التصدي للعدوان بمن حضر

AZ01p.jpeg
حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 

 بعد جهود مكثفة من مصر تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بين دولة الاحتلال وحركة الجهاد الإسلامي، صحيح أن الشعب الفلسطيني بفئاته المختلفة يقف خلف الجهاد الإسلامي في تصديه للعدوان الإسرائيلي رغم البون الشاسع والذي لا يقبل المقارنة بين ما تمتلكه دولة الاحتلال من قدرات وما تمتلكه حركة الجهاد الإسلامي، لكن المؤكد أيضاً أن الفصائل الفلسطينية المختلفة لم تشارك بثقلها وقدراتها حركة الجهاد في تصديها للعدوان، ولا يمكن تفسير ذلك بأنه تخلي من قبل الفصائل الفلسطينية عن القيام بواجباتها والانخراط الكلي مع الجهاد في المواجهة كل منها طبقاً لقدراته وأدواته، بل جاء بفعل حسابات تتعلق بالبيئة المرافقة لهذه الجولة من القتال، سيما وأن قطاع غزة لم يلتقط أنفاسه ولم تلتئم جراحة بعد من العدوان الأخير عليه، هل كان على الجهاد الإسلامي تجنب خوض غمار هذه المواجهة؟، بل السؤال الأكثر دقة هل من المنطق أن تلتزم حركة الجهاد الصمت حيال الطريقة الاستفزازية لإعتقال أحد قادتها البارزين في الضفة الغربية "بسام السعدي" وهل كان عليها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام جريمة الاحتلال بإغتيال القيادي تيسير الجعبري؟.

الحقيقة أن حركة الجهاد الإسلامي إلتزمت ضبط النفس في محاولة لتجنيب شعبنا المزيد من المعاناة والآلام، إلا أنها وجدت نفسها مجبرة على خوض المواجهة بعد إغتيال القيادي الجعبري، وإن لم تفعل ذلك لفقدت الكثير من مبرر وجودها كحركة مقاومة ليس فقط بين كوادرها وعناصرها بل ومكانتها على خريطة الفعل الفلسطيني، ولأحدث صمتها في الوقت ذاته تصدعاً في الوعي الجمعي النضالي وأدبياته، وبالتالي لم يكن أمامها من خيارات أخرى رغم معرفتها المسبقة بأنه ليس بإستطاعتها إلحاق هزيمة عسكرية بالاحتلال ولا يمكن لعاقل أن يطالبها بتحقيق ذلك، أو أن يجعل من القدرة التدميرية العسكرية وما تلحقه من خسائر بشرية ومادية مقياساً وحيداً لتقييم النتائج، ولسنا مع من يحاول أن يدفعنا خارج مربع الضحية ويجبرنا على ارتداء ثوب توازن الرعب تارة وقوة الردع تارة أخرى كي لا ننزلق خلف شعارات ضررها أكثر من نفعها، فكل ما نحتاجه أن تكون لدينا القدرة على خلق واقع يشعر من خلاله المواطن الإسرائيلي بأن مسار حياته الطبيعية يتوقف وأمنه يضطرب كلما ارتكبت حكومته حماقة بحق شعبنا، وهو ما نجحت حركة الجهاد في تثبيته في الخمسين ساعة من عمر المواجهة.

ما يجدر قوله أن توقيت المواجهة وشكلها فرض على حركة الجهاد الإسلامي ولم يكن أمامها خيارات أخرى، ورغم ذلك تمكنت من خوضها بإقتدار طبقاً لقدراتها وفي غياب البيئة المعززة لها في الكثير من الجوانب، سواء إتفقنا مع مبررات هذا الغياب أم إختلفنا حولها إلا أن فرض الكفاية كان هو الحاضر في مواجهة العدوان، وأحسنت الحركة حين قبلت بإعلان مصر لوقف إطلاق النار وفيه تغليب للغة العقل والمنطق فهذه المواجهة بمفرداتها ما كان لها أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وإن كان لا يعنينا من قريب أو بعيد تقييم الاحتلال لنتائج عدوانه هذا، فما يعنينا هو أن الاحتلال لا يتوقف عن ارتكاب جرائمه ولا يحتاج مبرراً لها، وأنه أمام هذه الغطرسة والامعان في العدوان على شعبنا ليس أمامنا سوى مواجهته، وهذا يتطلب منا قبل غيرنا تصحيح الاعوجاج الذي بلينا به بفعل الانقسام، فالمواجهة تتطلب مشاركة الكل الفلسطيني وعلى قاعدة التكامل في العمل النضالي، وضمن سياق نبتعد فيه عن الغوغائية وبما يمكننا من تجنيد كافة القدرات والإمكانات التي نستطيع بها مواجهة تغول الاحتلال علينا.

إن بناء وتطوير أدوات النضال لا يمكن لها أن تقتصر على الجهد العسكري رغم أهميته، فعناصر القوة الحقيقية لدينا ترتكز على ثلاث قواعد أساسية: الأولى تتعلق بقدرة شعبنا على الصمود رغم ما يرتكبه الاحتلال من جرائم، وتعزيز صموده يتطلب توفير مقوماته من الكرامة والعدالة وتلبية إحتياجات المواطن الحياتية، وثانياً ما يتمتع به شعبنا من قوة الإرادة والتي تمكنه من نفض غبار الضعف والانعتاق من شرنقة الظروف المحيطة به محلياً واقليماً ليواصل ابداعه النضالي، وثالثاً قوة الضحية في تمسكها بالحق وتصديها للظلم والطغيان، الضحية التي يجب علينا ألا نسمح للإحتلال بتقمص دورها تحت أي سبب من الأسباب، ودون أن ننهي الانقسام وننبذ الخلاف والاختلاف فيما بيننا ونعمل على تجميع قدرات شعبنا في كافة أماكن تواجده يكون الحديث عن مواجهة الاحتلال وكسر شوكته هو محض حلم بعيد عن الواقع حتى وإن بدا للبعض غير ذلك.