو شومر

 

 

سألني شابٌ عن سرّ قوة حركة فتح في بداية تأسيسها، وعن سبب ضعفها في زمننا هذا. قلت: "(فتح) هي حركة وطنية ثورية، تعتمد الديموقراطية في البحث والنقاش، وتؤمن بحرية الإنسان، ولا تقبل المساس بحقوق المواطن"! مقتطف من ميثاق الحركة الداخلي.
وضع مؤسسو فتح الأولون تعريفاً لحركة فتح؛ (الوطنية والثورية)، هذا الفهم الواعي لطبيعة تكوين الحركة جذب إليها الأنصار والمريدين من كل دول العالم، وكان كثيرون منهم يسعى للانضمام إلى قواعد النضال المقاوم ضد الاحتلال، كان الأحرارُ في كل دول العالم يشعرون بالفخر والاعتزاز لأنهم يناصرونها.
لم تكتفِ حركة فتح وحدها باستقطاب مئات المتطوعين من كل دول العالم، بل شاركتها التنظيماتُ الفلسطينية الأخرى حين شُكلت منظمة التحرير، اندمجتْ فتح في هذا المزيج النضالي الفلسطيني ذي الواجهة النضالية التحررية العالمية، شارك الفلسطينيون في كل التنظيمات التحررية في العالم، وأصبحوا دفيئة للحريات والديموقراطيات والتقدم والحضارة، وشاركوا في حل النزاعات بين الدول الأخرى، ما أحدث أثراً بالغاً في  توجيه الرأي العام العالمي، وأنتجوا إعلاماً نضالياً قوياً، لم ينافس إعلام إسرائيل فقط، بل هزمه، ما دفع المحتلين الإسرائيليين إلى إعلان الحرب على هذا الإعلام، في سبعينيات القرن الماضي، فاغتالوا عدداً من إعلاميينا ومثقفينا المبدعين، ثم قاموا بتفجير وسرقة مصنع إنتاج عقولنا، المتمثل في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، كانوا يطبقون مقولة نابليون: "جردوا الأمم من تاريخها، يسهل احتلالها وتطويعها"!
تحولت قواعد الفلسطينيين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من قواعد للتدريب العسكري إلى حاضنات أيديولوجية فكرية عالمية، صار لبس الكوفية الفلسطينية موديل الأحرار في العالم كله.
طال هذا الانفتاح الفكري والأيديولوجي والنضالي حتى المجتمع الإسرائيلي، واكتسبت المنظمات الفلسطينية أنصاراً وثائرين على التضليل الديماغوجي الصهيوني، ما أدى إلى أن ينضم عدد من الإسرائيليين إلى صفوف الثورة الفلسطينية، ووصل الانفتاح إلى درجة أن يعلنوا انتماءهم إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، مثل عضو  المجلس الثوري للحركة، وعضو منظمة التحرير، إيلان هاليفي المولود 1943م والمتوفى العام 2013، أسس هاليفي خلية نضالية، وهي (متسبن، البوصلة) لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في معظم مفاوضات الفلسطينيين مع غيرهم كفلسطيني له كل الحقوق.
كذلك الحال مع ،(أوري ديفز) الذي التحق بحركة فتح 1984 وأصبح عضواً في المجلس الثوري لحركة فتح، وعضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، نفته إسرائيل إلى لندن عشر سنوات لأنه كان يحمل جواز سفر بريطانياً، حتى العام 1994 حين عاد بعد اتفاقية أوسلو.
أما (أودي أديب) المولود العام 1964م، فعمل طياراً في جيش إسرائيل ثم أصبح من أنصار حركة متسبن التي أسسها إيلان هاليفي، وقد أسس تنظيماً عسكرياً ضد إسرائيل (العصبة الحمراء) حكم عليه بالسجن 1973، وأطلق سراحه في صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين العام 1985.
أخيراً، يمكننا العثور على أسباب انحدار فتح وغيرها من التنظيمات من العالمية إلى المحلية، عندما نجيب عن الأسئلة الآتية:
هل ضعفتْ حركة فتح بسبب الخلط بين تنظيم فتح النضالي، وبين السلطة الوطنية الفلسطينية؟ أم أن السبب يعود إلى أن حركة فتح لم تحافظ على الروابط الفكرية والثقافية مع بقية الأحزاب الأخرى، فصار الخلاف على المناصب والألقاب؟!
أم أن سبب انحدار المنظومة الحزبية الفلسطينية يعود إلى أن كثيرين من أقطاب هذه الأحزاب أعلنوا اللجوء السياسي إلى دولٍ أخرى، غلَّبوا مصالح هذه الدول ومصالحهم الشخصية على مصلحة فلسطين، النضالية الثورية؟!
أم أن السبب الأهم يعود إلى مؤامرة كبيرة على حركة فتح الوطنية الثورية، حين أوقفت حركة فتح مجرى نهر فكرها المتجدد، الوطني والثوري، ولم تنجح في تجديد الفكر، فأَسِنَ الماءُ، ولم يعد صالحاً للشرب، وأصبح التثقيف والتوعية والتجديد في حركة فتح ترفاً، غير مرغوبٍ فيه، فتحول الانتماء لحركة فتح من انتماءٍ فكري عَقَدي ثوري، إلى ولاءٍ حزبي أسريّ قبلي؟!.