بدعم من وزارات حكومية وبتنفيذ من شركة "إلعاد"

الـقـدس الـشـرقـــيــة: إســرائــيــل تخوض "مـعــركــة تـهــويـد" في وادي ابـن هــنّــوم

نير حسون.jpeg
حجم الخط

بقلم: نير حسون وياعيل فريدستون



ظهرت، هذا الصيف، في مركز القدس منطقة جذب سياحي جديدة، هي "مزرعة الوادي". "تعرض مزرعة الوادي تجربة زراعية فريدة من نوعها، تتيح لك أن تشعر بيديك بالحرف الزراعية القديمة، وفقاً للمواسم، تماماً كما في العصور القديمة".
هكذا يعد الموقع الذي يشغل المزرعة – جمعية العاد. كان النجاح فوريا. فقد وصل إلى المزرعة في الأشهر الأخيرة آلاف الطلاب والجنود والمتطوعين، وفي العطلة الكبيرة وصلت النشاطات الذروة مع قدوم مئات العائلات إلى المزرعة في جولات وورشات عمل لعصر العنب وقطف الزيتون وأعمال إعداد الحجارة.
في المساء جرت في المكان عروض، وقبل الأعياد سيتجدد أيضا التعاون مع نادي هزافا الذي سيجلب إلى المكان المغنيين عبري ليدار ويوفال ديان.
النشاطات في المزرعة جزء صغير فقط من جهود شاملة لجمعية العاد من أجل توسيع نطاق نشاطاتها من سلوان غرباً. يعمل فوق المزرعة منذ سنوات مرفق للمناسبات الخاصة للجمعية، وغير بعيد من هناك تشغّل هذه الجمعية منشأة، ومن الجهة الأخرى للوادي أصبحت الجمعية مسؤولة عن مقبرة قديمة، ويقوم عمالها بأعمال ترميم شاملة فيها، ويمرّ الوادي كلّه بعملية شد وجذب. فقد أقام أعضاء "العاد" مدرجات حجرية جديدة، وقاموا ببناء جدران، وشقوا مسارات.
لم يكن ممكناً القيام بهذه النشاطات الحثيثة دون دعم كثيف من نحو عشر السلطات والوزارات المختلفة، التي قامت أحيانا بمط الحدود من أجل مساعدة الجمعية في وادي ابن هنوم (وادي الربابة - المحرر). وضع القيم على أملاك الغائبين يده على الأرض، وسمحت سلطة الطبيعة والبيئة للجمعية بالعمل باسمها، واستخدمت بلدية القدس أوامر التخضير، وغضت سلطة الآثار النظر عن حفريات أثرية دون رقابة، وترسل وزارة التعليم الطلاب، ويرسل الجيش الجنود، وتمول وزارة القدس والتراث سفريات بالمجان ذهابا وإيابا إلى المزرعة، وتمول سلطة تطوير القدس مشاريع مختلفة، وتسمح شركة كديشا بالعمل في المقبرة وما شابه. هكذا، تضافرت جهود السلطات لمساعدة جمعية العاد.

