حظيت جهود الوساطة الدولية في محاولة التوصل بسرعة إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة، أول من أمس، بتسريع كبير، وكان المبرر الأولي لذلك الحاجة إلى وقف إطلاق النار إنسانيا: في محطة الطاقة في غزة كان هناك نقص في السولار، الذي يصل إلى القطاع من إسرائيل. في ظل غيابه يتشوش تزويد الكهرباء في القطاع، ويمكن أن يتضرر أداء المستشفيات بشكل كبير، ويؤثر بصورة سيئة على علاج مئات المصابين من هجمات سلاح الجو.
ولكن من المحادثات حول إدخال السولار خلال توقف تبادل إطلاق النار توصل الطرفان بسرعة إلى محادثات حول وقف فوري لإطلاق النار. وقالت مصادر مصرية، إن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في الليل. أعلن "الجهاد الإسلامي" رسميا بأن الأمر سيكون في الساعة 11:30 ليلا. أيضا مصادر سياسية وأمنية في إسرائيل أكدت هذه الأقوال، وظهروا، أول من أمس، في إسرائيل متفائلين نسبيا. يمكن أن يحدث هذا، قالوا. ولكن في الساعة العاشرة مساء، مثلما اعتادت التنظيمات الفلسطينية على الأغلب في ظروف كهذه، أطلق "الجهاد" صلية ثقيلة نسبياً نحو جنوب البلاد و"غوش دان" بهدف غرس نوع من رواية الانتصار للمقاومة.
كالعادة، ظهرت مشكلات اللحظة الأخيرة. فـ"الجهاد" طلب ضمانات لأمن المعتقلين المسجونين في إسرائيل. ووعد المصريون بأن تكون الأمور على ما يرام، شريطة أن يتعهدوا بالهدوء. التوجه الظاهر هو وقف إطلاق النار، لكن الأمور من شأنها أن تستغرق وقتا معينا إلى حين وقف إطلاق النار المطلق. بالتحديد، الضربات التي تلقاها "الجهاد"، حيث قُتل اثنان من قادته في القطاع، تعقد قليلا المحادثات. أولا، يصعب عليه إنهاء القتال دون أي إنجاز عسكري أمام إسرائيل. ثانيا، عملية اتخاذ القرارات أصبحت معقدة في الوقت الذي يوجد فيه جزء من القيادة السياسية في الخارج (على الأغلب في سورية وفي هذه الأثناء في إيران)، وجزء منها في القطاع.
طوال أيام القتال الثلاثة فإن من واصل الجلوس جانبا هي "حماس". ومثلما في عملية "الحزام الأسود" في تشرين الثاني 2019 فإن إسرائيل تركز النار على "الجهاد"، ولا تتدخل "حماس" في القتال. الخوف في إسرائيل كان أنه كلما طالت المواجهة العسكرية ورافقتها إصابات للمدنيين الفلسطينيين فإن "حماس" سيصعب عليها الحفاظ على ضبط النفس. حصلنا على مثال على ذلك في منتهى السبت، بعد الإبلاغ عن مقتل أربعة أطفال وفتى فلسطيني في مخيم جباليا للاجئين في شمال القطاع. أشعلت المشاهد القاسية النفوس فترة قصيرة.
طوال نهاية الأسبوع، اتسع الاتفاق في المستوى السياسي والمستويات المهنية بأنه من الأفضل إنهاء المواجهة بأسرع وقت. تفاجأت إسرائيل قليلا بالإنجازات العملياتية التي سجلتها عندما نجحت في اغتيال اثنين من قادة الذراع العسكرية لـ"الجهاد"، قادة القطاعات في شمال القطاع وفي جنوبه. أيضا قتلت شخصية كبيرة أخرى، وهي رئيس منظومة الصواريخ المضادة للدبابات في "الجهاد". القدرة على تشخيص أين يوجد كبار قادة "الجهاد" حتى في حالة هربهم، وأحدهم أصيب بعد يوم على بدء القتال، تدل على تنسيق مهني بمستوى عال بين "الشاباك" والاستخبارات العسكرية وسلاح الجو وقيادة المنطقة الجنوبية. أيضا في الجانب الدفاعي فإن بطاريات "القبة الحديدية" وفرت حتى الآن دفاعا مثيرا للانطباع ضد اكثر من ألف صاروخ أطلقت من القطاع.
كل ذلك بالطبع يعكس نجاحا تكتيكيا وليس استراتيجيا. كان تسلسل النجاح أيضا يمكن أن ينتهي مرة واحدة، سواء بسبب نجاح فلسطيني في ضرب الجبهة الداخلية أو عملية قرب الجدار في القطاع أو خلل في هجوم إسرائيلي يقود إلى المس بأبرياء ويحول موقف المجتمع الدولي ضد إسرائيل. حتى الآن، يركز الإعلام العالمي على ما يحدث في أوكرانيا وتايوان ويظهر تقريبا لامبالاة تجاه جولة القتال الدورية في القطاع.
في الخلفية، حتى الآن، من خلال هدوء نسبي، بقيت مناطق أخرى مهيأة كما يبدو للاضطرابات: القدس، الضفة الغربية والمدن المختلطة داخل الخط الأخضر. حتى الآن لم تنجح الجهود الاستفزازية لعضو الكنيست، ايتمار بن غبير، وأمثاله. في ظل حماية متشددة للشرطة تم الحفاظ على الهدوء النسبي في الحرم حتى أثناء زيارة 2000 يهودي هناك، أول من أمس.
