إسرائيل والبحث عن الوكالة الحصرية

BGh5Q.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

 

 

إسرائيل تعمل وفق نظرية المنشار، فإن سارت الأمور وفق مصالحها كان ذلك جيداً، أما إن كانت لا تتوافق مع مصالحها، فإنها تقوم بعمليات ابتزاز، وممارسة ضغوط، حتى تحصل على مقابل.
لاحظنا، مؤخراً، كيف استنفرت الدول كلها، في هجوم غير مبرر على الرئيس محمود عباس، الذي تحدث في برلين، عن المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وممارسة تحريض سخيف بهدف إضعاف رؤيته السياسية من ناحية وابتزاز ألمانيا من ناحية أخرى.
تبدو إسرائيل كلها منشغلة، ومرتبكة ومتناقضة إزاء احتمالات قرب التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة، وإيران. بعض مسؤوليها قال إن هذا الاتفاق أسوأ بكثير من اتفاق 2015، وبعضهم عارض ذلك. البعض صرخ بأعلى صوته، بأن الولايات المتحدة، تخلّت عن إسرائيل، والبعض الآخر، هاجم بقوة الاتحاد الأوروبي الذي يرفض القرار والإجراءات الإسرائيلية بحق سبع منظمات عمل مدني، لأن إسرائيل لم تقدم أي دليل على إدانة تلك المنظمات بالإرهاب.
أي دولة هذه التي لا تتردد في عضّ الأيادي التي تمتد إليها، وعملت ولا تزال تعمل لصالح استمرار وظيفتها الاستعمارية وتمدها بكل أسباب القوة؟ ثمة مبالغة مقصودة في وصف مخاطر الاتفاق الأميركي الإيراني، بالقول إن الاتفاق سيحرر الاقتصاد الإيراني، وسيمكن إيران من إنتاج قنبلة نووية خلال أقل من عشر سنوات.
خلال فترة المفاوضات لاسترجاع اتفاق 2015، مارست إسرائيل، ضغوطاً مكثفة على الإدارة الأميركية من أجل منع التوصل إلى اتفاق لأن غياب اتفاق سيمكنها من مواصلة سياساتها وتعميق وتوسيع علاقاتها مع الدول التي تخشى التهديد الإيراني في المنطقة.
إسرائيل تطمح لأن تكون الوكيل الحصري، الذي يتكفل بمواجهة إيران، وتدفيع دول الخليج والمنطقة أثمانا باهظة لقاء هذا الدور وربما يمكنها من إنشاء الحلف العسكري الأمني، الذي حلمت بتحقيقه.
أما وان الاتفاق قد أصبح في متناول اليد، فإن إسرائيل واصلت الضغط على الإدارة الأميركية، من أجل تحسين الشروط لصالحها ومنع إيران، قدر الإمكان، من تحقيق شروطها.
تستغل إسرائيل معرفتها الأكيدة، بأن إدارة بايدن والدول الأوروبية الأخرى المعنية بالاتفاق، مصممة على المضي قدماً في الحل الدبلوماسي التفاوضي، لأن الولايات المتحدة، غير مستعدة في ظل تبدل الظروف الدولية، لأن تخوض في مغامرات عسكرية أخرى بعد فشلها في العراق، وانسحابها الذليل من أفغانستان.
إدارة بايدن ترى أن العودة للاتفاق، أقل تكلفة بكثير من أن تذهب إلى خيارات حربية، من أجل منع إيران من مواصلة تخصيب اليورانيوم، والاقتراب من امتلاك سلاح نووي.
وفي هذه المرحلة، حيث استمرار الحرب في أوكرانيا، وما ينجم عن ذلك من نقص في إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها، سيكون لتحرير النفط الإيراني آثار مهمة، لصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة، تراهن على أن توقيع اتفاق مع إيران، من شأنه أن يضع عقبات أساسية وكبرى أمام إمكانية انضمام إيران للحلف الصيني الروسي.
إسرائيل تفهم كل تلك الأبعاد، ولكنها تعمل وفق أولوية مصالحها، التي تتعارض في هذا الملف مع الولايات المتحدة، التي تعمل هي الأخرى وفق أولوية مصالحها، ودورها على المستويين الإقليمي والدولي.
إسرائيل تدرك أن التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران سيؤدي إلى توقف إيران عن مواصلة التخصيب، والاقتراب من امتلاك قنبلة، لكن الخطر الإيراني لا يتوقف عن إمكانية أو عدم إمكانية امتلاك إيران لقنبلة نووية.
حاولت إسرائيل كل الوقت من أجل أن يتضمن الاتفاق شروطاً وقيوداً على دور ونفوذ إيران في المنطقة، وكذلك الحال على برامجها الصاروخية، وإمكانياتها العسكرية، لكن إيران نجحت في تجاوز هذه الشروط، لأن الاتفاق الأساسي لم يتضمن ذلك، ولأن المساومة على هذا الملف غير ممكنة، حيث سيقابلها تصلب إيراني شديد.
في كل الحالات، فإن توقيع الاتفاق، لا يمنح إسرائيل الحد الأدنى من الشعور بالاسترخاء والراحة، ذلك أن إيران ستكون في وضع أفضل إزاء دورها في المنطقة، بعد أن تتحرر من العقوبات، وتدخل في مرحلة الاستشفاء الاقتصادي.
إسرائيل تخشى أن تخوض مع إيران حرباً، واسعة، من خلال حلفاء إيران في المنطقة، «محور المقاومة» الذي تتزعمه إيران ممتد من اليمن إلى لبنان وسورية وفلسطين والعراق.
إذا كانت أطراف هذا المحور قد تحصّلت على قدرات عسكرية واستخبارية مهمة خلال مرحلة الصمود الإيراني، وكان صموداً طويلاً ومكلفاً، فكيف وأي قدرات ستمتلكها أطراف «محور المقاومة» حين تتحرر إيران من القيود؟
تعرف إسرائيل كيف تستغل هذا الوضع، ففي الوقت ذاته طار إلى واشنطن، كل على حدة، إيال حولانا مستشار الأمن القومي، وبيني غانتس وزير الجيش الإسرائيلي.
تطالب إسرائيل الولايات المتحدة، بإبقاء الخيار العسكري بموازاة متابعة تنفيذ الاتفاق، وضمان الدعم الأميركي لها في ما تسميه «حرب الظلال» فضلاً عن ضمان الحصول على دعم عسكري ومادي ومزيد من المساعدات.
مع ذلك فإن الإقليم يغلي، سواء تم توقيع الاتفاق أم لا، ذلك أن سياسة إسرائيل التوسعية الاستعمارية، ومحاولاتها لسرقة حقوق وثروات وأمن واستقرار شعوب المنطقة، كفيلة بأن تفجر حروباً، ضارية، ستدفع خلالها إسرائيل أثماناً باهظة وأن سياسة المنشار ستدميها هي.