في ظل "كورونا"
وادي ابن هنوم هو وادٍ عميق بين حي أبو طور وجبل صهيون. يخترق الخط الأخضر، الذي قسم القدس حتى العام 1967، الوادي من الوسط. حتى السنوات الأخيرة كان الوادي منطقة مفتوحة ومهملة، لكن الجزء الأكبر كان عبارة عن حقول زيتون تم تعهدها من قبل عائلات فلسطينية من قرية سلوان المجاورة. في "العاد" وفي سلطة الطبيعة والحدائق قالوا إن المنطقة كانت مهملة ومليئة بمخلفات البناء، وإن سكان القدس ابتعدوا عن المجيء إلى المكان. نعامي زوسمان، وهي من سكان أبو طور ونشيطة ضد جمعية "العاد"، تتذكر واديا مختلفا: "في المنطقة، حيث الجزء الغربي منها مطور، كنا نقوم بالتنزه ونقوم بإجراء حفلات عيد الميلاد للأولاد. كان الجزء الشرقي منها أقل سياحية، لكن كانت فيه عظمة قديمة وهالة برية. كان الفلسطينيون يتجولون هناك بالخيول، وكان من الجميل مشاهدتهم".
منذ سنوات توسّع جمعية العاد حدود نشاطاتها في المنطقة. ولكن في السنتين الأخيرتين تسارعت العملية وبدأ مشهد الوادي يتغير. وقالت زوسمان إن الجمعية استغلت إغلاقات "كورونا" من أجل الدخول إلى المنطقة دون معارضة السكان الفلسطينيين. أثمرت الجهود، وتغيرت طبيعة المنطقة بصورة كبيرة. أحيطت حقول الزيتون بأسوار ومدرجات حجرية جديدة، ووضعت لافتات وأعلام "العاد" وسلطة الطبيعة في المكان، وتصل مجموعات من المتطوعين والعمال إلى المكان كل يوم. زاد التوتر في المنطقة، واندلعت في المكان عدة شجارات عنيفة بين العمال وبين السكان الفلسطينيين. تدخلت الشرطة، وقامت بإبعاد الفلسطينيين. لم يكن كل ذلك ليحدث دون مساعدة كثيفة من الدولة على مختلف هيئاتها.
في 5 كانون الثاني 2021 اكتشف أبناء عائلة سومرين من قرية سلوان أن أعضاء الجمعية دخلوا حقل الزيتون الذي يعتنون به في وادي ابن هنوم، وبدؤوا في العمل فيه. تطورت في المكان مواجهة في نهايتها أبعدت الشرطة أبناء العائلة.
بعد ثلاثة أسابيع تم تسجيل الأرض في الطابو باسم القيم على أملاك الغائبين. القيم هو هيئة تابعة لوزارة المالية، وهو يعمل بحسب قانون أملاك الغائبين الذي تم سنه في 1950 من أجل وضع اليد على الممتلكات التي تركها الفلسطينيون وراءهم في 1948.
في حالة وادي ابن هنوم تذكر القيم وضع اليد على قطعتي أرض بعد نحو سبعين سنة على كونها، كما يبدو، كانت أملاك غائبين وبتوقيت مريح جدا بالنسبة للبدء في أعمال "العاد" في المكان. فعليا سُجلت الأرض على اسم القيم بعد ثلاثة أسابيع على بدء العمل في المكان. ولكن قبل سنتين أعطى القيم لسلطة الطبيعة والحدائق المصادقة على العمل في هذه القطع. في وزارة المالية نفوا أن القيم تلقى أي طلب من "العاد"، أو من أي هيئة أخرى من أجل وضع اليد على الأرض.
قدّم أبناء عائلة سومرين بوساطة المحامي مهند جبارة دعوى في محكمة الصلح، وما زالت هذه الدعوى قيد البحث. في رد الدولة قيل إن الأمر يتعلق بممتلكات لأشخاص يعتبرون غائبين، لذلك فإن عبء الإثبات ملقى على عاتق المدعين. وقال المحامي جبارة إنه حتى لو كان الأمر يتعلق بأملاك غائبين، وهو الادعاء الذي يعارضه بشدة، فإنه ما زال على القيم أن يعمل حسب القانون، وأن يطلب إخلاء الأرض بوساطة التنفيذ، وليس أن يقوم بغزو هذه الأراضي دون مصادقة من الذين يمتلكونها.

