لم تحدث "مذبحة كبيرة" في الطنطورة كما يزعمون

حجم الخط

بقلم: بني موريس

 

 




لسذاجتي اعتقدتُ أنه في فيلم "جنين، جنين" (2002)، من إخراج محمد بكري، وصلنا إلى ذروة التشويه التاريخي، حيث تتجمع التلاعب والأكاذيب، النظرية واللفظية، معاً وتعطي المشاهد صورة مشوهة وكاذبة عما حدث. ولكن الون شفارتس في فيلمه "الطنطورة"، الذي تم تحريره للتو، بالتأكيد يتسامى على معلمه وسيده، على الأقل في مجال التلاعب والخداع. الآن، فعل ذلك أيضا في مقاله تحت عنوان "نعم، تم إسكات قضية الطنطورة" ("هآرتس"، 22/7). ومثل الفيلم فإن المقال يعتريه نقص شديد في الاستقامة. في الحقيقة، يدور الحديث هنا عن عمل متحايل.
سأبدأ بملاحظة شخصية. قبل بضعة أشهر التقى شفارتس معي وقام بتصويري مدة ساعتين – ثلاث ساعات. ما فاجأني هو أنه بعد الموافقة على إرسال نسخة لي من الفيلم (للمشاهدة لمرة واحدة) اكتشفت أنني لا أظهر في الفيلم أبداً. لقد اختار شفارتس إخفائي. أعرف أن السينمائيين لا يحبون تبديد وقتهم الثمين والمادة المعروضة، لكن هذا ما فعله شفارتس. من الواضح لي أنه ببساطة لم يرق له ما قلته، وأن أقوالي لم تتناسب مع القصة حول الطنطورة التي أراد غرسها في جمهور المشاهدين. قصة مثيرة تهز العالم، "اليهود تصرفوا مثل النازيين"، جعلته يحصل على جوائز كثيرة، وحتى جوائز من "محبي إسرائيل" في الخارج.
يدعي شفارتس في المقال وفي الفيلم بأن جنود الكتيبة 33 من لواء الكسندروني نفذوا مذبحة كبيرة ضد سكان الطنطورة على الفور بعد احتلال القرية في 23 أيار 1948، استمراراً للادعاء الذي بلوره تيدي كاتس في أطروحته للماجستير التي قدمها في جامعة حيفا في 1998. هناك كتب كاتس بأن جنود الكتيبة ذبحوا بصورة منظمة ومنهجية "ليس أقل من 200 – 250 رجلا... في ظروف كان فيها رجال القرية دون سلاح ودون حماية". كاتس هو بطل الفيلم.
وكتب شفارتس في مقاله، "الفيلم يقدم روايات مختلفة عما حدث في الطنطورة، بمن في ذلك متحدثون كثيرون ينفون المذبحة". هذا كذب فظ. عملياً، منح شفارتس في فيلمه المتحدثين المؤيدين لقصة "المذبحة الكبرى" (تيدي كاتس، آدم راز، إيلان بابيه، المشرف المناوئ للصهيونية على كاتس في جامعة حيفا.. الخ) عشرة أضعاف زمن الشاشة أكثر مما منحه للمتحدثين الذين ينفون القصة. والنافي الرئيسي الذي يظهر في الفيلم، البروفيسور يوآف غلبر، اهتم شفارتس بأن يستخف به بمساعدة تحرير موجه. طلب شفارتس من غلبر التحدث باللغة الانجليزية، التي هي ليست لغته الأم (في حين أن آخرين في الفيلم سمح لهم بالتحدث بلغتهم، العبرية أو العربية). وظهر غلبر بصورة لا تأسر القلوب والعقول.
في الفيلم، يدعم شفارتس بالكامل فرضية كاتس، لكن في مقاله فإن شفارتس متملص، ولا نريد القول انه متحايل. فقد كتب: "لا يركز الفيلم على مسألة هل قتل في الطنطورة 12، 20 أو 200 شخص". هذا صحيح، لا يركز شفارتس على العدد، هو ببساطة يترك للمشاهد أن يفهم بأن أرقام كاتس هي الأرقام الصحيحة. الفيلم بالظهور المتكرر لكاتس على الشاشة (على الكرسي المتحرك الذي يؤكد على أنه ضحية تم اضطهادها من قبل المجتمع الأكاديمي في إسرائيل) موجه جميعه لدعم فرضية المذبحة الكبرى.
