قضية "مطار رامون"... تجسيد إسرائيلي للحل الأمني والاقتصادي للصراع

P5VlX.jpg
حجم الخط

بقلم:د. هاني العقاد


توارت قضية استخدام الفلسطينيين "مطار رامون" الإسرائيلي للسفر للخارج عن عيون الاعلام قليلا بعدما احتلت عناوين الصحف والمواقع الإخبارية الهجوم الإسرائيلي على غزة وفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية التي لها علاقة بتجسيد كيان سياسي منفصل في غزة وتذويب التواصل الجغرافي بين مدن الضفة لصالح تصفية الاحتلال للقضية الفلسطينية عبر الحل الأمني والاقتصادي المقترح حاليا. بعد ان هدأت المدافع وتوقفت المذابح الصهيونية في غزة قليلا نعود من جديد لمخطط استخدام الفلسطينيين "لمطار رامون " للتنقل والسفر الهادف لتقويض حل الدولتين وفي ذات الوقت فرض وقائع جديدة على الأرض بالاستيطان والتهويد والطرق الالتفافية وربط القدس بالمستوطنات من خلال طرق سريعة تشق ارض الضفة وتفصل مدنها ومحافظاتها لتجعل الاتصال الجغرافي الفلسطيني امر شبه مستحيل. نحن اليوم امام حرب إسرائيلية غاشمة تستهدف كل رموز السيادة الفلسطينية في كل مكان على الأرض او امام المنصات والهيئات الأممية لمنع أي اعترافات دولية بالدولة الفلسطينية وخاصة حصول الفلسطينيين على دولة عضو كاملة السيادة في الأمم المتحدة.

تسابق القيادة الفلسطينية الزمن على كافة الأصعدة والمنصات والهيئات الدولية لتحقيق شرعية دولية للدولة الفلسطينية وحل الدولتين وذلك من خلال الانضمام الى باقي المنظمات والمعاهدات الدولية المستقلة والتابعة للأمم المتحدة , الا ان القيادة الفلسطينية مازالت غير قادرة على تحقيق سيادة فلسطينية على الأرض بالرغم من وجود مؤسسات وطنية على مستوى الدولة لكن على الأرض ولا يملك الفلسطينيون مطارات ولا موانئ ولا حدود ولا معابر مستقلة , وتطارد دولة الاحتلال الدبلوماسية الفلسطينية من عاصمة الى اخرى لكونها تسعى لدى العديد من الدول للاعتراف بفلسطين دولة على حدود الرابع من حزيران 1967, وتستخدم دولة الاحتلال ما لديها من علاقات دولية لإفشال مساعي القيادة الفلسطينية بالحصول على عضوية كاملة لفلسطين بالأمم المتحدة خلال الدورة السنوية القادمة ايلول القادم , في زات الوقت لا تتوقف عن ملاحقة وتدمير اي سيادة للفلسطينيين على الأرض وخاصة في القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية ,فلا تسمح للفلسطينيين بإدارة مؤسساتهم في القدس كالمدارس والمستشفيات ولا تسمح للأوقاف الإسلامية بتولي إدارة شؤون المسجد الأقصى بل وتلاحق سلطات الاحتلال محافظ القدس يوميا بتقييد حركته واعتقاله ومنعه تنفيذ أي نشاط فلسطيني رسمي.