تحيز سياسي
الهيئة الحكومية الأكثر أهمية في المنطقة هي سلطة الطبيعة والحدائق، حيث إن معظم منطقة الوادي مشمولة في الحديقة الوطنية التي تحيط بأسوار القدس.
في آب 2020 وقعت سلطة الطبيعة والحدائق مع جمعية العاد على اتفاق لمشروع مشترك. أعطى هذا الاتفاق تفويضا لجمعية العاد بالعمل باسم سلطة الطبيعة والحدائق في وادي ابن هنوم. ولأن الأمر يتعلق بـ "مشروع مشترك" فإنه لم يتم طرح عطاء. هناك تعاون دائم بين "العاد" وسلطة الطبيعة والحدائق منذ سنوات كثيرة. تدير الجمعية الحديقة الوطنية في مدينة داود باسم سلطة الطبيعة والحدائق. وعندما وجهت منظمات يسارية انتقاداً لهذا التعاون، ادعت سلطة الطبيعة والحدائق وجمعية إلعاد بأنه توجد للجمعية عقارات كثيرة في مدينة داود، لذلك من المنطقي أن يتم اختيارها لإدارة الحديقة الوطنية. ولكن في وادي ابن هنوم لا يوجد للجمعية عقارات. "في مدينة داود كان الادعاء أنه توجد لهم حقوق ملكية. ولكن أي أفضلية توجد لـ "العاد" في وادي ابن هنوم عن الجهات الأخرى؟ هذا غير واضح"، قال مصدر رفيع في وزارة حماية البيئة.
رغم أن العقد مدته خمس سنوات إلا أنه بعد سنة وشهرين على التوقيع تم التوقيع على اتفاق آخر يطيل التعاون حتى العام 2030. في وزارة حماية البيئة، التي تشرف على سلطة الطبيعة والحدائق، يعتقدون أن سبب ذلك هو رغبة مدير عام سلطة الطبيعة والحدائق السابق، شاؤول غولدشتاين، ورئيس مجلس "يشع" السابق ومن اعتبر مقربا من جمعية العاد، في أن يضمن للجمعية صفة حصرية على المشروع في وادي ابن هنوم حتى نهاية العقد.
في الوقت ذاته، كما كشف المراسل ميرون ربابورت، في المجلة الالكترونية "محادثة محلية" فقد مدد غولدشتاين التعاون الشامل بين سلطة الطبيعة والحدائق وبين "العاد" عشر سنوات أخرى.
أدت هذه النشاطات إلى استياء وزيرة حماية البيئة، تمار زيندبرغ، التي قالت إن غولدشتاين فعل ذلك خلافاً لموقفها وخلافا للإدارة السليمة.

مخالفات بناء
في الجانب الآخر للوادي احتاجت الجمعية إلى مساعدة سلطة أخرى وهي بلدية القدس من أجل العمل في المنطقة. في هذه الحالة وقع رئيس البلدية على "أوامر تخضير". أمر التخضير هو وسيلة قانونية تمكن البلدية من السيطرة على منطقة مهملة في المدينة من أجل تطويرها. يتم إصدار أمر التخضير بشكل عام لمناطق صغيرة داخل حدود البلدية من اجل تمكينها من تنفيذ اعمال حدائق مؤقتة. في حالة وادي ابن هنوم صدرت الأوامر لمنطقة بمساحة 200 دونم، ويبدو أنها أوامر زراعة الحدائق الأوسع التي صدرت في إسرائيل.
لم تنفذ البلدية هذه الأعمال، بل أعطتها لسلطة الطبيعة والحدائق التي بدورها أعطتها لجمعية العاد. في الأسبوع الماضي رفضت القاضية في المحكمة المركزية في القدس، رفكا فريدمان فيلدمان، التماساً قدمه السكان، وصادقت على إجراء البلدية.
في السنوات الأخيرة بدأت تصل إلى المكان مجموعات مختلفة من بينها تلك التي يبدو أنها مثل "شبيبة التلال". في إحدى الحالات في أيار الماضي هاجم شباب يهود جاؤوا إلى المنطقة رياض سومرين وابنه ليث عندما كانا في طريق العودة إلى البيت.
أصيب كلاهما واحتاج إلى علاج طويل. لم يتم اعتقال أي أحد رغم أن العائلة سلمت للشرطة فيلما تظهر فيه مجموعة المهاجمين. في الفيلم أيضا عرف بعض اليهود عن أنفسهم بكلمات "نحن من مدينة داود". كتب زئيف هكوهين، مدير لواء القدس في سلطة الطبيعة والحدائق، في رسالة رد على شكوى منظمة الآثار "عيمق شفيه" بأن المعتدين لم يكونوا مرتبطين بسلطة الطبيعة والحدائق أو العاد وأنهم زاروا المكان بشكل مستقل".
في المنطقة التي تم وضع اليد عليها استنادا إلى أوامر التخضير توجد مقبرة سامبوسكي، وهي مقبرة يهودية قديمة استخدمت لدفن الفقراء الذين لم يكن لديهم المال لوضع الشواهد على القبور.
حصلت جمعية العاد على إذن من شركة "كديشا" السفاردية التي تدير المقبرة من أجل إدارة أعمال لترميم المقبرة. الأرض تم حرثها وتم وضع شواهد حجرية صغيرة من اجل تحديد القبور. ولكن، حسب أقوال من ينتقدون الجمعية، لا يدور الحديث عن ترميم حقيقي، بل عن إقامة مقبرة فاخرة، حيث لم يتم القيام بأعمال لتحديد مكان القبور القديمة، بل تم وضع أحجار على مسافات موحدة.
إضافة إلى ذلك، خلال الأعمال في المقبرة تم القيام بحفريات بمعدات ثقيلة، رغم أن الأمر يتعلق بموقع أثري معلن عنه في قلب الحوض التاريخي في القدس. تمت الأعمال دون رقابة من سلطة الآثار. عدة جهات، منها سكان فلسطينيون و"عيمق شفيه"، توجهوا للسلطة وتم الرد عليهم بأن هذه الأعمال معروفة لهم وأنها تمت بالمصادقة.
في إطار هذه الأعمال أقامت الجمعية أيضا أساسات لبوابة كهربائية يمكن أن تقطع طريق الوصول إلى الحي الذي يعيش فيه مئات الفلسطينيين.
في سنوات التوتر، في المزرعة وفي المقبرة، تم إجراء أعمال بناء واسعة تشمل إقامة الجدران والمباني وشق الطرق وبناء مدرجات حجرية. تمت جميع الأعمال دون رخص من بلدية القدس، التي من ناحيتها لم تكلف نفسها عناء الرقابة على البناء هناك.
كتب نائب رئيس بلدية القدس، يوسي حفيليو، في رسالة أرسلها إلى المديرة العامة لسلطة الطبيعة والحدائق، رعيه شوريك، بأن الأعمال في المقبرة تحتاج إلى رخصة بناء، لم يتم إصدارها، وأن الأمر يتعلق بأعمال غير قانونية. وفي الرسالة التي أرسلها زئيف هكوهين، مدير لواء القدس في سلطة الطبيعة والحدائق، اعترف بأنه كان هناك على الأقل حالة واحدة من مخالفات البناء التي طلب فيها من الجمعية هدم جدران أقيمت.
في هذه الرسالة اعترف أيضا بأن جمعية العاد قامت بإغلاق المزرعة أمام الجمهور في الأوقات التي كان يتعين أن تكون مفتوحة فيها.

