هارتس : خيار الدولتين.. الحلّ الوحيد الممكن

نحاميا.jpeg
حجم الخط

بقلم: نحاميا شترسلر

 

 



لم يحبّ أعضاء اليسار الراديكالي زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إسرائيل. "لماذا جاء أصلاً؟"، تساءلوا، و"لماذا يجب أن يزور ياد فشيم؟"، و"لماذا يجب علينا أن نستخذي لهذه الدولة العظمى العسكرية؟". ولكن أكثر من مجرد الزيارة، فإن أكثر ما أغضبهم هو إعلان بايدن، في ختام اللقاء مع محمود عباس، أنه يلتزم بحلّ الدولتين: "الفلسطينيون يستحقون دولة خاصة بهم، مستقلة وذات سيادة وقابلة للعيش... خطوط 1967 مع تبادل للأراضي متفق عليه ما زال الطريقة الأفضل لتحقيق الأمن والازدهار والحرية والديمقراطية للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء".
يكره اليسار الراديكالي المناهض للصهيونية "حل الدولتين". فهو يعتبره حلاً قديماً وغير عادل وغير قابل للتطبيق. لا يهمه أننا سبق وكنا في الطريق لتنفيذه، في فترة اتفاقات أوسلو. ولا يهمه أيضاً أن معظم الإسرائيليين ومعظم الفلسطينيين يريدون هذا الحل. يريد اليسار المتطرف حلاً آخر، "دولة واحدة" بين النهر والبحر. هو يحلم بدولة ديمقراطية فيها مساواة لليهود والعرب بحيث تكون نموذجاً عالمياً للسلام والهدوء، كما قال النبي يشعياهو: "سيعيش الذئب مع الأغنام وسيربض النمر مع الجدي".
يظهر هذا في الواقع متقدماً أكثر وجذاباً أكثر، لكن الحديث يدور عن فكرة رومانسية مثالية، تناسب أشخاصاً ساذجين لا يعرفون الطبيعة البشرية، وهم لا يعرفون أن البشر يبحثون عن الانتماء، وهم يريدون العيش في دولة مع أشخاص يشبهونهم من ناحية تاريخية وثقافية ودينية ويشاركونهم اللغة ذاتها. الإنسان هو مخلوق قبلي بطبيعته. ذات يوم قبل مئات السنين عاش في قبيلة وفرت له أمنه الشخصي والغذاء والصداقة والشعور بالانتماء. الآن حلت الدولة القومية مكان القبيلة، ودورها هو أن توفر له هذه الأمور بالضبط.
من أجل خلق الولاء، فإن أي قومية تخلق لنفسها ميزة تتمثل بخصائص خاصة من اللغة والثقافة والتاريخ والدين. لذلك، إذا حاولوا فرض العيش في دولة واحدة على القوميتين، فهذا سينتهي بحرب أهلية ستحاول فيها كل قومية تولي السلطة. هذا ما حدث في لبنان والعراق وسورية وقبرص وشمال إيرلندا وكردستان (هذه قائمة جزئية فقط). هذا أيضاً هو سبب تفكك الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا إلى عدة دول قومية منفصلة.
لذلك فإن إقامة "دولة واحدة" فيها قوميتان تعني حرباً ضروساً بكل الوسائل، بما في ذلك الإرهاب والقتل، بين اليهود والعرب. ستكون الحرب على عدد لا يحصى من المواضيع مثل من سيترأس الدولة، ومن سيحصل على الميزانيات، ومن سيدفع ضرائب أكثر (هل سيمول الغني في تل أبيب الفقير في جنين؟)، ومن سيخدم في الجيش، وكيف سيتم تطبيق قانون العودة وكيف سيعمل حق العودة.
من الواضح أن مواطني الدولة الواحدة لن يكونوا مخلصين للدولة المصطنعة. سيكون كل مواطن مخلصاً لقوميته بالضبط مثلما كان
مخلصاً ذات يوم لقبيلته. يكفي اليوم أن نرى الصراعات التي توجد لدينا بين السفارديم والأشكناز وبين الأغنياء والفقراء، وبين اليمين واليسار، كي نفهم ما الذي سيحدث في اللحظة التي ستضاف فيها إلى هذه المعادلة الكراهية التاريخية بين القوميتين.
حافظ اليهود في الشتات على هويتهم القومية ألفَي سنة، إلى أن نجحوا في العودة إلى "أرض الآباء" لإقامة دولة قومية. وهذا بالضبط ما يريده الفلسطينيون الآن، دولة قومية مستقلة منفصلة عن إسرائيل يمكنهم فيها التعبير عن طموحاتهم القومية. إذا كان يوجد فلسطينيون يتحدثون مع كل ذلك عن دولة واحدة، فإن هذا بسبب أملهم في أن ينتصروا في الحرب الأهلية التي ستنشب والسيطرة على كل الأرض. وهذا بالضبط ما يريده في الطرف الآخر بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
لذلك، الدولة الواحدة كابوس، فكرة ملتوية، خيالية، لا يوجد لها أي احتمالية، وهي اقتراح لمن يئس من الصعوبات ورفع يده أمام الحل الممكن: دولتين لشعبين. ذات يوم عندما يبلغ سيل المعاناة الزبى لدى الشعبين، فإن هذا سيحدث.

عن "هآرتس"