القدومي : بدأنا ثورتنا بالسلاح ولم نبدأها بالصراخ والمظاهرات

Minfo-140204082601zys9
حجم الخط

 القائد الوطني الفلسطيني فاروق القدومي "أبو اللطف" رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين سر حركة فتح، هو رجل المواقف الصعبة وأحد أبرز القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية. لا يمكن لحديث واحد أن يلخص كل التجارب والمراحل التي عاشها الرجل والتي ارتبطت بالقضية الفلسطينية وبمسار الصراع ضد المحتل الإسرائيلي. ولعل معارضته لاتفاقات اوسلو شكلت حدثا مفصليا هزّ أوساط حركة فتح ومناضليها. فقد اعتبر القدومي هذه الاتفاقات ابتعادا عن المبادئ التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، ورفض العودة مع قيادات المنظمة وبقي في تونس.
أحداث كثيرة عاشها القدومي، وكان مساهما فيها أيضا، ولعل أبرزها تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني في نهاية الخمسينيات بمشاركة خليل الوزير (أبو جهاد) ومحمود عباس (أبو مازن)، وكذلك ترؤس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى الإعتقال إثر احداث أيلول الأسود عام 1970.
يعتبر القدومي في حديثه لصحيفة "القدس العربي" اللندينة أن اللحظة التي غادرت فيها منظمة التحرير بيروت عام 1982 كانت فارقة في مسيرة الثورة وكانت المأساة الكبرى لأنها ساهمت في تشتيت الكوادر القتالية وأبعدتها عن غزة والضفة الغربية.
وتقول كاتبة التقرير في الصحيفة " استقبلنا في مكتبه في أحد أحياء العاصمة التونسية التي طالما اعتبرها العاصمة الثانية للفلسطينيين، في ذلك المبنى الفتحاوي القديم الذي لا تزال جدرانه تستذكر أهم "المراحل التونسية" في تاريخ القضية الفلسطينية الحديث.. في كل الزوايا صور معلقة للزعيم الراحل ياسر عرفات، وللأقصى في أبهى حلته، ولخارطة فلسطين. في تلك الزوايا يدرك المرء أن هناك حزنا قديما صامتا، لكنه يخفي في طياته أيضا ثورة دفينة ستنفجر يوما ما من أجل العودة إلى فلسطين."


نص المقابلة التي أجرتها"روعة قاسم":


