هارتس : هل يلتقط “ميرتس” أنفاسه الأخيرة بترشيح غولان لرئاسة الحزب؟

دمتري-شومسكي.jpeg
حجم الخط

بقلم: ديمتري شومسكي

ما الفرق الأساسي بين المواقف السياسية العامة للمرشح لرئاسة “ميرتس” يئير غولان، من جهة، وبين مواقف رؤساء “المعسكر الرسمي”، الجنرال بني غانتس وغادي آيزنكوت، من جهة أخرى؟ مثلما تفاخر غانتس في بداية 2019 أثناء الحملة الانتخابية لحزبه الأول “منعة إسرائيل”، إبعاد الدمار والقتل التي زرعها بصفته رئيس الأركان في عملية “الجرف الصامد”، هكذا يتفاخر غولان الآن أيضاً، في محادثاته مع اعضاء منتدى 555 – مجموعة الذين خدموا في سلاح الجو وشاركوا في احتجاجات بلفور، وهو لقاء تم النشر عنه في “مصدر أول” في نهاية الشهر الماضي – أثناء استخدام “إجراء الجار” وخلافاً لقرار المحكمة العليا وأثناء قيادته لفرقة “يهودا والسامرة”. وللتذكير، الحديث يدور عن استخدام جيران المطلوب أو أبناء عائلته كدرع بشري للجيش الإسرائيلي، أي عن نوع من التنكيل بمواطنين فلسطينيين ليست لهم علاقة. ولكن حسب موقف غولان فإن هذا “عمل مهني وأخلاقي”، ليس أقل من ذلك.

بنفس القدر أيضاً، الشبه الأساسي بين غولان وآيزنكوت واضح جداً؛ فهما يصرخان على خطر الدولة “ثنائية الدولة”، الذي يتربص بإسرائيل بسبب استمرار سيطرتها على ملايين الفلسطينيين، وهما يحذران، لا سمح الله، من الإشارة إلى تقسيم البلاد إلى دولتين على اعتبار أن ذلك هو الطريقة الواقعية والعادلة الوحيدة لحل النزاع. في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه عن ترشحه لرئاسة “ميرتس”، قال غولان مثل شخص مسه الشيطان بأنه “يجب الانفصال عن الفلسطينيين باتفاق. والاتفاق.. دولتان”. ولكن أثناء حملته الانتخابية الحالية، عاد مرة أخرى إلى موقفه السياسي الأساسي الذي يقول بأنه لا يوجد شريك في الطرف الفلسطيني (“لست واثقاً بوجود من نتحدث معه، وعن ماذا نتحدث”، قال في مقابلة مع “آي.سي.إي” في بداية الشهر).

 من الواضح تماماً أن غولان، الذي مكانه الطبيعي في حزب الوسط للجنرالات، يتنافس الآن على رئاسة “ميرتس”، وهو الحزب الذي يرفض أساليب القمع المرفوضة ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة، التي يتفاخر بها. وهو ينكر بشكل حازم أسطورة “عدم وجود شريك” فلسطيني، التي يؤمن بها، وهي نتيجة خطأ سياسي متدحرج يجب وقفه قبل أن يصبح الوقت متأخراً جداً. حسناً، بعد أن بقي “ميرتس” على قيد الحياة رغم جميع التأبينات الدورية، وجدت الوصفة الكاملة لتصفيته أخيراً: وضع شخص على رأسه يتفاخر بطرح مواقف بعيدة جداً عن نهج الحزب وهويته. أليس مفهوماً بأنه إذا ما ترأس “ميرتس” توأم الجنرالات الذين يقفون على يمينه، وهو الأمر الذي سيبعد عنه مصوتي قاعدته الأيديولوجية، ولن يقرب من يؤيدون غانتس وايزنكوت، الذين يذكرون غولان بأنه الشخص الذي قارننا بالنازيين، سيبقى حزب ميرتس أصلع وسيفقد نفسه من ناحية انتخابية؟

إضافة إلى عدم التناسب الأيديولوجي الذي سيتسبب به فقدان أصوات مؤكد، يشار أيضاً إلى اعتبار موضوعي آخر ضد انتخاب غولان لرئاسة “ميرتس”، وهو مقاربته اللامبالية والمتهورة تجاه الأقوال والحقائق. أحياناً، تبرز نتيجة هذه المقاربة في إسماع ادعاءات لا علاقة لها بالواقع. لن نعود هنا إلى “خطاب العمليات” عديم الفهم الذي ألقاه عن جوهرته الغضة في محادثاته المذكورة أعلاه مع أعضاء منتدى 555، التي قال فيها بأن استمرار استخدام “إجراء الجار” لم يكن خلافاً للقانون، بل كان خلافاً لحكم المحكمة العليا؟ أليس واضحاً ومفهوماً بحد ذاته بأن لقرار المحكمة العليا قوة قانونية بسبب كونها المفسرة للقانون؟ أليس واضحاً ومفهوماً بحد ذاته بأن الحزب الذي يخوض حرباً دائمة على بقائه محظوراً عليه انتخاب زعيم يعلن بثقة ودون أن ترمش له عين بأن الأبيض أسود والأسود أبيض؟

لكن التعبير الأبرز لتجاهل غولان لحقائق الواقع يظهر في الحملة التي يديرها ضد زهافا غلئون التي تتنافس أمامه. “زهافا حاولت وكانت لها فرصة، لكنها لم تنجح”، قال غولان مؤخراً في استوديو “واي نت”. هكذا، ليس لديكم شيء بعيد عن الحقيقة أكثر من هذه الأقوال، بالضبط مثل وصول غولان إلى خط النهاية للتنافس الحالي على رئاسة “ميرتس”، هكذا أيضاً كان انسحاب غلئون من الحياة السياسية في شباط 2018 نتيجة خطأ سياسي يدعو للأسف. لم يسبق انسحابها أي فشل، بالعكس؛ سبق ذلك عملها المرحب به والناجح من أجل دمقرطة طريقة الانتخابات في الحزب، وهو عمل يريد غولان نفسه الآن أن يستمتع بثماره، في حين أنه يلقي جام غضبه على الأعضاء الجدد في الحزب.

رغم الحملة ضد غلئون، التي بسببها قررت اعتزال السياسة قبل 4 سنوات، لا تشير إلى أي فشل معين لها. بالعكس، رؤساء “ميرتس” الذين جاءوا بعدها، تمار زيندبرغ ونيتسان هوروفيتس، حاولوا الدفع قدماً وتطبيق نفس الرؤية التي آمنت بها غلئون وما زالت، والتي تقول بأن على “ميرتس” أن يبني نفسه من جديد كحزب مشترك، يهودي – عربي، وهو الطريقة الواقعية الوحيدة له كي يوسع صفوفه.

بقلم: ديمتري شومسكي

 هآرتس