الطرفان الرئيسان في المفاوضات النووية الجديدة هما الولايات المتحده كقوة عالمية لها مصالحها الكونية والإقليمية ولا تريد إتفاقا يمس هذه المصالح، وإيران القوة الإقليمية الصاعده التي لها اليوم مصالح تتجاوز حدودها في المنطقة وتريد أيضا الحفاظ عليها والإعتراف بها كقوة إقليمية ودول الإتحاد ألأوروبى التي تلعب دور الوسيط المتوازن.وفى كل الأحوال لن يكون الإتفاق الجديد نفس إتفاق 2015، وإن كان الأخير هو الأساس في أي إتفاق ، مع ملاحظة ان المفاوضات تعكس واقعا سياسيا قائما وموازين قوى، وتحكمه متغيرات وتطورات طرأت على بيئة المفاوضات بعضها يعمل لصالح هذا الطرف أو الطرف الأخر. وهذا ما يفسر لنا التعقيدات التى تواجه المفاوضات حتى الأن ومحاولة كل طرف أن ينتزع أقصى ما يمكن أن يقدمه الطرف الأخر من تنازلات. في النهاية هناك إتفاق لأن الولايات المتحدة تريد إتفاقا قبل الانتخابات النصفية للكونجرس، وإيران أيضا تريد إتفاقا يحقق لها أهدافها وما حققته من إنجازات لن تتنازل عليها. والسؤال ما أهداف ودوافع كل طرف؟إدارة الرئيس بايدن إمتدادا لإدارة الرئيس أوباما، ولذلك تعتبر إتفاق 2015 هو اقصى ما يمكن الوصول إليه ،وأنه لولا إنسحاب الرئيس ترامب تحت ضغط إسرائيل ما زال العمل قائما به، لكنها الأن أمام موقف تفاوضى جديد بمتغيرات وتطورات ومعطيات لا بد أن تؤخذ في الإعتبار من قبلها كقوة عالمية ،ويأتي في مقدمتها الحفاظ على أمن وبقاء إسرائيل وهذا أهم المتغيرات والمحددات التي تحكم الموقف الأمريكي إلى جانب قلق وتخوفات دول المنطقة من قوة إيران النووية .وأهداف الولايات المتحدة أولا الحؤول دون ان تصبح إيران دولة قوة نووية رسميا ومعترفا بها كأحد أعضاء النووي الجديد،لأن هذا يعنى إعترافا بمصالحها ومناطق نفوذها في المنطقة ، وان يكون لها تأثير على القرار الدولى في المنطقة.والهدف الثانى الإعتقاد ان من شأن الاتفاق الجديد ان يعمل على إعتدال النظام الإيراني بتبنيه سياسات أكثر واقعية بإندماجه من جديد في النظام الدولى وتجديد علاقاته الدولية التي سيحرص للحفاظ عليها ،ويقلل من النزعة التشددية التى تحكم بعض القوى المسيطرة في إيران.والهدف الثالث دعم موقف التيارات الإصلاحي وتحسين موقفها ،ورابعا تحسين الوضع الإقتصادى الذى سيحرص النظام الحفاظ عليه لأنه البديل لها من الإضطرابات الداخلية . هذا الموقف الأمريكي تحكمه العديد من المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية .ابرزها الحرب ألأوكرانية ومحاولة روسيا تشكيل تكتلات وتحالفات دولية جديدة في قلبها إيران كما رأينا في زيارة الرئيس بوتين الأخيرة لطهران ، ومن ناحية أخرى التنافس الصينى ومعاهدة الشراكة الإستراتيجية بين الصين وإيران. وإقليميا الموقف الإسرائيلي الضاغط على الولايات المتحده بالتشدد وعدم تقديم تنازلات جوهريه،، وموقف دول المنطقة كالسعودية العربية والإمارات والحرب في اليمن والتدخلات الإيرانية وتوجه هذه الدول نحو تنويع شراكاتها الدولية ,وفى الوقت ذاته يبدو ان الولايات المتحدهة لا تريد حريا إقليمية شامله تجد نفسها متورطة فيها في الوقت الذى تتبنى فيه مقاربة تقليص وجودها في المنطقة.هذا الموقف قد ينعكس على المرونة التي تبديها الولايات المتحجه فيما يخص حجم العقوبات والضمانات المقدمة.من جانبها إيران وهى المستفيد ألأكبر من أي إتفاق جديد لأن طموحاتها لن تتعدى الاتفاق الأصلى.فإيران من جانبها ترى أنها قد نجحت في التغلب على العقوبات التي فرضت عليها، وأنها نجحت أيضا في رفع نسب التخصيب التي قد أوصلتها إلى ما يعرف اليوم بدولة عتبة النووي ، وهذا قد يكون كافيا في هذه المرحلة ، وطورت من قدراتها الصاروخية التقليدية والفضائية والطائرات المسيرة ودعمت من وجودها في المنطقة ، وبات لديها وكلاء كثيرون في المنطقة ، ولها حضور في العديد من دول المنطقة كاليمن وسوريا ولبنان وليبياوفلسطين وهذا يعنى تحكمها في القرار السياسى للمنطقة.وتريد إيران رفع العقوبات وعودة الإستثماارت النفطية والتصدير وقدرة أكبر على تمويل علاقاتها ووكلائها في المنطقة وأيضا ليس من مصلحة إيران الذهاب لحرب شاملة قد تعرض نظامها للخطر والإنهيار. هذا ما سيحققه الاتفاق الجديد وكما جاء في تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات في واشنطن فإن إيران ستكون قادرة على إستعادة ما يقدر 1,3 تريليون دولار خلال سبع سنوات على النحو التالى:131 مليار دولار أرصدة محتجزة، 507 مليار دولار عوائد نفطية ، 365 مليار دولار غير نفطيه، 72 مليار دور تخفيض في تكاليف الإستيراد.
ولا شك فإن الاتفاق فقط قد يؤخر قدرة إيران على صنع قنبلة نووية ، وسيساعد الغرب في التعامل مع أزمة الطاقة ، وسيعمل على تحسين أزمة الطاقة عالميا من خلال تصدير مليون برميل يوميا وهى كمية كبيرة.ويبقى كما جاء في تقرير للفورين بوليسى أن الصفقة أضعف من سابقتها لأنها ستعرض على إيران المستفيد ألأكبر الكثير من العوائد.وتبقى التساؤلات قائمه حول قدرة الاتفاق في التعامل مع الأسلحة الصاروخية التقليدية والفضائية والمسيرات ومناطق النفوذ في المنطقة ، وقدرة الولايات المتحده على تطمين حلفائها في المنطقة للخطر. وهذا الاتفاق سيكون أقرب للمباراة الغير صفرية زائد واحد في صالح إيران.ويبقى الخطر الحقيقى إحتمالات ضربة عسكرية إسرائيلية إستباقية.
عنوانا التّطبيع وإيران في مقابلة الأمير محمّد بن سلمان
22 سبتمبر 2023