خلال الأيام الماضية بعث المكتب الإعلامي في غزة رسائل إلى عدد من وسائل الإعلام العالمية والغربية، ووكالات الأنباء المعتبرة، وشرح لهم خطيئة تبني الرواية الإسرائيلية المتعلقة بأطفال جباليا الخمسة من عائلتي نجم وأبو كرش، الذين استشهدوا خلال الحرب الأخيرة، والذين زعم الاحتلال أنهم كانوا ضحية الصواريخ المحلية، ثم بينت التحقيقات أنهم استشهدوا نتيجة قصف اسرائيلي مباشر استهدفهم في منطقة لم يكن فيها أي قتال أصلاً. التواصل مع وسائل الإعلام الغربية، وشرح الرواية الفلسطينية لهم هو تحرك بالغ الأهمية، ومن شأنه إحداث تغيير في الرأي العام العالمي، لكنه يحتاج إلى استراتيجية مدروسة، ويحتاج أيضاً إلى تجديد الخطاب الفلسطيني.
من المهم جداً بناء علاقات ودية وطيبة مع وسائل الإعلام الغربية، ومن المهم أيضاً أن يتوفر ناطقون إعلاميون مدربون ويجيدون اللغات الرئيسية في العالم، لاسيما الإنكليزية والفرنسية، وهذا ينسحب على غزة والضفة الغربية، بل يمتد إلى الفصائل الفلسطينية كافة، التي يجب أن تجيد تبني علاقات جيدة مع العالم، وتتجنب العزلة والانكفاء.
التواصل مع وسائل الإعلام الغربية، وشرح الرواية الفلسطينية لهم تحرك بالغ الأهمية، ومن شأنه إحداث تغيير في الرأي العام العالمي
خلال الحرب الأخيرة على غزة والأيام التي تلت تلك الحرب أنفقت إسرائيل مبالغ مالية ضخمة لتمويل حملة دعائية مدفوعة الثمن إلى شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت المستخدمين في أوروبا، وكانت تحت عنوان (Israel under attack)، وكان من يفتح أي مقطع للفيديو على «يوتيوب» مثلاً يُشاهد أولاً دعاية من ثوانٍ معدودات تُظهر الصواريخ الفلسطينية، وتقول إنها صواريخ من منظمة إرهابية تسقط على رؤوس المدنيين في إسرائيل، وهذه الحملة ليست الأولى، ولا الوحيدة من نوعها، بل هي استكمال لحملات سابقة تهدف إلى توجيه الرأي العام الغربي والعالمي للتعاطف مع الإسرائيليين وتبني روايتهم للصراع. وإذا كان الإسرائيليون الذين يمتلكون آلة إعلامية عملاقة وضخمة على مستوى العالم، يشعرون بالحاجة لمثل هذه الحملات، ويدفعون الأموال الطائلة من أجل تمويل هذه الدعاية، فمن باب أولى أن يكون الفلسطينيون بحاجة لها، سواء السلطة الفلسطينية في غزة، أو في رام الله. يريد الإسرائيليون الإيحاء للعالم بأنهم يتعرضون للاعتداء، وأنهم في حرب تقليدية مع دولة مجاورة معتدية هي قطاع غزة، ويريدون لفت الأنظار عن 17 طفلاً فلسطينياً قتلتهم غارات الاحتلال خلال ثلاثة أيام، كما يريدون التعتيم على حقيقة الحرب وتفاصيلها، ودفع الناس للاعتقاد بأنها حرب تقليدية بين دولتين تتصارعان على المصالح. واقع الحال أن الخطاب الإعلامي الفلسطيني لا يزال قاصراً ويحتاج لكثير من التجديد والتحديث، وما قام به المكتب الإعلامي في غزة من تواصل مع وسائل الإعلام الغربية، يمكن أن يكون خطوة أولى في استراتيجية أكبر وأوسع تصب في اتجاه شرح الرواية الفلسطينية للعالم وترويجها، وكشف الأكاذيب الإسرائيلية التي يسوقها الاحتلال، ويُنفق أموالاً طائلة من أجل ترويجها. وإلى جانب ضرورة تحديث الخطاب والنشاط الإعلامي الفلسطيني، فإن الفلسطينيين بحاجة لتحديد المصطلحات وتوحيد الرواية، إذ يجب أن يشرح الفلسطينيون للعالم أن قطاع غزة لا يزال أرضاً محتلة بموجب قرارات الشرعية الدولية، وأنَّ ما حدث في عام 2005 لم يكن سوى إعادة انتشار لجيش الاحتلال، وأن إسرائيل هي التي تتحكم في سمائه وبحره وحدوده، وتفرض حصاراً عليه يصل إلى حد تجويع السكان المدنيين، وهذا يعني بالضرورة أن ما يحدث ليس «حروباً» وإنما هو عدوان تشنه قوة احتلال على مدنيين يعيشون – قسراً – تحت هذا الاحتلال. ثمة ضرورة للحفاظ على السردية الفلسطينية في العالم؛ فالفلسطينيون ما زالوا تحت الاحتلال، وإسرائيل ما زالت ترفض تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقراري مجلس الأمن (242) و(338)، وما يحدث في غزة منذ عام 2008 هو حملات عسكرية إسرائيلية ضد المدنيين، والحال نفسه يحدث في مدينة جنين وفي نابلس والخليل، وأماكن أخرى من الأرض المحتلة.. هذا هو الخطاب الذي يجب أن يصل إلى العالم.
كاتب فلسطيني