"قتلت وورثت أيضاً"
تشعر جهات سياحية في المدينة بأن توسع جمعية العاد جاء على حساب مواقع سياحية أخرى في القدس. "القدس هي مدينة فقيرة جدا، وتعتمد هيئات سياحية كثيرة على الميزانيات التي تأتي من الدولة. ولكنّ جزءا كبيرا من الميزانيات يصل إلى العاد بكل الطرق والبنود في الميزانية، وزارة السياحة ـ وسلطة تطوير القدس، ووزارة القدس والتراث، والجيش الإسرائيلي الذي يحضر مجموعات لجولات منظمة. عمليا هم يحددون أجندة السياحة، وهم يدخلون إلى مجالات لا توجد لها أي علاقة بتطوير حوض البلدة القديمة مثل جولات تذوق في سوق محنيه يهودا أو بيت حغاي الذي هو قاعة أفراح"، قال مصدر مطلع على فرع السياحة في المدينة، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه. حسب قول هذا المصدر فان النتيجة هي سيطرة "العاد" على أجزاء كبيرة من فرع السياحة وإبعاد مشغلين صغار.
أحد الأرقام القياسية لمساعدة الجمعية هو الرحلات بالمجان ذهابا وإيابا والتي أطلقتها وزارة القدس للوصول إلى "حائط المبكى" في 2013.
كانت نقطة الانطلاق من مبنى المحطة الأولى في غرب المدينة. وتسير الرحلات المكوكية عبر وادي ابن هنوم وسلوان إلى مدينة داود وباب المغاربة بسرعة ونجاعة. في فترة "كورونا" تم وقف الرحلات المكوكية. وقبل نحو أسبوعين أعلنت وزارة القدس والتراث عن استئناف هذه الرحلات المكوكية، مع إضافة محطة جديدة وهي "المزرعة الزراعية" في وادي ابن هنوم.
هكذا، تحصل جمعية العاد على تيار من الزوار الذين يأتون إلى موقعين من مواقعها. الجمعية هي من الجمعيات الثرية في البلاد، وهي تمول نصف تكلفة الرحلات المكوكية.

عن "هآرتس"