بعد سبعين ساعة من الصمود والثبات لمقاتلي حركة الجهاد الإسلامي في غزة؛ بمساندة ودعم من كتائب شهداء الأقصى "لواء العامودي" وكتائب المقاومة الوطنية وغيرها من فصائل المقاومة، وكذلك إسناد شعبي تجلى في التكبيرات التي تصدع في سماء غزّة عند التاسعة مساء "ساعة البهاء" عندما تُضاء المدينة برشقات صاروخية؛ باتجاه ما تُسمى "مستوطنات غلاف غزّة وتل أبيب والنقب"، نجحت الشقيقة مصر، في الوصول إلى وقف إطلاق النار لأول مرة بين حركة الجهاد الإسلامي ودولة الاحتلال الإسرائيلي، دخل حيز التنفيذ مُنذ منتصف ليلة أمس.
وقف إطلاق نار في غزة
وجاء وقف إطلاق النار، بعد يوم دامٍ استشهد خلاله 19 مواطناً وأصيب أكثر من 150 آخرين بجروح متفاوتة، وجرى تدمير عدد من المنازل، وذلك في ثالث أيام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما يرفع عدد الشهداء إلى 44 مواطناً، من بينهم 19 طفلاً و4 سيدات، و360 إصابة، وتدمير مئات المنازل والمنشآت.
وفي نص اتفاق وقف إطلاق النار، كما جاء في البيان المصري: "مصر تدعو إلى وقف إطلاق النار بشكل شامل ومتبادل عند الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء أمس "الأحد"، كما تبذل مصر جهودها وتلتزم بالعمل للإفراج عن الأسير خليل عواودة ونقله للعلاج، وتعمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن".
وعقب وقف إطلاق النار، خرجت مسيرات حاشدة من عدة أماكن في قطاع غزّة، وتوجهت إلى منازل شهداء العدوان، وتركزت كبرى هذه المسيرات في حي الشجاعية شرق مدينة غزّة، حيث شارك الآلاف فيها متوجهين إلى منزل الشهيد الجعبري، أحد أبرز قادة "سرايا القدس" الذي اغتالته "إسرائيل" في مستهل عدوانها.
رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، يائير لابيد، أكّد بعد اجتماع مع وزرائه، مساء أمس، على إعلان وقف إطلاق النار.
من جانبه، قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الإيرانية طهران، منتصف الليلة الماضية: "إنَّ المقاومة كانت تهدف لوحدة الساحات الفلسطينية في هذه المعركة والدفاع عن المجاهدين، وإنّها تحركت من أجل حماية حياة الشيخ بسام السعدي، وللتأكيد على وحدة الشعب في الجغرافيا".
وتوعد النخالة، باستئناف القتال في حال لم يلتزم الاحتلال ببنود الاتفاق الذي تم بوساطة مصرية.
إنجاز تكتيكي وليس استراتيجي
من جهته، استبعد مدير المركز الدولي للاستشارات من حيفا، وديع أبو نصار، التزام دولة الاحتلال في الوقت القريب، بتنفيذ بنود وقف إطلاق النار الذي وقعته مع حركة الجهاد الإسلامي والذي ينص على إطلاق سراح الشيخ بسام السعدي والأسير خليل العواودة المضرب عن الطعام مُنذ 148 يوماً، داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقال أبو نصار، في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "إنَّ فصيل عسكري استطاع إرباك إسرائيل لعدة أيام"؛ مُردفاً: "لكِن لا يوجد إنجازات كبرى، فالخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت تم ضرب هيبة إسرائيل؛ لأنَّ الجهاد الإسلامي استطاع أنّ يُربك المطار ومدن حيوية؛ أما في المحصلة فلا يوجد رابح أو خاسر في هذه الجولة".
وأضاف: "إنَّ إسرائيل حققت بعض المكاسب من خلال نجاحها في سياسة "فرق تسد" التي نجحت بغباء الآخرين وتقاعسهم-وفق حديثه-؛ وأيضاً بالمقابل الجهاد نجحت في إرباك إسرائيل"؛ مُعتقداً أنّه لا يوجد أرباح استراتيجية للفلسطينيين خلال الجولة الحالية؛ لكِنها أرباح تكتيكية.
