السيد والغاز والحرب!!!‏

حجم الخط

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان 

 

 

يثير موضوع الغاز اللبناني الكامن في أعماق المنطقة الإقتصادية الخالصة في الشواطىء ‏اللبنانية على البحرالأبيض المتوسط وفق إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ، ‏شجنا كبيرا على الثروة الفلسطينية المنهوبة برا وجوا وبحرا من قبل سلطات الإحتلال ‏الإسرائيلية ، وعن مدى إلتزام الكيان الإسرائيلي بالمعاهدات والمواثيق الدولية في زمني السلم ‏والحرب تارة ورفضه تارة أخرى، وعن كيفية إجبار هذا الكيان المتمرد على القانون الدولي ‏المكتوب وغير المكتوب، والوسائل المطروحة للحصول على الحقوق الوطنية السليبة من فم ‏الغول الإسرائيلي الذي لا يوفر شيئا وتحجيم النفاق الدولي لهذه الدولة ولجمه.‏


ولعل ما يجري في المياه اللبنانية وموقف السلطة اللبنانية والحكومة اللبنانية والأحزاب اللبنانية ‏وحزب الله " وكاريش وما بعد كاريش "، يستأهل الدراسة بإمعان وفهم المعادلات الدولية ‏وقواعد حل المنازعات الدولية، في مفاوضات استمرت عقدين من الزمان دونما طائل. ولكن ‏فجأة حينما تدخل حزب الله في الموضوع بموقفه الجدي غير المساوم الذي ارتقى لخطوة شن " ‏حرب "، ونشر مواقع الحفر الإسرائيلية بإحداثياتها، تغير كل شيء، حيث سادت نغمة التفاؤل ‏فجأة، وغدونا قاب قوسين أو أدنى لحل قريب لهذه المعضلة، التي عجز السياسيون في لبنان ‏عن حلها طيلة عشرين عاما واختصرت في شهرين بنهاية شهر أيلول. وغدا المكوك الأمريكي ‏للمفاوضات الضابط الإسرائيلي السابق " المحايد " إما في تل أبيب أو في بيروت، حيث أصبح ‏همه إنجاز حل بموافقة الطرفين ويجرد حزب الله من أي إنجاز بل كيل التهم لأمينه العام ‏بتوريط لبنان في منازعات ستجر عليه الويلات .‏


ليتنا نتعظ مما يجري في موضوع الغاز اللبناني ونطبقه بما يجري على الإقليم الفلسطيني تحت ‏الإحتلال الإسرائيلي. فالغاز الفلسطيني والنفط الفلسطيني محجوران لكونهما فلسطينيين. فنفط ‏رنتيس في محافظة رام الله مقبور في جحره، ولا يمكن استخراجه، وكأنه لا يكفينا وجود ‏احتلال وقمعه وعسكره وقتله وهدمه لمنازلنا، لكن نفطنا لا يمكن استخراجه أيضا، ليحل بعضا ‏من مشاكلنا المالية. ونفس الشيء ينطبق على غاز غزة، فرغم وجود اتفاق مع شركة بريطانية ‏منذ زمن لاستخراجه، بقي الموضوع حبرا على ورق تماما مثل جمود الشركات النفطية في ‏لبنان. والسؤال الذي يطرح نفسه على النقاش لماذا استطاع حزب الله اللبناني أن يفرض رؤياه ‏على إسرائيل ويقودها إلى مفاوضات جادة حول الغاز اللبناني، بينما فشل الفلسطيني في فرض ‏حل مماثل، وماذا ينقص الفلسطيني سواء في القطاع أو في الضفة الغربية. وكيف يمكن ‏للفلسطيني هنا وهناك أن يستفيد من الدرس اللبناني ويسترجع حقا سليبا هو بحاجة ماسة إليه. ‏وكيف لنا أن تسترد إرادة سياسية أضعنا بفقدانها حقوقا لنستعيد حقوقا سليبة في كل القطاعات. ‏


‏ كذلك هو الحال في الجو، فالطائرات الإسرائيلية تعبره قسرا ورضاء ليل نهار، لكن المشكلة ‏في الهواء الفلسطيني المسروق والمنهوب ولا يتم التحكم به فلسطينيا ولا بذبذباته، وللاسف ‏بموجب إتفاق " قانوني " هو أوسلو اللعين. وليس سرا المعاناة والضرر التي تسببها شركات ‏الإتصال الإسرائيلية من خلال الحكم العسكري للشعب الفلسطيني ومصالحه.‏


