تنهال على الكاتب الإسرائيلي أ. ب. يهوشع، الذي توفي قبل أكثر من شهر، اتهامات من ناطقين مفوّهين بلسان اليمين الإسرائيلي، فحواها أنّه، في أثناء حياته، وبالأخص في آخر سنوات عمره، بدرت عنه ترّهات وسفاسف سياسية كثيرة لم يلق أحد بالاً إليها، ولم تُستهجن على نطاق واسع، بالأساس، بسبب قيمته الأدبية السامية.
ويُشار من بينها، مثلاً، إلى ما قاله في آخر مقابلة له، في صحيفة يديعوت أحرونوت (نشرت في 21/4/2022)، أنّ ما يسمّى "حلّ الدولتين لشعبين" لفظ أنفاسه الأخيرة في ضوء الاستيطان الكولونيالي الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، ودعا إلى إقامة دولة واحدة لليهود والفلسطينيين.
وأثارت هذه الدعوة في حينه حفيظة أحد النقاد الإسرائيليين (موشيه غرانوت)، فكتب إلى يهوشع رسالة قال فيها إن دعوته السالفة غير واقعية بتاتاً، لأنّ مجرّد وجود إسرائيل دولة لليهود غير شرعي في نظر الفلسطينيين. ووفقاً للناقد، اتصل يهوشع به إثر رسالته، واتهمه بأنّه يصدُر في موقفه هذا من منطلق الكراهية والعنصرية الآخذة بالتفشّي في المجتمع الإسرائيلي حيال الفلسطينيين. وبحسب ما كتب غرانوت، ادّعى يهوشع أنّ "اليهود هم الذين كانوا البادئين بنهب أراضي العرب، ولذا فإنّ هؤلاء الأخيرين ينتقمون منهم". وبرأيه، "العرب أفضل بكثير من الأوروبيين الذين أقدموا على إبادة اليهود (إبّان الهولوكوست). كما أنّ اليهود عاشوا في سلام ووئام في الدول العربية، وبالتالي، ثمّة إمكانية جيدة لأن يعيش الطرفان معاً".
طبعاً ثمة فارق كبير بين موقف كلّ من الكاتب والناقد وما يستنتجانه، إنّما من الحقّ أن يُشار إلى أنّه بالرغم من الهجوم الذي يمكن توصيفه بأنّه حادّ، الذي يأخذ الناقد على الكاتب توجيهه إلى الإسرائيليين، فإنّ كليهما لا يقتربان من حقائق كثيرة، كي يزيّن كل منهما لنفسه، وكذلك للآخرين، سبيل البقاء خارجها وبمنأى عن دلالاتها. مهما تكن تلك الحقائق، فإنّ لحقيقة واحدة منها دلالة أعمق وأشدّ وقعاً، هي الهروب من الإقرار بأنّ الأيديولوجيا الصهيونية وصنيعتها إسرائيل أوجدتا مسخاً عنصرياً متبجحاً ما انفكّ يسرق الأرض وكلّ ما فوقها وتحتها والتاريخ في فلسطين كلها، بينما يداه ملطّختان بالدماء بذرائع أمنية.
مع ذلك، يجدر أن ننوّه بأنّ يهوشع يُعدّ أحد أبرز من يعرفون باسم "أدباء جيل الدولة"، ومنهم أيضاً عاموس عوز ويورام كانيوك ودافيد غروسمان وغيرهم. وقد تعرّف قراء عرب عليه في ثمانينيات القرن العشرين الفائت من خلال الترجمة العربية لروايته "العاشق". وهو ممن يؤكّدون "أنّ لدى اليهود استخفافاً عاماً بأوطان الآخرين. ومن هنا عدم اكتراثهم شبه المطلق بما ألحقوه ويلحقونه من خراب وتدمير بوطن الفلسطينيين، ولا سيما بعد احتلال 1967". لكنه في الوقت عينه يؤكّد أن السبب المركزي لمجيء اليهود إلى فلسطين يعود إلى نشوء الصهيونية على خلفية عداء الدولة القومية العلمانية للسامية، الذي بدأ في عام 1880 ودفع مؤسس الحركة الصهيونية هرتسل وزملاءه إلى التفكير بأنه لا توجد إمكانية للتصحيح، وينبغي إخراج اليهود من الشتات، وأنّ الحلّ ليس بتغيير العالم، وإنّما بتغيير اليهود وجعلهم طبيعيين، بأن يكون لديهم أرض وبلد وإطار وحكم ذاتي، وهو ما تحقّق في إثر المحرقة النازية، وتشكّل إجماع عالمي على ضرورة إيجاد حلّ لـ"المسألة اليهودية". كما أنّه من أوائل الذين وصفوا النظرة إلى الإنسان العربي في الذهنية الإسرائيلية العامة، إذ أورد على لسان "نعيم" البطل العربي لرواية "العاشق"، جملة تعكس تجاهل وجود الآخر ومشاعره في هذه الذهنية، جاء فيها: "قال نعيم: ينبغي بنا نحن (يقصد الفلسطينيين في أراضي 1948)، الذين نكاد نقضي اليوم كله إلى جانبهم (يقصد اليهود)، أن نكون حذرين للغاية. كلا، إنّهم لا يكرهوننا. إنّ الذي يعتقد أنهم يكرهوننا يرتكب خطأ فادحاً، فنحن خارج نطاق كراهيتهم، نحن أشبه بظلال بالنسبة إليهم!". عن "العربي الجديد"