من وحي الوطن (7) حماس والمقاومة وحسابات السياسة: هل الهدنة خيار مطروح؟!

d5ac27ef3d43cab70774aacef4bb6ff7.jpg
حجم الخط

بقلم:د. أحمد يوسف

 


ليس هناك ما يمنع الإسرائيلي أن يفتح النار على الفلسطينيين متى شاء وكيفما شاء، وقد جرت العادة في مواسم الحملات الانتخابية أن يتمَّ التحرش أو الاستدراج للفلسطينيين لجرِّهم إلى مواجهة عسكرية تشكل استثماراً سياسياً لمن هم في دائرة التحكم واتخاذ القرار في إسرائيل، كما أنَّ سوق المزايدات السياسية والتهديدات الأمنية تأخد طريقها إلى ميدان المعركة، وتشكل مسطرة قياس لمدى قدرات هذا المرشح أو ذلك في حماية الأمن، الذي يُمثِّل عادة "بيضة القبان" بين أهم المتنافسين من اليمين واليمين المتطرف على قيادة مشهد الحكم والسياسة في إسرائيل.


إن الحرب التي تديرها إسرائيل مع الفلسطينيين هي أحد أدوات اللعبة السياسية، حيث يجري من خلالها امتحان مواقف وأفكار هؤلاء اللاعبين، وتعتبر "ورقة الأمن" هي أهم مُكوِّن على بطاقة الترشح لمن هم في سدِّة الحكم أو المعارضين لهم من أطراف اليمين واليمين المتطرف.


وإذا نظرنا للمواجهة العسكرية الأخيرة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، والتي أعدَّ مسرحها كلٌّ من يائير لبيد وبيني غانتس، يتبين لنا مع ما صاحب وضعية التوتر من حالة خداع واستفزاز لحركة الجهاد الإسلامي باعتقال الشيخ بسام السعدي وإهانته بشكل مباشر، إن هناك مكيدةً كان يُبيِّت لها من هم طامعون بالفوز بكرسي الرئاسة في انتخابات تشرين الثاني القادم؛ وهما يائير وغانتس.


ونحن هنا لا يمكننا أن نتجاهل بأن إسرائيل قد سجَّلت ضربة موجعة لحركة الجهاد الإسلامي، وذراعها العسكري سرايا القدس، باستهداف أهم شخصيتين عسكريتين لها في قطاع غزة، وهما القياديان تيسير الجعبري وخالد منصور، ومعهما بعض الكوادر الأخرى (رحمهم الله جميعاً)، إضافة لعدد كبير من الأهداف العسكرية التي طالها الدمار وتعود لمواقع وأملاك حركة الجهاد الإسلامي.


ومع بسالة مقاتلي الجهاد الإسلامي، ومستوى الأداء البطولي والنوعي لكوادر النخبة من سرايا القدس في الميدان، وتمكنها -رغم الرصد والمتابعة الأمنية الإلكترونية على مدار الساعة- من إطلاق مئات الصواريخ إلى بلدات غلاف غزة ومدن تل أبيب ونتانيا وعسقلان واسدود، إلا أن ما تحفظه ذاكرة الناخب الإسرائيلي اليوم هي أن يائير وغانتس قد نجحا في الوصول إلى قيادات الصف الأول من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة وشطبها من الوجود، وهذا ما يضيف إلى رصيد كلٍّ من يائير وغانتس؛ باعتبار أنهما "رجلا المرحلة"، وربما الخيار السياسي الأول لقيادة إسرائيل الآمنة والمستقرة بعد ثلاثة شهور من الآن.


السؤال الذي يطرح نفسه داخل الشارع الفلسطيني ويتكرر بعدَ كلِّ مواجهة واسعة مع الاحتلال: لماذا لا يتمُّ الاتفاق على هدنة لثلاث أو خمس سنوات وبرعاية أممية، بدلَ كلِّ مواجهة نخوضها دون أن يكون لنا دورٌ في توقيت المواجهة، وتُعطى فيها إسرائيل -للأسف- كلَّ عناصر المفاجأة وسرعة المباغتة، وأن تَفرض علينا المكان والزمان، وحتى قواعد الاشتباك في الميدان؟!


