تحدي غزة: تحقيق الهدوء ومنع تعاظُم قوة "حماس"

-بن-شبات-e1639666960296.jpg
حجم الخط

بقلم: مئير بن شبات*

 




يتعيّن على إسرائيل السعي لجعل قطاع غزة، في المدى البعيد، منطقة منزوعة السلاح أمنياً، يسيطر عليها طرف شرعي يعترف بإسرائيل، ولا يستخدم العنف ضدها. ومن الواضح أن "حماس"، في ضوء عقيدتها الأساسية وموقفها من إسرائيل، لا تستطيع أن تكون شريكاً في حلّ سياسي، بل هي عدو لإسرائيل بكل معنى الكلمة.
في مواجهة التحديات التي يطرحها قطاع غزة، تقف إسرائيل أمام إمكانيتين غير جذابتين: الأولى هي احتلال غزة وتغيير الحكم بوساطة عملية عسكرية عميقة وواسعة النطاق، ستكون أثمانها المباشرة وغير المباشرة مرتفعة ونتائجها غير واضحة، لا سيما في ظل غياب طرف يرغب في تولّي زمام السلطة، أو يقدر عليها. والإمكانية الثانية هي تثبيت و"ترسيخ" الهدوء ضمن إطار وقف إطلاق النار في مقابل بذل جهود سياسية وأمنية للمحافظة على الردع، والاستمرار في العزل السياسي لـ"حماس"، ومنع مساعيها لتصدير "الإرهاب" من القطاع، والتمركز في الضفة الغربية، وعرقلة تعاظُم قوتها. هذا هو التوجه الذي يميز السياسة الإسرائيلية.
ضعف هذه المقاربة ناجم عن أن الهدوء الذي ينتج منها هو دائماً مؤقت وهش، ويسود بين جولة وأُخرى. ويكمن التحدي بتمديده إلى أطول وقت ممكن واستغلاله حتى النهاية، من أجل تعزيز الردع وإضعاف "حماس"، وفحص نشوء الظروف للقيام بعملية تقرّبنا من الهدف الإستراتيجي الذي نتطلع إليه. في الواقع الراهن، التوتر الأساسي الذي يتعين على إسرائيل حسمه يكمن في سؤال: كيف يمكن ضمان الهدوء، وفي الوقت عينه منع تعاظُم قوة "حماس"؟
التسهيلات الجديدة، التي تنطوي عليها سياسة إسرائيل حيال قطاع غزة، ستُثقل كاهل قادة "حماس" عندما يواجهون إغراء الدخول في مواجهة مع إسرائيل. وهي أيضاً ستعزز في داخل قيادة الحركة موقف الأطراف التي تؤيد الكبح المؤقت للعمليات ضدنا. ومع ذلك، فإنها يمكن أن تقدم للحركة فرصاً وموارد أُخرى لتسريع بناء قوتها العسكرية التي ستؤثر، إلى حد بعيد، في قوة المواجهة المقبلة وتوقيتها.
في ضوء ذلك، وكدرس من حوادث القتال حتى الآن، يتوجب في إدارة المخاطر إزاء غزة إعطاء مسألة تعاظُم القوة أهمية أكبر. يجب على المؤسسة الأمنية أن تجعل كبح وضرب المكونات النوعية للحركة هدفاً مركزياً في "المعركة بين الحروب"، وإنشاء آليات رقابة للتعامل مع التوجه لكبح خطوات، مثل "تعاظُم القوة" التي تجري تحت الأرض ولا نشعر بها في الأيام العادية.
ضمن هذا الإطار، من الضروري الاستمرار في السياسة الانتقائية في إعطاء تصاريح إدخال المواد إلى غزة، والسلع المزدوجة الاستخدام التي تستعملها "حماس" في جهودها للتسلح والتطوير. يجب انتهاج هذه المقاربة كمكوّن أساسي في إستراتيجية لجم "تعاظُم القوة".
بعد مرور أسبوع على انتهاء عملية "بزوغ الفجر"، جرى الحديث، الأحد الماضي، عن نية إسرائيل القيام بمجموعة من التسهيلات الجديدة في سياستها إزاء قطاع غزة، بينها زيادة التصدير من غزة والاستيراد إليها، وزيادة كميات المياه والأسمدة الزراعية التي تدخل إلى القطاع، والسماح بإدخال المخارط إلى الورش، وزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل، وتسهيلات في مجالات أُخرى.
