"تمرد عمالي" يفتح ملف "الثقة المالية" بالسلطة الفلسطينية!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 قبل أيام، قررت دولة الفصل العنصري، بعد "تفاهمات" مع حكومة السلطة الفلسطينية، فتح حسابات بنكية لكل العاملين من أهل الضفة في الكيان وعددهم ما يقارب الـ 200 ألف، بينهم حولي 20 ألف يعملون داخل المستوطنات في الضفة الغربية.

القرار المفاجئ، وبعد سنوات طويلة من العمل ضمن ترتيبات مختلفة، حيث يتم تسليم الرواتب بشكل مباشر من رب العمل الى العامل، جاء بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الى أرض فلسطين التاريخية، التي أكد خلالها عدم وجود أفق حل سياسي في المدى المنظور، لكنه طالب بالعمل على مسار التطور الاقتصادي، ضمن مبدأ "تحسين مستوى المعيشة ودعم السلطة عبر إجراءات مختلفة".

ويبدو أن مسألة تحويل رواتب العمال الفلسطينيين عبر بنوك فلسطينية، سيمثل دعما وتعزيزا لوضع السلطة المالي المرتبك، وفقا لما أعلنه أحد مسؤولي الأمن الإسرائيلي، ""هذا سيقوي الاقتصاد الفلسطيني. ستكون له آثار إيجابية كثيرة مثل ضمان أن يدفع أرباب العمل الإسرائيليون مدفوعات تقاعد العمال والحد من الأموال السوداء".

ولخص أحد العمال المتمردين على تطبيق "القرار" موقفه بالتالي: "احنا بنرفض إنه يتم تحويل رواتبنا على بنوك السلطة لأنه خايفين من المستقبل ولأنه عنا (عندنا) أزمة ثقة"، فيما ممثلو عمال أشاروا الى إنه إذا لم يُلغ القرار فسوف يصَعدون احتجاجهم وقد يعلنون إضرابا مفتوحا.

 ما سبق قوله عبارات تستحق الانتباه والتفكير جيدا، بعيدا عن الرفض والقبول، ولكن بالعمق الذي أوصلهم الى رفض خطوة من حيث المبدأ صحيحة وسليمة، وأكثر آمانا للعمال، وقطع الطريق على "ابتزاز" و"سوق سوداء" واستغلال بشكل أو بآخر، والأهم أنها خطوة لضمان بعض مستقبل لضمان اجتماعي، لكنهم يرفضون تلك الميزات.

ورغم محاولة السلطة الفلسطينية إزالة مخاوف العمال، بإن الترتيب الجديد يهدف إلى حماية حقوق العمال، وإنه لا توجد خطة لفرض ضرائب جديدة، لكنها لم تزل "مخاوفهم" والهواجس من فرض أشكال جديدة لتقليل الراتب.

الرفض العمالي، او ما يمكن اعتباره "التمرد"، يجب دراسته بأعمق من تصريح متسرع، أو اتهامات "ساذجة" بوجود قوى لها "مصلحة" في عدم تنفيذ الترتيب البنكي الجديد، عبر سماسرة وأنشطة أخرى، فالواقع يشير الى فقدان الثقة الكاملة بالسلطة ومؤسساتها المالية، ما يتطلب من الحكومة مراجعة مسببات ذلك، وما هي العوامل التي تجبر عاملا رفض قبول طريق الحصول على راتبه بطريق بنكية بكل ما لها من "امتيازات" و "افضليات" عن سلوك الراتب عبر "سوق عمل أسود".

ربما الخطيئة الأولى هي أن مؤسسة السلطة الفلسطينية ذات العلاقة، لم تقدم الإجراء بطريقة سليمة، من خلال فتح نقاش مفتوح مع الجهات ذات الصلة، نقابات وممثلي عن العاملين، والجهات الرسمية ذات الصلة، بمشاركة عن البنوك القائمة في فلسطين.

الاتكال على خطوة تنفيذ بالإكراه، وبيد الإسرائيلي، بعيدا عن أصحاب الحق المباشرين أثار كل الشكوك، في أن هناك ترتيبات دعم السلطة من حصيلة رواتب العمال، وتلك مسألة كان يجب أن تدركها الحكومة الفلسطينية ومؤسساتها ذات الصلة.

الوقت لم يذهب بعد، ولذا من الممكن عقد لقاءات متعددة، تبدأ مع رئيس الحكومة د.اشتية ونقابات العمال، مع ممثلين عن الفئة المستهدفة، لشرح الإجراء والترتيب الجديد، وتوضيح الضمانات كافة، فيما تتم لقاءات مع ممثلي البنوك لتقديم صورة حقيقة عن الترتيبات وما يترتب عليه، من إجراءات خاصة.

"التمرد العمالي" جرس إنذار مبكر لغياب الثقة المتبادلة بين سلطة وعمال، وأيضا جرس إنذار مبكر لما يمكن أن يكون في حال حدوث أي "انفجار اجتماعي"، وما سينعكس شموليا، ولا يجب أبدا الاتكال لحل ذلك على "البعد الأمني" الداخلي بقوات السلطة، أو "الاستعانة بآخر" أمن سلطات العدو الاحتلالي.

لعل "التمرد العمالي"، فرصة لتصويب ما غاب منذ زمن..وضوح..شفافية..محاسبة..ومراجعة حقيقية لكل مصادر الفساد التي تنهك الاقتصاد الوطني، بعيدا عن الشعاراتية الكاذبة.

"التمرد العمالي"، أي كانت الملاحظات منه وعليه، لكنه يفتح باب الضرورة للتفكير الأعمق من البحث عن مبررات اتهامية ساذجة.

ملاحظة: ليلة 21 أغسطس 1993، تم توقيع مبدئي لأول اتفاق "تاريخي" بين منظمة التحرير وإسرائيل، "اتفاق أوسلو"..كان له أن يكون بوابة سلام وحل صراع وفق الممكن القائم وليس وفق الحق التاريخي..لكن قوى "الشر المتنوعة" بقيادة مركز الثقل الأمريكي واليهودية الفاشية اغتالوا الاتفاق وقادته، الخالد أبو عمار ورابين..اتفاق لن يكون مثيلا له في مدى منظور..ولا عزاء للمتاجرين في بيع الوهم لحصد جوائز ترضية خاصة!

تنويه خاص: سؤال لمن لا يهمه الأمر، شو أخبار "تنفيذية منظمة التحرير" لا حس ولا خبر...معقول بتنصرف رواتبهم كاملة مع انهم عاطلين عن العمل..طيب شو رأيكم تحولوهم على "بند البطالة المالية والسياسية"..أريح للناس أكيد من مسمى بلا أثر!