○ لنبدأ من خطاب الرئيس "أبو مازن" الأخير أمام المجلس المركزي والذي تعرض خلاله إلى نقاط عدة من أبرزها حالة الإحباط من مجلس الأمن بسبب استخدامه الدائم للفيتو، وموضوع المقاومة الشعبية ورفض العنف فما تعليقكم؟
• لقد أشار أبو مازن في خطابه هذا إلى عدة مواضيع، أولا احتجاز إسرائيل للأموال الفلسطينية من الجمارك، وثانيا محاولات السلطة اللجوء إلى الأمم المتحدة، وغيرها من المواضيع. وأعتقد جازما أن هذه المحاولات لم تفد بل بالعكس زادت في تعقيد الأمور خاصة بعد أن حجزت إسرائيل أموال السلطة. ورغم انضمام فلسطين إلى الكثير من المؤسسات الدولية إلا أن لا شيء تحقق على أرض الواقع، فهذه المؤسسات لم تف بوعودها. لذلك أعتقد أن أبو مازن في نهاية الأمر سيعود إلى المفاوضات لأنه لم يستفد من كل هذه المساعي لا في الأمم المتحدة ولا في أماكن أخرى.
○ ماذا بعد اتفاقية أوسلو خاصة أنه لم يتبق منها عمليا سوى التنسيق الأمني بين السلطة والعدو الإسرائيلي؟
• نحن قلنا منذ البداية أن اتفاقيات أوسلو فاشلة وأن إسرائيل لا يمكن أن تنفذ بنود هذه الاتفاقية. وكنت على قناعة وما أزال أن هذه الاتفاقيات لا منفعة منها للفلسطينيين ولهذا السبب امتنعت شخصيا عن الدخول إلى الأراضي المحتلة. لقد مضى أكثر من عشرين عاما دون أن نصل إلى نتيجة معينة. وما ذكرته بخصوص الإبقاء على التنسيق الأمني هو في الحقيقة ليس سوى الجانب السلبي من هذه الاتفاقيات. كان من المفروض أن نكون في حرب مع إسرائيل وأن نستهدفها بالعمل الفدائي بدل التنسيق الأمني معها. لكن مع الأسف الشديد تغير الوضع الآن وفقد العمل الفدائي زخمه، لكن نتمنى أن تعود المقاومة الشعبية المسلحة لأنها طريق خلاص الشعب الفلسطيني.
○ لكن هذه المقاومة الشعبية المسلحة لا يمكن ان تتحقق دون وحدة وطنية فلسطينية، فهل يمكن أن تتحقق المصالحة بين فتح وحماس وتلعبون أنتم دورا في هذا المجال؟
• هناك عدد من المحاولات التي تمت من أجل الوحدة وشكلت وزارات من أجل هذا الهدف، ورغم ذلك كل هذه المساعي فشلت. لكن أعتقد أنهم سيحاولون مرة أخرى لأن قضية الوحدة هي عامل أساسي. هناك بالفعل مقاومة مسلحة في غزة، وقد خاض أهلها حروبا متكررة وصمدوا قرابة 51 يوما ولم يستطع نتنياهو أن يتغلب عليهم. أما في الضفة الغربية، ومثلما يرددون، هناك مقاومة شعبية أي "مظاهرات"، لكننا في حاجة إلى أكثر من مظاهرات ومفاوضات ومجرد مقاومة شعبية، نحن اليوم في حاجة إلى مقاومة مسلحة، لأننا بدأنا ثورتنا في عام 1965 بالسلاح ولم نبدأها بالصراخ وغير ذلك.
○ إذن هل تتوقعون أن تعود حركة فتح إلى المقاومة المسلحة؟
• الضرورة تقتضي ذلك، لأنه إذا أردنا أن نحقق إنجازات في علاقاتنا وفي تحرير وطننا لا بد أن نلجأ إلى المقاومة المسلحة.
○ لقد صرحتم في أكثر من مناسبة، على غرار إحدى القمم العربية، عن إعجابكم برؤية الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة لحل القضية الفلسطينية والمتمثلة في سياسة "خذ وطالب"، ألا ترون أن أوسلو التي عارضتموها تدخل في هذا الإطار؟
• إسرائيل تختلف عن فرنسا التي واجهها الرئيس بورقيبة، فماذا نأخذ منها وبماذا نطالب؟ فبالرغم من كل ما وقعناه مع إسرائيل من اتفاقيات إلا أنها لم تنفذ أي شيء، بل على العكس هي تقوم بتشديد ضغطها على القضية الفلسطينية. المفاوضات والاتفاقات مع إسرائيل كلها فاشلة ولم تؤد إلا إلى مزيد الإستيطان.
○ هناك بعض المآخذ على حركة حماس بأنها ربطت نفسها بالتنظيمات الإخوانية مما أضر، بحسب رأي البعض، بالقضية الفلسطينية فما رأيكم بهذا الطرح؟