المقولة بشأن "12، 20 أو 200" قتيل، استهدفت أن تبقي لشفارتس نوعا من ثغرة الهروب، نوعا من "لم أقل بشكل صريح أنه قتل 200 – 250 شخصا" – في الوقت الذي يعرف فيه أن هناك مؤرخين إسرائيليين يقدرون أن جنود الكسندروني ارتكبوا في الطنطورة جرائم حرب "صغيرة"، لكنهم ينفون نظرية "المذبحة الكبيرة" (انظروا بني موريس، "مذبحة الطنطورة"، "جيروزاليم ريبورت"،9/2/2004). النقاش بين كاتس (ومؤيديه) وبين معارضين يتركز ليس على جرائم حرب "صغيرة" نفذها أفراد، بل حول سؤال هل حدث أم لم يحدث ذبح ممنهج كبير لـ 200 – 250 من سكان القرية، مذبحة، التي بالضرورة كان يجب أن تكون منظمة من قبل قادة الكتيبة (إذا لم يكن قادة اللواء).
في غضون الدعم الكبير الذي يمنحه لكاتس، فإن شفارتس يعترف بأنه كانت هناك حالات من عدم الدقة حدثت في عدد من الاقتباسات في أطروحة كاتس. حسب قوله "حالات عدم الدقة القليلة في أطروحة الماجستير لكاتس هي عديمة الأهمية، لكن منتقديه استخدموها ذريعة من اجل رفض أطروحته. مرة أخرى، يقوم شفارتس بالتضليل. تشويهات كاتس بالتأكيد مهمة، وجميعها وجه لإثبات نظرية المذبحة الكبرى وسوء الجنود الصهاينة. ضمن أمور أخرى، كتب كاتس في أطروحته بأن لاجئاً من الطنطورة اسمه أبو فهمي (اسمه الكامل هو علي عبد الرحمن الرجع) قال، "خلال ذلك، سار الجنود الذين يحملون رشاشات (برن) على جانبي الأشخاص، وبين حين وآخر اطلقوا النار وقتلوا وأصابوا من هؤلاء الأشخاص". و"لقد قاموا بتجميع جميع سكان القرية في الميدان وأوقفوا الباقين ووجوههم إلى الحائط وقتلوهم بدم بارد. كنتُ شاهدا على هذه الجريمة. لقد قتل حوالي 95 شخصا". ولكن في تسجيل المقابلة مع أبو فهمي سمع كاتس وهو يحثه: "لكن من الواضح أنهم اطلقوا النار على الأشخاص بعد الاستسلام؟". وأجاب أبو فهمي: "لم نشاهد أنهم قتلوا بعد أن رفعنا الأيدي... لا، هم لم يقتلوا (بعد أن استسلم العرب، بني موريس). بالطبع، تبادل هذه الأقوال لا يظهر في الأطروحة.
دمجني شفارتس في مقاله، حتى أنه حاول الاستهزاء بي من اجل أن ينسبني لمجموعة "من يخفون أو يُسكتون أو ينفون النكبة". وقد عرض طريقة بسيطة: من لم يقبل روايته/ رواية كاتس حول ما حدث في الطنطورة فإنه يخفي/ يسكت/ ينفي النكبة. هذا غباء مطلق. يمكن بالتأكيد القول، إنه لم تكن هناك "مذبحة كبيرة" في الطنطورة، وفي الوقت ذاته القول، إنه كانت هناك أعمال قتل نفذها اليهود ضد عرب في أماكن أخرى، وأن الفلسطينيين مروا بنكبة (كارثة).
من اجل التعلم عن النكبة، كان يجب على شفارتس أن يقرأ كتابين من كتبي وهما "ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، 1947 – 1949"، (1988)، و"1948" (2008)، وكتاب غلبر بعنوان "نهضة ونكبة"، (2004). ولكني غير متفائل. يبدو لي أنه من الأشخاص الذين لا يتأثرون بالبينات والحقائق. ولن استغرب إذا أخرج فيلمه القادم بالشراكة مع إيلان بابيه. بالتأكيد سوف تزدهر هنا صداقة مدهشة.

عن "هآرتس"