أما الماء الفلسطيني الكامن تحت التراب الفلسطيني في الإقليم الفلسطيني فهو مسروق بالكامل، ‏والأدهى وأمر فبعد استخراجه من قبل الإسرائيليين يتم بيعه للفلسطينيين وبكميات محدودة جدا، ‏ويترك للمستعمرين المستوطنين في جميع رقاع الضفة الغربية غورا وسهلا وجبلا، الإستمتاع ‏بسرقة ونهب الماء الفلسطيني والذي هو ثروة قومية. ولا عجب فقد استقطبت الثروة المائية ‏العربية ريالة الإسرائيليين بعد عام 1948 حيث قاموا بتحويل نهر الأردن وسرقة مائه.‏


الأمر المثر للريبة والشك هو أن الكيان الإسرائيلي رغم تنقيبه عن النفط واستخراج الغاز من ‏البحر الأبيض المتوسط، وعقده إتفاقات مع قبرص واليونان ومصر، هو من الدول القليلة التي ‏لم توقع ولم تصادق ولم تنضم لاتفاقية قانون البحار لعام 1982، مثلها مثل الولايات المتحدة ‏الأمريكية بينما صادقت وانضمت على هذه الإتفاقية أكثر من 166 دولة. فشهيته لابتلاع مياه ‏وثروات جديدة لم تنقطع، بل فرضت نفسها على دول مجاورة بعقد إتفاقات ثنائية دون التقيد ‏بالإتفاقية المذكورة آنفا عملا بمبدأ شهير يقرر اشتراك الدول في التراث الإنساني.‏


لذا الأَولى والخطوة الأولى، أن تطالَب إسرائيل بالإنضمام لهذه الإتفاقية (دستور المحيطات ) ‏التي تبين كثيرا من حقوق الدول البحرية والتزاماتها، كقضايا البحار والشواطىء والمنطقة ‏الإقتصادية الخالصة والمياه الإقليمية والمناطق المتاخمة، كبادرة حسن نية قبل التوقيع على أي ‏اتفاقية بخصوص المياه والثروات الكامنة فيها سمكا أو غازا أو معدنا أو منعها من رمي النفايات ‏مع أي دولة أخرى كلبنان أو قبرص أو اليونان إتفاقا مع القانون الدولي واحكامه وأن لا يبقى ‏الحبل الإسرائيلي على الغارب وأن لا تبقى طليقة من اي التزام دولي. فالكيان الإسرائيلي لا ‏يحترم القانون الدولي العام سواء أكان حقوق إنسان أو دولي إنساني أو قواعده العامة. ولنا بما ‏يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة خير دليل على ما نقول.

 

 فميثاق الحقوق المدنية ‏والسياسية لعام 1966 التي انضمت إليه إسرائيل تخرقه يوميا في القدس وفي الضفة الغربية ‏المحتلتين وترى البعض منا يستذكر هذا الميثاق لأغراض خاصة. وتفعل الشيء ذاته بموجب ‏ميثاق حظر التعذيب لعام 1983 التي انضمت إليه حيث تقوم بتعذيب الفلسطينيين صباح مساء ‏ولا تلاحق قواها الأمنية بهذه الجريمة بل تتخذ مسمى مهذبا لهذه الجريمة البشعة حيث تصفها ‏ب " ضغط جسماني معتدل " لتبرير جريمتها التي لاتتقادم.‏


قديما قالوا لا يفل الحديد إلا الحديد، وقال الزعيم المرحوم جمال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا ‏يسترد بغير القوة، لذا علينا أن نطالب ونسعى لاسترجاع حقوقنا المائية والهوائية والغازية ‏والنفطية المدفونة في وطننا ونتعظ بما جرى في لبنان. وعلينا تفعيل الإنضمام الفلسطيني إلى ‏إتفاقية قانون البحار لعام 1982 الذي جرى في العام 2015 بخصوص الخروقات الإسرائيلية ‏البحرية وحتى اللجوء لقرار التقسيم رقم 181 في حقوق فلسطين المائية والغازية وفقا له. ‏ونستعيد إرادتنا السياسية فبدل سرقة ستمائة مليون شاقل من أموالنا يجب دفع تعويضات عن أموالنا ‏المنهوبة بمليارات الدولارات. ‏


بقيت لبنان تفاوض الكيان عقدين من الزمن دون جدوى، بل اخترعت إسرائيل الأحابيل ‏والخداع حتى لا تصل لنتيجة، ألم يقل إسحق شامير يوما سابقى أفاوض مائة عام بدون نتائج. ‏لكن حينما ظهر السيد على المسرح اللبناني وهدد بكاريش وبما بعد بعد كاريش، وأن الحرب ‏أفضل من الحياة وعدم الحل، تسارعت المفاوضات، واستقر المبعوث الأمريكي في المنطقة، ‏حيث تعتقد السلطة اللبنانية أنها ستأتي أكلها قبل نهاية أيلول. ولعل المفاوض اللبناني يؤكد على ‏وجوب انضمام الكيان الإسرائيلي لاتفاقية قانون البحار قبل توقيع أي اتفاق. فالشفهي تذروه ‏الرياح !!!‏