هارتس : هوكشتاين في إجازة ونصر الله ينفي علاقة “النووي” بـ”كاريش”.. ونتنياهو يتقصى طائرة غانتس

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

لقد كان لمتخذي القرارات في إسرائيل أمر آخر عليهم الإجابة عنه في هذا الأسبوع، عدا التقدم في المفاوضات حول الاتفاق النووي مع إيران والاتصالات من أجل منع إضراب المعلمين في 1 أيلول. وقت كبير وموارد كثيرة تم تخصيصها أيضاً لفهم توجه رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله. والنتائج جزئية حتى الآن.

 

يبدو أنه لا منطق في تهديدات متواترة يبثها حسن نصر الله بضرب طوافة الغاز الإسرائيلية والمخاطرة باندلاع حرب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي على ترسيم الحدود البحرية. لبنان في ذروة أزمة سياسية واقتصادية شديدة، وإذا اندلعت حرب بين إسرائيل ولبنان، فمن المرجح أن أصابع اتهام كثيرة ستُوجه لـ”حزب الله” الذي ورطه في مغامرة زائدة وكثيرة الأضرار. مع ذلك، تحدث نصر الله في أشهر الصيف بشكل دائم عن نزاع الغاز، وحتى إنه يزيد من شدة تصريحاته العلنية. الصعوبة في تحليل مواقفه ونواياه هي التي تثير قلق شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي بشكل خاص، وعلى الرغم من الاحتمالية العالية للتوصل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، ما زال هناك خوف حقيقي من مفاجآت “حزب الله”.

نصر الله يكثر من إلقاء الخطابات في تجمعات للحزب مؤخراً. رغم أنه يواصل فعل ذلك عن بعد ببث من مكان سري. الدكتور شمعون شبيرا، من المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة، والذي يشاهد خطاباته المطولة دائماً، لاحظ فيها خطاً آخذاً في التصاعد، يزيد فيه نصر الله درجة المقامرة. لم يصدر عن التجمع الأخير أي عناوين استثنائية. ولكن شبيرا، الخبير في الشؤون اللبنانية، تأثر من النغمة العامة ومن أفلام الحرب التي بثها “حزب الله” أمام الحضور، وحتى إنه تأثر بالصور المجسمة لكبار أعضاء المنظمة الأموات، من بينهم عباس موسوي الذي قتل في هجوم لسلاح الجو في 1992، وعماد مغنية الذي قتل في عملية تصفية نسبت لإسرائيل والولايات المتحدة في 2008.

كل التجمع بث رسالة للنضال، الأمر الذي يندمج في الخط العنيف الذي يمثله “حزب الله”: في سياقات مختلفة، جميعهم سقطوا في يد إسرائيل. إطلاق أربع طائرات مسيرة قرب طوافة “كاريش”، ومحاولة إسقاط مسيرات إسرائيلية في سماء لبنان، وإقامة أكثر من نقطة مراقبة جديدة على طول الحدود مع إسرائيل، وإرسال رسالة علنية من قادة ومقاتلين في “حزب الله” إلى نصر الله، التي يعلنون فيها بأنهم يمتثلون لأوامره ومستعدون لتنفيذ الأمر. هناك من يعتبرون التغيير الذي بدأ في سلوك “حزب الله” قبل ثلاث سنوات عندما أطلق الصواريخ المضادة للدبابات على سيارة عسكرية في الحدود الشمالية في أيلول 2019 رداً على هجوم نسب لإسرائيل في الضاحية في بيروت. من المهم لنصر الله أن يرسم خطوطاً حمراء أمام استخدام إسرائيل للقوة، وهو الآن مستعد للمخاطرة بذلك أكثر مما فعل طوال عقد وأكثر بعد حرب لبنان الثانية.

في التقرير الذي نشرته وسائل إعلام إيرانية، تم الادعاء بأن حل مسألة الحدود البحرية يرتبط أيضاً بالمفاوضات النووية. في خطابه الأخير، سارع نصر الله إلى نفي ذلك. من المهم له أن يصور النضال كنضال لبناني نقي من التدخل الأجنبي. قبل يوم من ذلك، قال وزير الدفاع، بني غانتس، في مقابلات إذاعية في إسرائيل، بأن المواجهة مع “حزب الله” قد تتدهور إلى “يوم قتال أو أيام قتال”. هذه رؤية ذكرها عدة مرات في السنوات الأخيرة المتحدثون الإسرائيليون. ولكن “حزب الله” يعطي إشارات بأن هذه الأفكار لا تلزمه. وقال نصر الله في خطابه، بأن إسرائيل تخطئ إذا ما اعتقدت أنه يمكن اختصار مواجهة عسكرية في يوم قتال واحد، وأنها بذلك تخاطر باندلاع حرب شاملة. حسب أقوال شبيرا، الخطابات موجهة أيضاً إلى جمهورين مختلفين في لبنان نفسه. “تجاه الطائفة الشيعية، نصر الله يعد النفوس للحرب إذا كانت لها حاجة. ويقول لبقية اللبنانيين: سأجلب الإنجاز لكم، بقوة تهديد باستخدام سلاحي الذي أردتم نزعه من رجالي. سأجبر إسرائيل على الخضوع في المفاوضات وإعطاء لبنان حقول الغاز التي تحتاجها”، قال شبيرا. أصبح نصر الله ينثر إشارات مستقبلية، من السيادة في رأس الناقورة، وحتى حقول غاز بحرية أخرى.