ورأى أنّه لا يُمكن مقارنة جيش دولة الاحتلال الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، وبما يملكه من أجهزة أمنية وأسلحة متطورة، بحركة الجهاد الإسلامي الذي تعتمد على بضع مئات من المقاتلين؛ وبالتالي المواجهة بين الطرفين ليست متساوية؛ لذلك يُحسب للجهاد الإسلامي أنّها استطاعت إرباك دول الاحتلال؛ مُستدركًا: "ما حدث إنجاز "آني" يُمكن أنّ يستفيد منه الشعب على المدى البعيد ويقربه من الدولة".
وبالحديث عن نجاح الجهاد في ربط أعمال المقاومة بين غزّة والضفة بما يُسمى "وحدة الساحات"، أوضح أبو نصار، أنّه "لم يكن هناك وحدة في الساحات بين الضفة وغزّة، فلم تخرج مسيرات في الضفة الغربية والقدس المحتلة وحتى مدن الداخل للتنديد بالحرب على غزّة، مُضيفاً: حتى لم تكن هناك وحدة أيضاً في غزّة".
وأكمل: "نجح الفلسطينيون في إعادة الملف الفلسطيني إلى طاولة البحث لعدة أيام؛ ولكن خلال أيام سينسي الأمر ويعود اهتمام العالم بما يجري في أوكرانيا وروسيا؛ لذلك يجب على الفلسطينيين أنّ يتجهوا للوحدة الداخلية التي تُقربهم من حلم الدولة المستقلة".
الجهاد.. رأس الحربة في المقاومة
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، عمر عساف، أنَّ "اتفاق وقف إطلاق النار، حاول إعادة الاعتبار للوساطة المصرية؛ لأنّ الاحتلال عمليًا خدع الوساطة المصرية بعملية اغتيال قائد اللواء الشمالي في سرايا القدس تيسير الجعبري".
وتابع عساف، في حديثِ خاص بوكالة "خبر": "الاتفاق يُسجل نقاط إضافية لصالح المقاومة؛ كونه يربط بين ما يحدث في غزّة، وبين ما يجري في الضفة الغربية، من خلال ربط الاتفاق بالإفراج عن الأسيرين خليل عواودة وبسام السعدي، وإنّ كانت تحتاج بعض الوقت؛ لكِن الأساس التأكيد على وحدة الشعب في الضفة وغزّة".
أما عن وضع الجهاد الإسلامي بعد معركة "وحدة الساحات" التي خاضت هذه المعركة بدون مشاركة حماس، قال عساف: "إنَّ أيّ معركة مع الاحتلال الإسرائيلي، تُسجل لصالح القوى التي تخوضها؛ ولذلك فإنَّ الجهاد الإسلامي سجلت نقاط لصالحها في أوساط الشعب الفلسطيني، ويكفي القول إنّها كانت "رأس الحربة" في مواجهة الاحتلال؛ الأمر الذي من شأنه أنّ يُعزز من حضورها وتعميق قوتها في الشارع الفلسطيني؛ الموحد خلف المقاومة".
واستطرد: "ستشكل هذه المعركة إضاءة على دور حركة الجهاد الإسلامي في المستقبل، وسننتظر لنرى إنّ كان الموقف من أيّ من قوى المقاومة مُنسق ومفهوم بين حماس والجهاد، أو كان هناك حسابات من حماس بعدم المشاركة؛ وبالتالي من المبكر الحكم على ذلك".
وبسؤاله إنّ كان قطاع غزة أمام "هدنة هشة" في ضوء وقف إطلاق النار الذي حدث، بيّن عساف، أنَّ التجارب تؤكد أنَّ أيّ اتفاق تهدئة يُعقد مع الاحتلال هش، ليس بسبب ضعف بنوده؛ وإنّما بسبب الاحتلال الذي ينقض كل المعاهدات والاتفاقات وفقاً لحساباته السياسية؛ وبالتالي فإنَّ المعركة المقبلة مع الاحتلال ستكون قريبة.