إنجاز للمستوطنين: رؤيا "الدولة ثنائية القومية".. تنتصر

بن درور.jpeg
حجم الخط

بقلم: بن – درور يميني

 

 




تستمر هذه القصة منذ عشرات السنين. من جهة، كانت في إسرائيل حكومة وقعت على اتفاقات أوسلو. ومن جهة أخرى، كانت هناك جماعات من المستوطنين أقامت المزيد فالمزيد من نقاط الاستيطان. بؤر استيطانية.
في العام 1999، في أعقاب مفاوضات بين المستوطنين وبين الحكومة، تحقق اتفاق البؤر الاستيطانية الأول. اتفق في حينه على تجميد 19 بؤرة استيطانية، وإقرار 11، وإخلاء 10، ونقل اثنتين إلى مكان جديد. إحداهما هي "متسبيه كرميم". صحيح أنها نقلت، لكن تبين أن الأرض ذات ملكية فلسطينية، وبالتالي أُعيدت إلى مكانها الأصلي.
ما الذي نفذ من الاتفاق؟ قرابة الصفر. لأنه توجد في إسرائيل جماعات قوة أقوى بكثير من الحكومة. وهي مصممة. وهي ذكية. بل إن الحكومات تخافها.
توجد أغلبية في الجمهور تؤيد تسوية ما، ليس بالذات دولة فلسطينية بل تؤيد الفصل، بما في ذلك الامتناع عن الاستيطان في قلب السكان الفلسطينيين. وتوجد أقلية معنية تطالب بالمزيد من البؤر الاستيطانية. مع أذن وأساسا بلا إذن. من سينتصر؟ الجواب معروف.
هذا لا يعني أن لحكومة ما في إسرائيل كانت ذات مرة خطة استيطان مرتبة لمناطق "يهودا" و"السامرة". وحتى اتفاق السلام الذي عرضه ترامب، الذي يمنح الفلسطينيين دولة على 70% من الأرض، والذي حظي بمباركة بنيامين نتنياهو وأحزاب الوسط، فإن تلك الدولة مصنوعة من قطع، رقع، جيوب، وفي حدود الفصل التي تبقي تحت سيادة إسرائيل كل البؤر الاستيطانية، بشكل يجعل الفصل عبثا.
بؤرة "متسبيه كرميم" الاستيطانية هي مجرد مثال. فقد خصصت الأرض للاستيطان في ظل عدم المعرفة بأن قسما منها على الأقل يوجد بملكية فلسطينية. وعدم المعرفة هي التي شقت الطريق لقرار المحكمة، الخميس الماضي، الذي أعطى تسويغا للبؤرة الاستيطانية، لاعتبارات "نظام السوق". وهذا نظام منطقي تماما يقول انه إذا ما عقدت صفقة ببراءة، فإنها تبقى سارية المفعول، ويتلقى صاحب العقار تعويضا. فالحديث لا يدور عن ارض يستخدمها احد.
غير أنه توجد مشكلة؛ لأن المصممين والحازمين أقاموا هناك بيوتاً دون أي إذن. في تلك الأيام، كما يجدر بنا أن نتذكر فإن نتنياهو أيضا، وكان رئيساً للوزراء، نفذ اتفاقات أوسلو. ووقع على اتفاق الخليل في كانون الأول 1997 وعلى اتفاق واي في تشرين الأول 1998. لقد كان ولا يزال الرمز اليساري في كتلة اليمين. لكن كل هذه الاتفاقات وكل النية الطيبة، وكانت ثمة نية طيبة، لم تصمد أمام المصممين والحازمين. فقد ثبتوا حقائق على الأرض. في تلك الأيام كنت لا أزال أتحدث مع مروان البرغوثي، من البارزين في القيادة الفلسطينية. "أنتم تخدعوننا"، قال لي. "كيف يمكن الحديث عن السلام وإقامة المزيد فالمزيد من نقاط الاستيطان؟".
بذل ايهود باراك، الذي حل محل نتنياهو، جهودا هائلة للتوصل إلى سلام. هو الأول الذي تقدم بعرض تضمن دولة فلسطينية قابلة للعيش. كما أنه كان الأول الذي كسر الحظر شبه الديني، وعرض تقسيم القدس. هذا لم يجدِ نفعا.
وحيال المستوطنين فشلت قوته. استمر البناء. وأقيمت عشرات البؤر الاستيطانية. لاحقا، حتى التوافق مع الأميركيين في 2003 على إخلاء بؤر استيطانية لم ينفذ، بالضبط مثلما لم ينفذ قرار الحكومة تنفيذ توصيات تقرير البؤر الاستيطانية في 2005.
اجتازت الالتماسات ضد "متسبيه كرميم" تدحرجات مختلفة. قضت المحكمة المركزية في القدس في 2018 بأن الحاضرة يمكنها أن تبقى في مكانها بفضل نظام السوق. في 2020 قبلت محكمة العدل العليا الاستئناف، وقضت بأن تخلي الحاضرة. لكن عندها طلبت الدولة مداولات إضافية. القاضية دفنا باراك ايرز، غير المعروفة كحبيبة لليمين، فاجأت وانضمت إلى الأغلبية، اربعة ضد ثلاثة، حيث قبلت الاستئناف، وقضت بأن نظام السوق يقف في جانب المستوطنين. فرح وبهجة في أرجاء "يهودا" و"السامرة"، فقد نشأت سابقة.
يشهد الله أني احب المستوطنين. معظمهم. لكن لو انضموا إلى الإجماع الوطني الذي يبقي الكتل في مكانها في ظل احترام قرار الحكومة والتنازل عن البؤر الاستيطانية بالذات التي تضر فقط بالأمن وتدفع قدما بدولة ثنائية القومية لكان وضعنا افضل بكثير. لكن توجد لهم قوة.
القضية ليست قضائية. القضية سياسية. فما هي رؤيا إسرائيل؟ توجد أغلبية، تضم ثلث مصوتي اليمين، تعارض دولة ثنائية القومية. لكن ليس في إسرائيل حكومة قادرة على أن تبلور رؤيا تضمن دولة يهودية مع أغلبية يهودية، وتمنع مصيبة دولة ثنائية القومية. لا نحتاج إلى قرارات محكمة العدل العليا، بل نحتاج إلى حكومة مصممة والى حوكمة. في هذه الأثناء لا يحصل هذا.

عن "يديعوت"