الوسيط الأمريكي في المفاوضات، عاموس هوكشتاين، الموجود هذا الأسبوع في إجازة بجزيرة كريت، عندما يعود إلى المنطقة قريباً، سيجد حكومة إسرائيل مستعدة ومتحمسة للمصالحة وتقديم تنازلات وشطب هذه القضية من جدول أعمالها. ربما يكون سبب مرونة إسرائيل واقترابها من انتخابات الكنيست، هو الذي جعل نصر الله يفكر بأن الضغط سيؤدي إلى تقديم تنازلات كبيرة. وتطاوله العلني يعكس استراتيجية السير على الحافة. والمشكلة هي أن تبادل التلميحات مع إسرائيل بواسطة الضربات العسكرية قد يتدهور بسهولة نسبية إلى مواجهة شاملة، التي لن يسيطر أحد على مدتها أو نتائجها.

قرار “حزب الله” محاولة المس بالطوافة، مثلاً بواسطة مسيرات انتحارية، يؤدي إلى رد شديد من قبل إسرائيل وحتى إلى حرب. كان الافتراض السائد لدى إسرائيل خلال السنين هو أن نصر الله، الذي أصبحت له تجربة من الحرب الأخيرة، يدرك جيداً قوانين اللعب غير المكتوبة، ويحذر من الخطأ في احتساب الأخطار. الأسابيع الأخيرة تضع علامات استفهام حول هذا التقدير.

خلال ذلك، جرت في هذا الأسبوع محاولة سياسية، فظة بدرجة معينة، لزيادة تعقيد الصورة. فقد أعلن عضوا الكنيست ياريف لفين (الليكود) واوريت ستروك (الصهيونية الدينية)، بأن أي تنازل في ترسيم الحدود البحرية سيكون تنازلاً جغرافياً، والحكومة الانتقالية غير مخولة باتخاذه. هذا الأمر يقتضي -حسب رأيهما- مصادقة الكنيست بأغلبية خاصة، 80 عضو كنيست. الالتزام الأيديولوجي لعضوة الكنيست من الخليل بسلامة البلاد ومياهها لا يجب أن يفاجئ، لكن يصعب أن نقرأ هكذا خطوة شريكها في المبادرة، عضو الكنيست المقرب جداً من رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو. إذا نضجت الفكرة فستكون علامة واضحة على أن نتنياهو يريد إفشال الحكومة في شأن وطني حساس وإبقاء التوتر الشديد على حاله.

وزير الطاقة السابق يوفال شتاينيتس، الذي انسحب مؤخراً من الحياة السياسية، وضع الأمور في نصابها في المقابلة التي أجراها معه موقع “زمن إسرائيل”، والتي أوضح فيها بأنه عندما يدور الحديث عن المياه الاقتصادية، فهذا لا يعني الحديث عن سيادة، ويكفيه قرار عادي للحكومة.

   مكاسب نتنياهو

المفاوضات الدائرة حول الحدود البحرية ليست الأمر الوحيد الذي فيه طوق نتنياهو الحكومة من اليمين في هذا الأسبوع. مؤخراً، هبت رياح خفيفة من الذعر في القدس، كلما زادت التقديرات والأنباء حول نوايا الإدارة الأمريكية بالانضمام لاتفاق نووي جديد بين الدول العظمى وإيران.

أمس، سافر غانتس إلى واشنطن في أعقاب مستشار الأمن القومي، أيال حولتا. رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل ووزير الدفاع ورئيس المعارضة تنافسوا فيما بينهم على نشر التنبؤات المهددة حول معنى الخطأ الذي ترتكبه الولايات المتحدة عندما اختارت العودة إلى الاتفاق، الذي ليس فيه ما يكفي من القيود على المشروع النووي، والسماح برفع العقوبات بصورة ستضخ عشرات مليارات الدولارات إلى الاقتصاد الإيراني المتعثر.

لكن في هذه القصة، سيكون في إسرائيل رابح واحد فقط سياسياً وهو نتنياهو، الذي إذا تم التوقيع في النهاية على الاتفاق، فسيستغله لمهاجمة من جاءوا بعده ويدعي بأن ضعفهم هو سبب التنازل عن أمن الدولة. مشكوك فيه إذا كان معظم الناخبين سيكونون مصغين بما فيه الكفاية من أجل الاهتمام بالحقائق فيما يتعلق بأحداث السنوات الأخيرة. ومثلما شهد الجنرال احتياط عاموس جلعاد في هذا الأسبوع، فإن نتنياهو أخطأ كثيراً عندما صمم على مواجهة الرئيس الأمريكي السابق براك أوباما وجهاً لوجه، ومحاولة استخدام الكونغرس الأمريكي ضده لإحباط التوقيع على الاتفاق الأصلي في 2015. وقد أخطأ مرة أخرى بعد ثلاث سنوات عندما أقنع الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق.

 

استراتيجية “الضغط بالحد الأقصى” التي بلورها رجال ترامب فشلت بالكامل. ورغم الأضرار الاقتصادية التي تعرض لها عند استئناف العقوبات، لم يتراجع النظام الإيراني. ومن اللحظة التي بدأ يخرق فيها الاتفاق في العام 2022 فإنه الآن قريب من القدرة على إنتاج قنبلة أكثر مما كان في أي وقت.

الرسائل التي خرجت هذا الأسبوع من القدس لم تكن مليئة ببادرات حسن النية. وكانت، بنظرة سطحية، مطابقة لمواقف حكومة نتنياهو في هذه القضية. وللحقيقة، التصريحات الرسمية لا تعكس كل تنوع الآراء في المستوى السياسي والمستوى المهني. وسواء في الحكومة أو في جهاز الأمن ثمة نقاش موضوعي طويل. فلا أحد يتأثر بالاتفاق الجديد المليء بالأخطاء والثغرات. والإجماع هو: إذا تم التوقيع عليه، فلن يضع إسرائيل أمام واقع أسوأ من الواقع الذي لم يكن موجوداً أيضاً في 2015.