الحكم على الحلبي: قصة المعتقلين الفلسطينيين

thumb (1).jpg
حجم الخط

بقلم أشرف العجرمي

 

 

أصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية أمس، حكماً باثنتي عشرة سنة اعتقال ضد الأسير محمد الحلبي المعتقل منذ شهر حزيران من العام 2016، وذلك بعد أن امتدت جلسات محاكمته إلى 172 جلسة في أطول محاكمة لأسير فلسطيني منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1967، وهذا الحكم هو في الواقع ذروة الظلم الذي لحق بهذا المعتقل والمتهم بناء على اعترافات جاسوس دسه جهاز الأمن العام «الشاباك» في زنزانته. وقصة الحلبي يمكنها أن تلخص عمليات الاعتقال التي تجري بحق الفلسطينيين والتي تجاوزت من حيث العدد الثمانمائة ألف حالة منذ عام 1967، حيث لايزال الأسرى يعانون ويخوضون النضال من أجل أبسط حقوقهم وبعضهم على حافة الموت.
الحلبي ضحية لسياسة إسرائيلية استهدفت المنظمات الدولية التي تقدم مساعدات للشعب الفلسطيني ومنها مؤسسة «الرؤية العالمية» (World Vision) التي عمل فيها الحلبي مديراً حتى اعتقاله. فالسلطات الإسرائيلية غالباً ما توجه اتهامات للمنظمات الدولية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية سواء التي تقدم الدعم لهم كمنظمة «الأونروا» وغيرها، أم التي تنشط في مجال حقوق الإنسان وتفضح الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية والدائمة لحقوق الفلسطينيين. واعتقال الحلبي وإدانته يستهدف منظمة «الرؤية العالمية» التي توجه إليها إسرائيل تهمة مساعدة حركة «حماس» بتحويل الأموال لها لتعاظم قواتها العسكرية وتبني الأنفاق.
وعند اعتقال محمد الحلبي عملت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على إيقاعه للحصول على أي اعتراف يمكنه أن يدين المنظمة الدولية، فقامت بوضع جاسوس ادعى أنه قيادي في حركة «حماس» وهدد الحلبي وأخافه باتهامه بالعمالة، ما جعل الأخير يحاول إرضاءه بأي شكل حتى لو كان بتزويد قصص ملفقة عن تعاونه مع حركة «حماس». وقام هذا الجاسوس بإبلاغ السلطات الأمنية باعتراف الحلبي بالتعاون مع «حماس» وتحويل الأموال لها من مؤسسة «الرؤية العالمية» التي هو مديرها في غزة. وقد وجدت إسرائيل ضالتها في هذه الاعترافات المخالفة للقانون، والتي تمت بالتهديد وبعد التعذيب والضرب الذي تعرض له هذا المعتقل لأكثر من شهرين. مع العلم أن السلطات الإسرائيلية قد داهمت مقرات «الرؤية العالمية» في القدس في الثاني عشر من تموز عام 2016 أي بعد أقل من شهر من اعتقال الحلبي وحصلت على كل الوثائق التي أرادتها واستجوبت المدير المالي للمؤسسة، ولكنها لم تجد أي خلل في الأمور المالية والمحاسبية، بما يمكن أن يخدم ادعاءاتها.
شهادة الجاسوس كانت هدية من السماء للحكومة الإسرائيلية، وعلى أثرها أصدر جهاز «الشاباك» بياناً غير معتاد يقول فيه إن الحلبي اعترف بتحويل 7.2 مليون دولار لمدة سبع سنوات إلى حركة «حماس» أي ما يزيد على الخمسين مليون دولار. وبطبيعة الحال هذه أشبه برواية خيالية لا يستطيع أديب مبدع حياكتها، ولا يمكن لأي جهة وازنة في العالم تصديقها، لدرجة أن المنظمات الدولية وحكومات عديدة رفضتها وطالبت إسرائيل بالإفراج عن الحلبي.
الغريب في قصة الحلبي التي تتكرر مع العديد من الأسرى والمعتقلين هو الاعتماد على شهادة جاسوس زج به إلى الزنازين لإيقاع المعتقل والحصول منه على اعتراف. وهذه الشهادة التي يدلي بها الجاسوس باعتبارها اعترافاً من الأسير لا تشكل دليلاً موثوقاً في أي محكمة تعتمد حتى على قوانين جائرة كقوانين وأنظمة الحكم العسكري الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة. وبعد كل عملية احتيال كهذه كانت سلطات الاحتلال تسعى باستماتة للحصول على اعتراف المعتقل نفسه. حيث إن هناك وسيلتين للإدانة: الاعتراف المباشر للسجين. أو اعتراف الغير حسب قانون «تامير»، والغير هنا شخص عمل مع السجين أو لديه معلومات مؤكدة ومثبتة حول قيامه بالعمل وفق التهم المنسوبة إليه. وفي حالة الحلبي لا يتوفر أي مقوم للإدانة، فشهادة الجاسوس لا يتم التعامل معها قانونياً باعتبارها دليل إدانة.
والأدهى أن الحلبي أدين بتهم أوسع حتى من اعترافات العميل التي قال إن الحلبي حدثه بها في الزنزانة. وهذا يؤكد بشكل قاطع أن إسرائيل كانت تبحث عن إدانة للحلبي والمؤسسة، وليس مهماً كيف وبأي ثمن. ومن جلسات محاكمة هذا المعتقل نستطيع أن ندرك مدى الرغبة الإسرائيلية في اعتراف الحلبي الذي تمت مساومته على الإفراج عنه مقابل الاعتراف بجزء من التهم المنسوبة إليه حسبما أكد محاميه قبل قرار الإدانة الذي صدر في شهر حزيران الماضي.
نحن هنا أمام محاولات تجريم الفلسطينيين وشيطنتهم على اعتبار أن الشعب الفلسطيني لا يستحق المساعدة وربما لا يستحق الحياة في العرف الإسرائيلي، وبالتالي ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من قتل واعتقال واعتداءات وهدم بيوت ومصادرة أراض وتكثيف الاستيطان وتهويد المناطق الفلسطينية المحتلة هو شيء طبيعي. وللأسف ما يشجع إسرائيل على جرائمها وعدوانها الدائم على الشعب الفلسطيني هو الغطاء الدولي الذي يمنح لها من الولايات المتحدة والغرب عموماً، وسياسة الكيل بمكيالين تجاه خرق حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب، والاحتلال المستمر منذ القرن الماضي.