لا شك أن الحالة العامة التي عليها قطاع غزة هي من الضعف والحصار بمكان، برغم ما تملكه فصائل المقاومة، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي من قدراتٍ عسكرية وأمنية يمكنها أن تناجز بها قوات الاحتلال وتوقع بينها خسائر فادحة، ولكن -وهنا بيت القصيد- يتكشف لنا عقب كل مواجهة أو حرب، أن موازين القوى ما تزال تعمل لصالح كفة الاحتلال وجهة العدوان، وأن مواقف الدول الغربية بعيدة كل البعد عن المواقف الحيادية والأخلاقية، وهي منحازة بدرجة كبيرة لإسرائيل، وتحاول دائماً الادِّعاء بأن هذا الكيان الغاصب له الحق أن يدافع عن نفسه!! وهي حجة واهية يطرحها الغرب المتصهين ويدافع عنها بلا خجل أو حياء!!


ومع إقرارنا الدائم بأن من المفروض علينا نحن الضحية وأصحاب القضية أن ندافع عن حقنا بدمائنا، والذود عن حمى أوطاننا بأرواحنا، وفدائه بكلِّ ما عزَّ وغلى من ثمن، إلا أنه علينا أن نُقرَّ ونعترف بقصورنا، وأن المظلومية الفلسطينية لم تجد لسرديتها من يعمل على تسويقها بالشكل الذي يُغيِّر من معادلة "الانتصار للظالم وغياب التعاطف مع الضحية"، بحيث تتكشف عدوانية دولة الاحتلال وسياسة الفصل العنصري (الأبارتايد) والتطهير العرقي، لصالح الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، بالوقوف إنصافاً إلى جانب قضية شعبنا العادلة.


اليوم، إذا نظرنا إلى حالة الكثير من الدول العربية والإسلامية والتي كانت فلسطين قضيتها المركزية، فسوف نجدها -للأسف- تهرول مطبعة مع الإسرائيليين، حيث لا يردعها أحد، ولا تُلقي بالاً لأحد!!


وإذا أخدنا واقع الانقسام القائم بيننا بعين الاعتبار، وتفحص حالة التشرذم الحاصل بين "الكلّ الفلسطيني"، أدركنا بأن ليس هنالك من يُمكن التعويل عليه في المشهد السياسي الفلسطيني، ولا من خلال الكثير من الأنظمة العربية والغربية، وهذا يستدعي من إخواننا في فصائل المقاومة أن تراجع حساباتها، من حيث فكرة الهدنة بدل التوقيفات المؤقتة والمتكررة للنار، والتي تسمح لإسرائيل باعتماد سياسة "جزّ العشب" في التعامل معنا من حين لآخر، وفقاً لأجنداتها الأمنية والسياسية.


إنَّ "الهدنة المؤقتة" والمتفق عليها أممياً، ستمنح المقاومة الوقت لترميم قدراتها العسكرية والأمنية وعقد التحالفات وضمان مصادر الدعم، والحفاظ على حاضنتها الشعبية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وتفتح المجال أمام قياداتنا السياسية لإجراء مراجعات ووضع خطط واستراتيجيات، يمكن أن نعيد من خلالها ترسيم حدود رؤيتنا الوطنية والإقليمية والأممية، وفق شراكة سياسية وتوافق وطني يعزز من ثبات شعبنا على أرضه، وتمكينه من دراسة الخيارات السياسية والعسكرية المتاحة للنظر فيها، والخروج برؤية توافقية مع "الكلِّ الفلسطيني" تؤكد على أفضلية هذا الخيار، من حيث تجنيب المقاومة وفصائلها المقاتلة اتهامات التطرف والإرهاب.


قد تكون "الهدنة المؤقتة" هي الخيار الأول، ثم المضي قُدماً في دراسة خيار الدولة الواحدة (ثنائية القومية)، كخيار ثانٍ، يمنحنا أفضلية أخلاقية وإنسانية في حركيتنا النضالية، فيما شعبنا يلتقط ما يمكنه من الأنفاس، التي تعينه على اتخاد القرار الصائب والحكيم في معادلة المناجزة وصراع البقاء مع هذا العدو الغاصب والدولة الغاشمة، والتي نجحت -للأسف- من خلال سرديتها التاريخية في حشد الغرب وكسب تأييده لها، إضافة لاعتبارات أخرى دينية وسياسية وأمنية.


وعليه؛ فبعد أكثر من 5 حروب ومواجهات طاحنة وعشرات من المعارك المسلحة في أقل من عقد ونصف العقد، فإن من حقنا وحق شعبنا أن يسأل: ماذا بعد؟ وهل الطريق للكرامة الإنسانية والتحرير والاستقلال له مسارات أخرى يتوجب البحث أو التنقيب عنها؟ أم أنَّ النهج هو النهج حتى وإن تأخرت طلائع الفتح وطال انتظارها؟! سؤال قد يكون من الصعب الإجابة عليه اليوم، لكنَّ الغدَّ لناظره قريب.