هذه طقوس تنبأ جهاز الامن بالوصول اليها، خاف منها، حاول منعها – ولكنها باتت هنا. تكرر هذه الطقوس نفسها في معظم جولات العنف بين إسرائيل والفلسطينيين. فهذا يبدأ بالمظاهرات، اعمال الاخلال بالنظام والزجاجات الحارقة، يتواصل بالسكاكين والدهس، ينتقل رويداً رويداً الى إطلاق نار من الأفراد من سلاح شخصي، ومن هناك - قفزة درجة سريعة – يصل الى مواجهة مسلحة يقودها «ارهاب» مؤطر. نحن تقريبا في المرحلة الأخيرة من هذه الطقوس.
في نهاية الاسبوع الماضي فقط وقعت أربع عمليات اطلاق نار. صحيح أن الانتباه تركز بشكل طبيعي على القتل في ديزنكوف ومطاردة القاتل، ولكن في الوقت ذاته وقعت في «المناطق» ثلاث حالات اطلاق نار اخرى انتهت باصابة جنديين: في مفترق الطرق في الخليل اطلقت النار على جندي بينما كان يفتش السيارات، واصيبت متدربة بنار قناص قرب الحرم الابراهيمي، وفي محور النفقين في القدس اطلقت النار نحو سيارة مسافرة.
تنضم احداث نهاية الاسبوع الى 32 عملية اطلاق نار وقعت منذ بدء موجة العنف الحالية والى 80 احباطا لعمليات مشابهة قام بها جهاز المخابرات في السنة الماضية، معظمها في الاشهر الاخيرة. وفي الاسابيع الاخيرة أخذت وتيرة احداث اطلاق النار تتصاعد. وبالتوازي حل انخفاض تدريجي في «نوعية» احداث اعمال الاخلال بالنظام؛ مظاهرات أصغر وأقصر وبمشاركة أقل عددا؛ ويلوح استقرار، بل انخفاض في حجم منفذي العمليات الافراد الذين يقومون أساسا بعمليات طعن ودهس.
أحد اسباب الانخفاض في حجم اعمال الاخلال بالنظام يعود الى سلوك السلطة الفلسطينية. ففي السلطة فهموا بانه من خلف «الارهاب» المؤطر، الذي يزحف الى المواجهة ويهدد بالسيطرة عليها، تقف «حماس»، التي تسعى الى انهيار السلطة. وعليه، فمسألة الحرم التي كانت الدافع الاكبر للاضطرابات اختفت فجأة من خطاب السلطة في «المناطق». كقاعدة، يخفض قادة السلطة وممثلوها مستوى الاهتمام: فقد باتوا يشجعون بقدر أقل موجة العنف، ويحرضون أقل. وفي الاسبوعين الاخيرين تلقت قوات الامن الفلسطينية تعليمات بمنع خروج المتظاهرين الى مناطق الاحتكاك مع اليهود مثل الحرم الابراهيمي، مفترق الغوش، وما شابه.
ليس صدفة أنهم في السلطة لا يسمون موجة العنف الاخيرة انتفاضة. «حماس» فقط تستخدم هذا المفهوم. في السلطة يسمون الموجة الحالية «هبة»، «حراكا»، او «غضبة». وتفيد كثرة الاسماء بانه لا توجد في هذه الاثناء فكرة تأسيسية أو قيادة واحدة للاحداث. ففي السلطة يخافون من امكانية أن تركب «حماس» موجة الاحداث هذه، وتقودها الى انتفاضة مسلحة لغرض اسقاط السلطة من الحكم.
في جهاز الامن وفي «الكابنيت» في اسرائيل يبحثون في الاسابيع الاخيرة بكثافة في هذه الامكانية. لباب عمل جهاز المخابرات في الضفة – بالتنسيق مع أجهزة الأمن الفلسطينية – هو منع انهيار السلطة من خلال منع الجهود التي تبذلها الذراع العسكرية لـ»حماس» للانتقال الى انتفاضة مسلحة.
في الشهر الماضي فقط اعتقل جهاز المخابرات شبكة عسكرية لـ»حماس» في ابو ديس، معظم أعضائها طلاب في الجامعة ابو ديس. هذه الشبكة، التي تلقت المال والتوجيه من «حماس» غزة أقامت مختبرات، جندت انتحاريين اثنين، جندت عرباً يحملون بطاقات هوية زرقاء لاقتياد الانتحاريين الى داخل الخط الاخضر، بهدف تكرار احداث الانتفاضة الثانية، بالباصات المتفجرة، الاحزمة الناسفة وما شابه. وقد اعتقلت هذه الشبكة بعد أن اصبحت ناضجة. وبالتوازي اعتقل جهاز المخابرات مجموعات اخرى كانت في مراحل اعداد مبكرة أكثر.
أحد مراكز التجنيد والتفعيل المركزية لـ»حماس» في الضفة يوجد في تركيا. ونشر، مؤخراً، أن صالح العاروري، المسؤول عن اعمال «حماس» «الارهابية» في الضفة، طرد من تركيا الى قطر كجزء من تحسين العلاقات مع اسرائيل. غير أن هذه لعبة مزدوجة من نظام اردوغان حيال اسرائيل. فقد طلب الاتراك من العاروري ان يغادر قبل بضعة اشهر بسبب ضغط أميركي. ولكن الذراع العسكرية لـ»حماس» تواصل العمل من اسطنبول، فيما يتنقل العاروري نفسه بين قطر وتركيا. وهذا الاسبوع، بالمناسبة، يوجد العاروري في اسطنبول برعاية المخابرات التركية، التي تحميه أيضا.
لا يزال الفلسطينيون يتذكرون قول فيصل الحسيني، الذي حذر من انه محظور أن تتدهور الانتفاضة الشعبية الى انتفاضة عسكرية. وذلك لأنه ما ان يحصل هذا، فان الصورة في العالم لداود مقابل جوليات ستتآكل. واللعبة ستكون سلاحاً مقابل سلاح، وهنا ستنتصر اسرائيل. يفهم ابو مازن هذا، ولكن هذا لا يهم «حماس». فهي تدفع نحو انتفاضة مسلحة، وهذه باتت تقف على الأبواب.
عن «يديعوت»