لعل اعلان دولة الاحتلال تسيير اول رحلة طيران باسم الفلسطينيين لمدينة "انطاليا التركية" بطائرات مستأجرة في 21 من شهر آب الحالي يهدف بشكل خطير للقضاء على أي امل للفلسطينيين لتطبيق حل الدولتين وبالتالي الحصول على منفذ جوي سيادي كباقي شعوب الأرض بتشغيل "مطار قلنديا " الدولي الذي تأسس في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين عام1920 الذي تبلغ مساحته 1200 دنم وكانت قد انطلقت منه مئات الرحلات الجوية من خلال الخطوط الجوية الفلسطينية لاماكن متعددة من العالم حتى تم الاستيلاء عليه في العام 1967 واستمر العمل فيه كمطار عسكري حتى تم إغلاقه عام 2000. اليوم تخطط دولة الاحتلال للاستيلاء على 900 دنم لإقامة مستوطنة جديدة تقضي بشكل نهائي على امل الفلسطينيين في استعادة المطار وتشغيله ضمن أي مفاوضات لتطبيق حل الدولتين. اعتقد ان دولة الاحتلال توجه اليوم ضربة استباقية من خلال خطة اسرائيلية ماكرة تهدف لضرب أي سيادة فلسطينية محتملة بان يكون لهم مطار دولي ويكون لهم خطوط جوية فلسطينية والتي للأسف تمت تصفيتها مؤخرا من خلال مخططات وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية التي عن علم او جهل جمدت عمل الخطوط الجوية الفلسطينية وكهنت الطائرات وسرحت الطيارين والمهندسين الفلسطينيين وجمدت برتوكولات معاهدات الطيران والتراخيص الخاصة بالرحلات والطائرات بطلب رسمي من وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية بدلا من تعزيز هذه الخطوط وشراء مزيد من الطائرات التي ترفع العلم الفلسطيني لتجسيد السيادة الفلسطينية بالهبوط والاقلاع من مطارات عواصم العالم تنقل المسافرين بين العواصم حتى يتاح لها يوما من الأيام الهبوط والاقلاع من مطار فلسطيني دولي على الأرض الفلسطينية.

للفلسطينيين الحق في السيادة علي ارضهم حسب قرارات الأمم المتحدة 25\207 كانون الاول 1997 وقرار مجلس الامن 32\1998 تموز 1998 وبالتالي تجيز هذه القرارات للفلسطينيين استخدام كل ما لهم على الأرض الفلسطينية لصالح وحدة أراضيهم الجغرافية والتنقل بن أطرافها ومدنها بالإضافة للحق في التواصل والاتصال مع العالم الخارجي , ولان دولة الاحتلال تعرف وتدرك مسبقا ان وجود مطار دولي للفلسطينيين يجسد السيادة على ارضهم فعلت كل ما كانت فعلته لتدمير مطار غزة الدولي ليصبح اثرا بعد عين ورفضت كل محاولات السلطة الفلسطينية إعادة ترميم وتشغل المطار حتى اللحظة كما ومازالت ترفض ان يتولى الفلسطينيون إدارة وتشغيل العابر الحدودية مع الأردن ومصر دون مراقبة او وجود امني احتلالي ينغص على الفلسطينيين سفرهم ويذكرهم انهم ليسوا أحرارا بالتنقل والسفر كما يريدون .

ان استخدام الفلسطينيين "مطار رامون" للسفر والتنقل بين العواصم هو مقدمة لتطبيق الحل الاقتصادي والأمني من طرف واحد على الفلسطينيين في مرحلة أولية، والنجاح في استخدام الفلسطينيين لهذا المطار يعني ان الموانئ الإسرائيلية سوف تفتح بواباتها أيضا امام الفلسطينيين للاتجار والاستيراد والتصدير عبر دولة الاحتلال التي ستكون مسيطرة على خطوط الحركة التجارية الفلسطينية لتبقى تحت اعين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. الأخطر ان استخدام الفلسطينيين "مطار رامون" سيجعل العالم يبني على ذلك ويخفف الضغط على إسرائيل للجلوس على الطاولة وبحث مسار تطبيق حل الدولتين الذي يتيح للفلسطينيين إقامة دولة مستقلة والانفصال تماما عن دولة الاحتلال وسيمضي زمن وعقود حتى يصبح حل الدولتين شيئا من الماضي وبالتالي لا تستطيع أي قوة على الأرض تغيير الوقائع التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين تحت مسمي بوادر حسن النية او الدواعي الإنسانية والتي في عمقها ليست أكثر من إجراءات للحل الاقتصادي الأمني الإسرائيلي.