بقلم الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
في ضوء التحديات الراهنة التي تواجه شعبنا وقضيتنا، وفي ظل انتفاضة القدس، التي فجرها أبناء الجيل الجديد الثائر في القدس أولاً، وفي فلسطين عموماً، وفي ظل تردد البعض وحسمه قراره بالانحياز للانتفاضة طريق الحرية الوحيد، وفي ظل ما بات واضحاً من فشل التسوية السياسية، وعلى لسان الرئيس أبو مازن في خطابه في الأمم المتحدة، وفي ظل حالة العجز في مواجهة التحديات الكبرى، فلا يمكن ان نواجه الخطر الذي يتهدد قضيتنا والقدس في مقدمتها، الا اذا اعدنا الاعتبار لطبيعة الصراع وجوهره، واعدنا تذكير العالم بذلك، فاتساع الفجوة، واهتزاز أسس العلاقة بين القيادة والمواطن يوماً بعد آخر، وازدياد حالة الاغتراب بين الشعب والقيادة، وهي حالة لا تبشر بخير بل تنذر بمخاطر شديدة، فمسيرة التحرر الوطني والمقاومة والهبة الأخيرة، التي يتوجب تطويرها نحو انتفاضة شعبية شاملة، باحتضانها ودعمها وتوفير سبل استمرارها، فكل شعب يرزح تحت الاحتلال من حقه المطلق مقاومة المحتل بالاسلوب والوسائل التي كفلتها المواثيق الدولية والقانون الدولي والاديان السماوية والقيم الانسانية، ومن المشروع ان تختلف القوى السياسية على هذه الوسيلة او تلك، ولكن الشعب لا يحتاج الى تصريح او اذن من احد لتفجير طاقاته في وجه الاحتلال، وفي خضم المعركة التاريخية التي يخوضها ابناء القدس ببطولة وشرف دفاعاً عن عروبتها وعن شعبنا بأسره وبخاصة داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وقد آن الآوان للانعتاق من سياسة ردات الفعل والبدء باستخدام ما لدينا من عناصر قوة في خطاب هجومي مضاد مستثمرين طاقات شعبنا الهائلة والرصيد السياسي الذي منحنا اياه شعبنا باحساس ثوري عميق، وفي هذا الاطار فقد حان الوقت لاتخاذ قرارات تاريخية شجاعة على طريق احداث تغيير جذري في الوضع القائم، فكل هذه المؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وطوال السنوات العشر الماضية ان شعبنا يمنح ثقته الكبيرة للأخ المناضل والقائد الوطني مروان البرغوثي، والذي يتقدم المشهد القيادي والرئاسي في حال جرت انتخابات، بالمقارنة مع كافة القيادات، وهذا مؤشر واضح واستفتاء حقيقي على انحياز الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة وابرز رموزها الذين تقدموا الصفوف دوماً وحافظوا على نقائهم ونظافة يدهم، والشعوب المقهورة والمظلومة والمناضلة كما حركات التحرر الوطني بقدر ما تحتاج الى الوحدة الوطنية والوسائل والاساليب النضالية المتنوعة فانها تحتاج الى القيادة الرمزية التي تعبر عن ضميرها الجمعي وعن ما في قلوب الناس، وتحظى على شبه اجماع ،وعلينا ان نقول وبصوت عال وشجاع وبعيداً عن اية حساسيات او حسابات فئوية او شخصية او طموحات مشروعة فانه وبعد استشهاد القائد الرمز ياسر عرفات فان الأخ المناضل والقائد مروان البرغوثي بات متربعاً على عرش قلوب الفلسطينيين في كل مكان، كرمز نضالي وكرمز للحرية والعودة والاستقلال، ويتوجب العمل على استثمار هذا الرصيد الوطني الكبير، وان من مصلحة شعبنا وقضيتنا وثوابتنا ومستقبلنا ان نتكاتف ونلتف حول هذه الحالة الرمزية، وكذلك تصويباً للمسار وانقاذاً للوضع وفي سبيل صياغة جديدة للحركة الوطنية الفلسطينية برمتها، وحتى يرى العالم بأسره الوضع على حقيقته وذلك للأسباب التالية:-
1- في ظل انهيار أوهام الحل السياسي والتفاوضي وبعد عشر سنوات عجاف وفي ظل الاجماع الوطني على خوض غمار الانتفاضة والمقاومة الشعبية فان دعم ومساندة وتبني خيار القائد الوطني مروان البرغوثي ليكون على رأس الهرم السياسي الفلسطيني من داخل زنزانته سيمثل ذروة هذه المقاومة والتي ستقشع الضباب عن عيون العالم وتجعله يرى ان الاحتلال حول أوسلو الى زنزانة جماعية يحتجز داخلها الشعب الفلسطيني برمته.