على ما يبدو، نشوء طبقة جديدة في غزة يجب ألا يثير القلق في المؤسسة الأمنية، وأيضاً وضع الحلول لمشكلات الكهرباء والمياه، أو خطوات لتحسين الزراعة المحلية، هذا في الظاهر فقط. لكن الأعوام الطويلة التي مرّت منذ سيطرة "حماس" على السلطة في القطاع، علمتنا أن لها اليد الطولى في كل مكان. لا شيء يدخل أو يخرج من القطاع إلا بإرادتها، وهي ماهرة في قدرتها على الحصول على أرباح من ذلك، مالية أو غير مالية.
على مدى الأعوام، تحملت إسرائيل المخاطر وجعلت نصب عينيها منع تطوُّر أزمة إنسانية في القطاع، والسماح بتزويد السكان بالحاجات الأساسية. وهذا الأمر يشبه رهائن يحتجزهم خاطفون ويقومون بتجويعهم. من الواضح أنه يجب تزويدهم بالطعام، حتى لو أن الخاطفين هم أول مَن يستفيد من ذلك. لكن لا يوجد أي شبه بين زيادة كميات المياه وبين إدخال الأسمدة والمخارط، ليس فقط من حيث أهميتها للسكان، بل من ناحية الضرر الأمني الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل.
لا حاجة إلى تفسير الاستخدام الذي يمكن أن تقوم به "حماس" للمخارط الجديدة، وما الذي يمكن أن تستخرجه من الأسمدة النوعية، حتى ولو كان مكتوباً عليها "من أجل الاستخدام الزراعي فقط". إن تشييد أحياء جديدة في غزة يمكن أن يُعتبر مسألة إنسانية، ولا يحمل تداعيات أمنية، فقط عندما يجري التأكد من أنها لن تُستخدم كغطاء لإدخال عتاد ميكانيكي ثقيل ووسائل بناء ومواد خام نوعية تُستخدم في الأنفاق. ومن المشكوك فيه أنه يمكن ضمان ذلك في الواقع السائد في غزة.
مَن يعتقد أن المقصود هو شكوك لا طائل منها، أو سيناريوهات خيالية، أدعوه إلى مراجعة الملخصات السنوية التي ينشرها موقع "الشاباك". هناك سيقرأ في تقرير 2015، بعد عام على عملية "الجرف الصامد": "برز هذه السنة إحباط عمليات تهريب على معبر كرم أبو سالم، هدفها تعزيز القوة العسكرية للأطراف 'الإرهابية' في القطاع، وعلى رأسها "حماس". المقصود مواد ووسائل يتطلب إدخالها إلى غزة موافقة خاصة، لأنها تُستخدم أيضاً في إنتاج السلاح، مثل الغرافيت [كربون ناعم] ونيترات الفضة، أو وسائل تحتاج إليها "حماس" لبناء قوتها، مثل الرافعات والمحركات وآلات الضغط [الكومبريسورات] التي تُستخدم في حفر الأنفاق، والبطاريات على أنواعها (مصدر للطاقة البديلة)، وكوابل للاتصالات، ولوازم فولاذية. في إطار عمليات الإحباط، جرى اعتقال قرابة 70 شخصاً، بينهم تجار وأصحاب مخازن وسائقون ومورِّدون، وجرى تنفيذ أكثر من 100 عملية ضبط لسلع محظورة".
منذ ذلك الحين، لم تغيّر "حماس" طريقتها، بل حسّنت أساليبها فقط. في الواقع الذي تحتاج فيه "حماس" إلى الهدوء من أجل تعزيز قوتها، وتحتاج إلى هذه القوة لتهديد إسرائيل والمسّ بها، يجب انتهاج مقاربة حذرة إزاء كل ما يمكن أن يدفع قدماً بتعزيز قوتها.

عن "معاريف"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* زميل باحث بمعهد دراسات الأمن القومي، كان مستشاراً ثم رئيساً لمجلس الأمن القومي في الفترة 2017-2021.