لم تتوقع إسرائيل الرد الشديد لـ"الجهاد الإسلامي" على اعتقال زعيم "الجهاد" في جنين، الشيخ بسام السعدي، قبل أسبوع. كان التفكير كما يبدو أن شخصا سبق اعتقاله على الأقل ست مرات في السابق لن يثير عاصفة كبيرة في المرة السابعة. تشوش هذا التنبؤ كما هو معروف، وتبين أن التنسيق المسبق بين قيادة المركز التي نفذت الاعتقال وبين قيادة الجنوب التي تحملت التداعيات، كما يبدو كان يعتريه نقص. بعد الاعتقال هدد "الجهاد الإسلامي" بعملية رد من القطاع، وبذلك سرع التصعيد هناك.
لكن منذ ذلك الحين، ظهر تركيز عملياتي في الجانب الإسرائيلي، الذي أثمر عدة إنجازات. مع ذلك، من الجدير بالحكومة وقيادة أجهزة الأمن عدم الإصابة بالدوار. بالملخص، تريد إسرائيل في الأساس الضغط على "حماس" لممارسة المزيد من ضبط النفس تجاه نشاطات عسكرية لـ"الجهاد الإسلامي" ضدها في المستقبل. هذا يبدو هدفا يمكن أن يكون قابلاً للتحقق، مقارنة مع أقوال الهراءات حول هزيمة "حماس" مرة واحدة والى الأبد. عرض رئيس الحكومة، يائير لابيد، هذه الأمور بصورة صريحة على رؤساء المجالس في النقب الذين التقى معهم، أول من أمس، بعد الظهر. استنفدت العملية نفسها، ونحن نتطلع إلى إنهائها.
لعبة "حماس" المزدوجة
هناك موضوع لم يتم تناوله تقريبا في هذه المرة، وهو الطلب التقليدي الذي يسمع في أيام عمليات احتلال القطاع بوساطة قوة برية. يرتبط هذا كما يبدو بسبب موضوعي – "الجهاد" منظمة أصغر من "حماس" بكثير، والمس بدرجة كبيرة بقوتها لا يحتاج إلى عملية برية – ويرتبط أيضا بالصبر الآخذ في النفاد للجمهور الإسرائيلي على تحمل خسائر عسكرية.
مع ذلك، طرحت احتمالية القيام بضربة إسرائيلية مسبقة في القطاع، التي ستوجه ضد "حماس"، على الأقل مرتين في السنة وربع السنة الأخيرين. في السنة الماضية، بعد عملية "حارس الأسوار"، كان هناك بعض رجال الأمن (من بينهم رئيس "الشاباك" في حينه، نداف ارغمان) اعتقدوا أنه من الأفضل ضرب "حماس" من اجل وقف بناء قوتها العسكرية في القطاع. في الربيع الماضي، في أعقاب موجة "الإرهاب" في الضفة التي أدت إلى عمليات صعبة على حدود الخط الأخضر، أيضا فحص رئيس الحكومة في حينه، نفتالي بينيت، فكرة القيام بعملية في غزة، لكنه ووجه بمعارضة واضحة من جانب قيادة الجيش الإسرائيلي.
القرار المختلف، هذه المرة، نبع من تغير الظروف. فإسرائيل تم تحديها من قبل "الجهاد الإسلامي"، والذي أدت تهديداته بالانتقام إلى إعلان حظر التجول في بلدات غلاف غزة. من أجل الخروج من الشرك، فقد بادرت إلى نوع من الهرب إلى الأمام، من خلال القيام بعدة هجمات ضد كبار قادة "الجهاد" وضد خلايا تنفيذية، من خلال الافتراض بأن هذه لن تتطور لتصبح مواجهة شاملة.
ثمة مسألة أخرى يجب فحصها عند انتهاء العملية بشكل مؤكد، تتعلق بسياسة إسرائيل الشاملة تجاه القطاع. حكومة بينيت – لابيد اتخذت، منذ أشهرها الأولى مقاربة مختلفة في غزة. فقد رفعت جزئيا القيود على إدخال بضائع إلى القطاع، وبهذا خففت على تنفيذ مشاريع كبيرة تتعلق بإعادة ترميم البنى التحتية المدنية. وهي أيضا سمحت بدخول 14 ألف عامل غزي إلى إسرائيل من أجل العمل، مع الوعد بزيادة هذا العدد إلى 20 ألفا على الأقل، إذا تم الحفاظ على الهدوء. يقف خلف هذه الخطوات الافتراض بأن تحسين الوضع الاقتصادي سيقنع "حماس" باتخاذ ضبط أمني لفترة طويلة ومنع عمليات لتنظيمات أخرى.
تبدد هذا التقدير بدرجة كبيرة، الأسبوع الماضي. استعد "الجهاد" لعملية، وأبلغت "حماس"، رغم توجهات من إسرائيل عبر رجال المخابرات المصرية، بأنه لا يمكنها وقفه. يطرح تسلسل الأحداث سؤالا: إلى أي درجة كانت تنبؤات المخابرات صحيحة؟ وهل لم تلعب "حماس" هنا مرة أخرى لعبة مزدوجة عندما تغمز لـ"لجهاد" وتسمح له أحيانا بالعمل. بهذا فإن "حماس" لم تتنازل كليا عن روح المقاومة العنيفة لإسرائيل، واهتمت بألا ينظر إليها كأنها عميلة لها.
عن "هآرتس"