2- لا أبالغ اذا قلت ان وضع القرار بيد من هو أسير في زنزانته بين أربعة جدران هو تحرير من كل ادوات الضغط والقيود الدولية والاقليمية والاسرائيلية وقيود المصالح والامتيازات التي تكبله، وعلى الصعيد الدولي فان تجربة نيلسون مانديلا وغاندي واحمد بن بيلا وغيرهم أكبر برهان على ما نقوله، في حين فشل الزعماء الطلقاء نجح زعماء في زنازينهم بتحقيق الحرية لشعوبهم وان حصيلة السنوات الماضية تؤكد صحة الرؤية الثابتة والحكمة والشجاعة للقائد المناضل مروان البرغوثي وتأكيده دوماً وانحيازه لخيار الشعب وخيار المقاومة وليس الرهان على سراب التسوية، وما يقع الآن يؤكد هذه الحقيقة، كما ان فشل المفاوضات يجدد هذا التأكيد.
3- ان معرفتنا ومعرفة شعبنا وعشرات آلاف المناضلين من كل الأطياف الذين شاركوا القائد المناضل مروان البرغوثي في احدى المراحل تؤكد انه نموذج قيادي نادر يستحق الثقة، ومسيرة النضال خلال العقود الماضية تؤكد قدرته على الجمع المبدع بين الكاريزما والبرغماتية والاستعداد العالي للتضحية، متمسكاً بلا هوادة بالثوابت الوطنية، وهو ممن لا يقبلون المساومة أو الحلول الوسطى فيما يتعلق بهذه الثوابت، وقد أختبر شعبنا والأحرار في العالم صلابة وإرادة وحكمة وشجاعة مروان البرغوثي طوال العقود الماضية، وهو مؤتمن على شعبنا وقضيته وقضى عمره مناضلاً وثائراً، ومصدر قوته هو شعبه الذي يبادله الوفاء بالوفاء، وهذا المناضل الذي لا يعتمد ولم يعتمد يوماً على هذه الجولة أو تلك أو هذا الطرف أو ذاك، بل على شعبه وشعبه فقط.
4- اذا ما فرضنا على العالم التعاون مع رئيس في زنزانته نكون قد وضعنا صناع القرار السياسي في العالم أمام مسؤولياتهم وأجبرناهم على التعاطي مع جوهر القضية الفلسطينية لا مع القشور، ولعل هذه الصدمة تخلق دينامكيات جديدة وصحوة حيث تلكؤوا كثيراً في التعاطي مع القضية الفلسطينية.
إنني وانطلاقاً من هذه المفاهيم البسيطة أدعو القيادة الفلسطينية بكافة مستوياتها وفصائل العمل الوطني الى دعم وتبني هذا الخيار على المستوى الرسمي بعد ان أقره الشعب بأغلبيته الساحقة، كما أدعوها للاستثمار في هذا الرصيد الوطني والاتكاء عليه كخيار استراتيجي لمسيرة الكفاح الوطني وهذا سيفتح الباب واسعاً لتحقيق المصالحة والوحدة وانهاء الانقسام ولن يكون هناك قائد فلسطيني أقدر منه ولا أفضل لانجاز الوحدة الوطنية فهو الذي صاغ شعار شركاء في الدم شركاء في القرار، وهو الذي يقول دوماً: الوحدة الوطنية قانون الانتصار لحركات التحرر الوطني وللشعوب المقهورة، كما أنه مهندس وثيقة الأسرى للوفاق الوطني.
في النهاية اذا ما قدر لهذا الخيار الوطني والشعبي ان ينتصر وأنا واثق أنه سينتصر فعلى العالم ان ينتظر نهجاً ورؤية جديدة تعيد صياغة قواعد الصراع على أسس جديدة وتقود بثورية النفس الطويل الى هزيمة المشروع الصهيوني الاستيطاني الكولونيالي في فلسطين.