إسرائيل ... وتفكيك مثلث ‏الرعب

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم:نبيل عمرو 

 

 

سئمنا من سوق الأدلة ‏البديهية على ان الحروب ‏الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ‏هي حروب انتخابية، فهي ‏وان كانت هكذا في بعض ‏جوانبها وتوقيتها الا ان ذلك ‏ليس كل شيء ولا هو بالبعد ‏الأساسي في حروب إسرائيل ‏على الفلسطينيين في الضفة ‏وغزة.‏


في رمضان أيار الماضي ‏تبلور مثلث محارب رأسه ‏في القدس وقاعدته تمتد من ‏جنين شمالا الى رفح جنوبا، ‏وداخل هذا المثلث وقعت ‏عمليات نوعية وراء الخط ‏الأخضر في النقب والقلب، ‏أي في الأماكن التي تعتبر ‏الأكثر بعداً عن عمليات ‏قتالية كالتي حدثت.‏


حرب الأيام الثلاثة التي ‏بادرت بها إسرائيل باطلاق ‏شرارتها الأولى من جنين، ‏وبعدها بفترة وجيزة اشعلت ‏نارها الاوسع والاشرس في ‏غزة، جاءت امتدادا متصلا ‏لحرب أيار رمضان من ‏العام الفائت، فمنذ وضعت ‏تلك الحرب الواسعة اوزارها ‏وحكومة إسرائيل تسابق ‏الزمن في معالجة موجة ‏التعاطف الشعبي الذي اظهره ‏الفلسطينيون الذين يحملون ‏جنسيتها، والذي بلغ حد ‏الجنوح الى العنف بحيث ‏فتحت الأبواب واسعة امام ‏التسلح الشعبي اليهودي، ‏حيث بلغ الاقبال على شراء ‏السلاح الفردي اضعافا ‏مضاعفة لما كان عليه في ‏الظروف العادية. ‏


ومنذ تلك الحرب والى يومنا ‏هذا لم تتوقف إسرائيل عن ‏اجتياحاتها للمناطق ‏الفلسطينية التي سجلت اعلى ‏نسبة في الاعتقال والقتل.‏


اهداف إسرائيل من هذه ‏الحرب المتصلة معلنة ودون ‏أي قدر من التحفظ، أولها ‏تحصين جبهتها الداخلية ‏بوضع الإسرائيليين جميعا ‏تحت السلاح والخوف من ‏الاخر، واشهار معادلة ‏العصا والجزرة وتنفيذها ‏على الطريقة الإسرائيلية ‏لتهدئة غزة، وفك ارتباطها ‏القتالي مع الضفة والقدس، ‏واعتقال وقتل اكبر عدد ‏ممكن من حملة السلاح ‏وغيرهم في مناطق السيطرة ‏الافتراضية للسلطة.‏


وفي سياق هذا الجهد ‏المحموم الذي لم يهدأ ولم ‏يتوقف يوما واحدا جرت ‏وللمرة الثانية عملية عزل ‏للساحات عن بعضها ‏البعض، فلم تعد حماس ‏بقادرة على تنفيذ وعدها ‏بمقاتلة إسرائيل اذا ما ‏واصلت سياستها الاحتلالية ‏العدوانية ضد القدس ‏والضفة، كما لم تعد شريكا ‏قتاليا للجهاد التي خسرت ‏عددا مهما من قادتها ‏الميدانيين في ثاني استفراد ‏إسرائيلي بها ، اما تعاطف ‏الثماني وأربعين، فظل يعتمل ‏داخل النفوس دون جهد يذكر ‏بالقياس لجهد رمضان أيار ‏الماضي، فالقوم منشغلون ‏بالانتخابات الوشيكة ذات ‏الأهمية القصوى لمعظمهم ‏ان لم نقل جميعهم ممن ‏سيصوتون او سيقاطعون.‏

في الموسم الانتخابي الذي ‏ارتفعت حرارته هذه الأيام ‏مع ان كل سنوات إسرائيل ‏مواسم انتخابية يظل العنصر ‏الفلسطيني هو الناخب الحاسم ‏في اللعبة، لبيد الذي تطارده ‏تهمة قلة الخبرة في الشؤون ‏القتالية والأمنية، لا يجد ما ‏ينفي هذه التهمة عنه غير ‏افتعال حرب مع الفلسطينيين ‏بكل الأسلحة على غزة، ‏ومواصلة حرب الاجتياحات ‏والإعدامات في الضفة، ‏متحالفا في الميدان مع ‏جانتس ومتنافسا معه في ‏السباق نحو الموقع السحري ‏وهو رئاسة الحكومة القادمة، ‏وهذا النهج ليس حكرا على ‏لبيد الذي يعتبره منافسوه ‏متدربا ولا على جانتس الذي ‏يطارده اكثر من فشل أهمه ‏حين ضحك عليه نتنياهو، بل ‏هو حاجة لكل طامح ولو ‏بصوت واحد يكسر التعادل ‏الذي حكم الدولة العبرية ‏ثلاث سنوات وستجري فيها ‏انتخابات للمرة الخامسة.‏


الملفت للنظر هو هذا الجمود ‏الذي يلف الساحة الفلسطينية ‏اذ لا حركة بأي اتجاه سوى ‏مواصلة السجالات ‏والاتهامات والادانات مع ‏تفرغ الطبقة السياسية لمهمة ‏عد العصي الهابطة على ‏رؤوس الفلسطينيين ‏والشكوى الى المجتمع ‏الدولي، وبقدر ما تبدو ‏التحديات اليومية وكلها قاسية ‏ودموية كحافز قوي لكسر ‏الجمود الفلسطيني، نراه ‏يزداد ويتضاعف، تغطيه ‏ادبيات بائسة عنوانها ... ‏‏"من هو الذي على حق" فتح ‏ام حماس.. حماس ام ‏الجهاد.. الشعبية ام ‏المنظمة... ‏


انها دوامة يوجد من داخلنا ‏ومن حولنا من لا يرغب ‏بخروجنا منها، اما العالم ‏الذي انشغل عنا بالقضايا ‏الأكثر الحاحا التي انتجتها ‏الحرب الأوكرانية الروسية ‏بحيث تخشى الشعوب ‏المنعمة الثرية والقادرة من ‏برد الشتاء، فليس لديه ما ‏يقدم لنا سوى تعاطف بارد ‏محايد مع حق انساني ‏مصادر، فهذا العالم ان لم ‏يكن قادرا او راغبا في ‏دعمنا فقد منحناه العذر ‏لتجاهلنا، اما إسرائيل ‏المعتدية دائما علينا فسكينها ‏الحاد ما يزال يواصل العمل ‏في جسدنا دون ان تخشى في ‏ذلك لومة لائم.‏


نكرر السؤال الذي نختتم به ‏كل اقوالنا، هل سيلتفت ‏الفلسطينيون الى حالهم والى ‏واقع قضيتهم فيتدبرون على ‏الأقل شؤون صمودهم ... ‏الله اعلم.‏