والله يا بُنى مع أنَّ حبى لك لا حدود له إلا أنّ حبى لله ورسوله أعظم ، لقد أحببتك حباً يجعلنى طليق الدمع محزون القلب على فراقك ...
أذكر عندما بدأنا عهد الصداقة أنّه كلما كنت تكبر أمام ناظرىّ يزداد حبى وقربى منك أكثر وأكثر ، لقد تقدمت على أقرانك فى كل شئ ، فى فهم الحياة ، فى ذكاءك الذى صاحبك منذ الطفولة وجعلت كل من حولك يحبك مثلى ولكنى أذكر تماما كم كان والدى جِدُّك ينتشى بذكاءك وفطنتك ويصحبك معه فى ذهابه وإيابه ، ومع أنك كنت من المتفوقين طوال سنين دراستك إلا أن حب القائد الشهيد صلاح أبو حسنين لك وحرصه على أن تصاحبه دائماً فى حِلّه وترحاله أوقعك فى شرك الإنخراط فى العمل التنظيمى حينذاك وهو الذى كشف لى سرّا بعد ذلك حين قاموا بتجهيزك لتنفيذ عملية استشهادية ولكنهم تراجعوا فى آخر لحظة حين تم اعتقال أخيك الأكبر طارق ليقضى أربعة عشر عاما فى السجون الاسرائيلية ولم يريدوا زيادة الهم علىّ ، ومن شدة شغفك بالكمبيوتر درست التخصص الذى أحببت وأبدعت كثيراً ولم تنظر إلى أى عائد مالى بالرغم من تقديمك المساعدة لكل من يستعين بك فى شراء الكبيوتر أو كيفية عمله وإصلاحه لأنه كان بالنسبة لك هواية وليس وظيفة ، وكنت فخوراً بك ، وأنا لا زلت فخوراً بك وسأظل أعانق عنان السماء فخوراً بك ، منذ أيام ليست بالبعيدة ، حبيبى ، كنت أتابع عن بعد الشيب يغزو جانبىّ رأسك أدركت أن السنين تمر بك ولكنك لا تشعر بها لأنك دائم التفكير والحركة.
منذ صغرك ما رأيتك بارداً فى حركتك حينها كنت أقول لأمك نفسى أشوفه مثل الاولاد هادئ وأنت من حولنا كالنحلة وكم كنتَ تنتشى فرحاً حين ترى أحمد ولدك يفعل مثل الذى كنت تفعله فى صغرك وهو الذى ورث عنك هذا الطبع ،، كم فرحتُ بك وأنت تتقن عملك باقتدارٍ منقطع النظير بعدما تم تكليفك بالعمل فى سرايا القدس كمعاون لقائد السرايا صديقك وحبيبك القائد الكبير خالد منصور وأنا أسمع كلمات الاطراء عليك من جميع من عرفك وتعامل معك وكنت أنتشى حين ينادونك أبا احمد وكنت اناديك زياد فأصبحت مثلهم أناديك أبا أحمد ، كم كانوا سعداء بك ، وكم كنت أنت سعيداً بهم ، لم أرَ ابتسماتك من قبل كما رأيتها فى آخر لحظات حياتك ، بل إنك كنت أشد فرحا منا جميعا حين صرخت من شدة الفرح بتفوق أخيك جهاد فى الثانوية العامة ولم تسعك الدنيا من الفرح وأطلقت عليه لقب الطبيب وأخذته لتطوف به مطاعم ومتنزهات وبوظة غزة ، وترسم معى خارطة تعليمه حتى يتخرج طبيباً ، وقلت لى والسعادة تملأ وجنتيك ها هو جهاد سيعوضك عنا فى التخصص الذى تحبه وتهواه.
كنت سعيدا بك وانت تجهّز نفسك لكتابة رسالة الماجستير فى جامعة الإسراء بتلهف ، وتخطط للدكتوراة بعدها ، هى لحظات لا أنساها ولن أنساها لأننى شعرت أن همّ الستين عاماً من عمرى الذى مضى يتحول إلى راحة وهدوء فى حياتى وأنا أراكم تسيرون نحو وجه الله ليرضى عنكم ، أيضا وأنتم ترتقون سلم المجد فى حياتكم الدنيا ، جميعنا كان يعلم أنك ستمضى شهيداً وفى كل لحظة تلاحقك الشهادة التى هى أمنيتك لذا لم تكن تحسب لهذه الدنيا حساباً حتى أنك لم تدخر من دخلك شيئاً وتقول لى رزق بكرة ييجى معاه وربنا يتولى الاولاد ، ياالله أنتم هكذا الشهداء تميزتم عن كل خلق الله فهو الذى اختاركم من بين خلقه لتكونوا شهداء .
الفراق صعب لا محالة والذكريات توجع القلب وتملؤنا أسى وحزناً ، لكنْ عزاؤنا أولاً أنك مضيت شهيدا حياً عند ربك وفى قلوبنا وفى دنيا الناس.
ثانياً أنها الضريبة التى لا بد من دفعها ثمناً للكرامة والعزة والحرية والعودة واذا لم نكن نحن من يدفعها فمن ذا الذى يسابقنا عليها .
ثالثاً أنّ صُحبتك فى الشهادة هم أطهار الأمة ونبلاؤها وأشرافها فنعم الصحبة هم .
رابعاً أحمد وتالا اللذان تركت خلفك هم أبناؤك الذين سيحفظوا اسمك وطهرك ويخففوا علينا ألم الفراق وعهدى وعهد أعمامهم وعماتهم لك أن يحفظوا حبهم لك فيهم وقد كنت الحنون عليهم .
خامساً اعطيتنى من القوة والمنعة والثقة ما تجعلنى أكثر صدقاً وأنا أتحدث عن الشهادة والشهداء وأؤبنهم فى أعراسهم.
سادسا أن الله اختارك لنا شفيعا مع رسول الله وهى قمة الطمأنينة والسعادة التى ستلازمنا يوم القيامة عند ملاقاة ربنا .
هنيئا لك النهاية التى عشقتها ، هنيئا لك الشهادة ، ومضيت ، لكنْ ، لست وحدك ...