• لا يهم أن تربط حماس نفسها بتنظيمات الإسلام السياسي الإخوانية، المهم أنها تناضل بالسلاح. لقد أمضت 51 يوما في القتال مع العدو الصهيوني، وصمدت وهي تواجه إسرائيل، وفشل العدو بفضل حماس في احتلال غزة.. إسرائيل لديها صواريخ متطورة وكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وبالرغم من كل ما أصاب غزة من تهديم ومن دمار ومن سقوط لأكثر من ألفين من الشهداء، لم تستطع أن تقتحم غزة وأوساطها. فما يهمنا هو النتائج على الأرض، ما يهمنا أن المقاومة المسلحة مستمرة وهي فعالة.
○ لو نعود بالذاكرة إلى الوراء، إلى فترة خروجكم من لبنان، ما هي أكثر المشاهد التي بقيت عالقة في الأذهان؟
• لقد مثّل خروجنا من لبنان مأساة كبرى .. بقي شعور الغربة والبعد عن الوطن قويا داخلنا. عندما خرجنا من لبنان تشتتت الثورة الفلسطينية، فالقيادة السياسية جاءت إلى تونس ومعها جزء من المقاتلين، في حين أن باقي الكوادر القتالية توزعت على اليمن والجزائر وسوريا وغيرها وابتعدت عن مركز المقاومة في الضفة الغربية وغزة .
○ خلال كل مسيرة الكفاح الفلسطيني.. ما هي المرحلة التي تعتبرونها مفصلية وأثرت كثيرا على هذا المسار سواء سلبا أو إيجابا؟
• سنة 1982 كانت بالفعل مفصلية خاصة عندما قام شارون بالهجوم على لبنان ودامت العملية حوالي 77 يوما، وشكل هذا الحدث النقطة الأساسية التي هزت الثورة الفلسطينية.
○ ما تأثير ظاهرة الإرهاب المتفشي في المنطقة العربية على القضية الفلسطينية؟
• يقال أن هناك ربيعا عربيا ولكنني لا أراه ربيعا بل هو خريف أصاب عددا من الدول العربية. انظري مثلا إلى ما حلّ وللأسف بليبيا.. انظري إلى تنظيم الدولة وهو يسيطر في كل مكان، انظري إلى اليمن، حوارات مستمرة دون الوصول إلى اتفاق، انظري إلى العراق وسوريا حيث الفوضى السائدة تفوق التصور. شخصيا أعتقد جازما أن الولايات المتحدة هي التي صنعت تنظيم الدولة وهي مسؤولة مباشرة عما أصاب المنطقة العربية من تقسيم ومن حروب مستمرة، الأمريكان يرغبون، وعلى ما يبدو، في إعادة تقسيم المقسم .
○ في رأيكم لماذا فشلت ثورات "الربيع العربي"؟
• لأنها مؤامرة أمريكية منذ البداية، وقد ذكرت ذلك السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في كتابها. لقد تحدثت عن هذه الحرب الدائرة في الشرق الأوسط وعن صناعة الفوضى الخلاقة..هذا هو بالفعل ما حصل في منطقتنا العربية .
○ نأتي الآن إلى العلاقات التونسية الفلسطينية وأنتم تعيشون في تونس وقريبون من ساستها، كيف تجدون اليوم هذه العلاقات خاصة بعد انتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا وهو المعروف بعلاقاته الجيدة والتاريخية مع الفلسطينيين منذ أن كان وزيرا للخارجية في أواخر عهد الرئيس بورقيبة؟
• لقد رحبنا بانتخاب القائد السبسي رئيسا ونأمل بالفعل أن يكون عهدا جديدا لإخواننا في تونس يحمل الإصلاح المطلوب داخل البلاد. هناك علاقات تربطني شخصيا بقائد السبسي حينما كنا على رأس وزارتي خارجية كل من تونس وفلسطين وأذكر أن قائد السبسي لم يدخر جهدا من أجل دعم قضيتنا سواء في الخارج أو حتى في الداخل. وننتظر منه حقيقة أن يقوم بتحسين أوضاع الفلسطينيين في تونس في كل المجالات. العلاقات الفلسطينية التونسية جيدة، نحن هنا منذ أكثر من ثلاثين عاما ونعامل معاملة جيدة وكأننا مواطنين تونسيين ونشكر حقيقة أشقاءنا على ذلك. لقد كانت تونس ملجأنا الوحيد عندما خرجنا، أو أرغمنا على الخروج من بيروت.
○ إلى أي مدى تستطيع الأجيال الشابة الجديدة حمل المشعل وهل هي قادرة على أخذ كل هذا الارث من النضال اليوم؟
• لقد مضى على الثورة الفلسطينية تقريبا خمسون عاما وكانت هناك منظمة التحرير في البداية ثم فتح ثم المنظمات الأخرى ثم انتفاضة الحجارة.. أعتقد أن الجيل الجديد سوف يقوم بانتفاضات متكررة والقتال الفلسطيني سيستمر لأن فلسطين هي معركة كل عربي وليس فقط كل فلسطيني .


روعة قاسم/ نقلا عن "القدس العربي"