تغيير دراماتيكي في المواجهة: الضفة في الطريق إلى انتفاضة من "نوع جديد"

حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد


قبل بضع سنوات، أصدرت شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي "إخطارا استراتيجيا" عن الاشتعال في الساحة الفلسطينية، ومنذئذ يظهر هذا في كل تقدير استخباري سنوي لشعبة الاستخبارات. في خيالنا، يفترض أن يبدو الاشتعال انفجارا شعبياً كما في الانتفاضة الأولى، أو موجة "الإرهاب" في الانتفاضة الثانية، ولكن يحتمل أن يكون ما نراه في الأسابيع الأخيرة كل ليلة في "يهودا" و"السامرة" هو وجه انتفاضة من نوع جديد.
لم تعد صور مئات الفلسطينيين وهم يهاجمون بالطوب وبالنار الحية قوات الجيش الإسرائيلي تأتي فقط من جنين أو من نابلس. في الأسابيع الأخيرة، نرى هذه الصور تأتي من كل مدينة، ومن كل قرية، وحتى من المنطقة البلدية للقدس. كل اقتحام ليلي للجيش الإسرائيلي لتنفيذ اعتقال، وكل منطقة فلسطينية مهما كانت، تشتبك، اليوم، بعنف واسع وقاس.
على مدى السنين، ساد الافتراض بأنه توجد الكثير من العوامل التي تلجم نشوب العنف في الساحة الفلسطينية. سواء الوضع الاقتصادي المحسن، مقارنة بغزة وباقي الدول العربية، أم طبيعة الجيل الذي يهتم أساسا بتحقيق ذاته أكثر من اهتمامه بتحقيق التطلعات الوطنية. لكن ما نراه مؤخرا في "يهودا" و"السامرة" يشير إلى تغيير دراماتيكي للمواجهة مع الفلسطينيين.
جموع الشبان، الذين يهاجمون الجيش الإسرائيلي في كل دخول، يختلفون في مزاياهم عن نشطاء "الإرهاب" التقليدي الذي عرفناه. هم يعيشون في الشبكة، ولا يتماثلون مع أي من منظمات "الإرهاب"، التي تعد في نظرهم مؤسسة قديمة. هم يتابعون باهتمام شديد ما يحصل في إسرائيل ويروون في التحقيقات بأن الانقسامات الداخلية في إسرائيل تبدو في نظرهم تفككاً للمشروع الصهيوني. هم يريدون ازدهارا ذاتيا لكنهم ملوا أيضا متاعب الحياة تحت الاحتلال. لن يقيم معظمهم بأنفسهم خلية "إرهاب"، لكن سلسلة عمليات "ناجحة" من شأنها أن تثير فيهم إلهاما للخروج وللتنفيذ بأنفسهم.
معطى مثير للاهتمام هو عدد الزجاجات الحارقة التي ألقيت. فإعداد زجاجة حارقة ليس كرشق حجر ولا حتى طوبة. الزجاجة الحارقة ليست نتيجة رد فعل عفوي، بل نتيجة قرار مسبق لشخص قرر أن يعد الزجاجة في اللحظة التي يلتقي بها قوات إسرائيلية. منذ بداية السنة، القي قرابة ألف زجاجة حارقة نحو قوات الجيش الإسرائيلي ومدنيين إسرائيليين. هذا المعطى بحد ذاته يفيد بتغير المجتمع الفلسطيني وطبيعة المواجهة.
إسرائيل هي الأخرى ساهمت بنصيبها في هذا التغيير. فكل صباح تقريبا في السنة الأخيرة بدأ بجنازة فلسطيني قتل في احتكاك مع الجيش الإسرائيلي. في الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة، قتل 85 فلسطينيا بنار الجيش الإسرائيلي. ولغرض المقايسة – في كل الـ 12 شهرا من العام 2021، بما في ذلك حملة حارس الأسوار، قتل 79 فلسطينيا في "يهودا" و"السامرة". كل قتيل كهذا يفتح دائرة عداء ويشعل مشاعر ثأر جديدة.
في أعقاب سلسلة العمليات القاسية في شهري آذار – نيسان، انقض الجيش الإسرائيلي، حقاً، على "يهودا" و"السامرة". صحيح أن منفذي العمليات لم ترسلهم شبكات "إرهابية" مؤطرة، بل كانوا أساسا نتاج مبادرات محلية، لكن ما يسمى حملة "محطم الأمواج" تستهدف تثبيت حرية عمل كاملة للجيش الإسرائيلي في كل مناطق الضفة في ظل جهد واضح لتعزيز الدفاع في خط التماس.
هذان الهدفان المهمان تحققا في غضون وقت قصير، لكن الحماسة التي أشعلتها في حينه تواصل الاشتعال بكل قوتها في الجيش الإسرائيلي وفي فرقة "المناطق". ففي كل ليلة، يبعث قادة عسكريون بعيون لامعة مئات المقاتلين لاعتقال مطلوبين فلسطينيين في عمق "المناطق". كل حملة تحظى بوصف بطولي، وكأنها احتلال جبل الشيخ، وكل فتى ابن 18 من القصبة يحظى بلقب "مخرب كبير".
القادة العسكريون الصغار يمكن أن نتفهمهم. فالألوية القتالية للجيش الإسرائيلي لم تجتز حدودا منذ سنين، والاعتقال في "المناطق" هو درة تاج النشاط العملياتي الذي يشهده المقاتلون، اليوم. من القادة العسكريين الذين فوقهم يمكن أن نتوقع نظرة أوسع.
في "الشاباك" يقسمون بأن كل الاعتقالات التي تنفذ ضرورية. لكن في "الشاباك" دوما يفرحهم كل زبون يدخل غرفة التحقيق. ليس كل "مخرب" هو قنبلة متكتكة. وليس حكم خلية خرجت لتنفيذ عملية إطلاق نار في مستوطنة إسرائيلية كحكم مسلح اطلق النار على قوات الجيش الإسرائيلي عندما دخلوا حيه. ثمة أولئك ممن ينبغي اعتقالهم على الفور وثمة من يمكن اعتقالهم بعد أسبوع أيضا.
في كل حملة، ينبغي وزن قيم الاعتقال مقابل الثمن الذي يخلقه بالاحتكاك مع الطرف الآخر. فهم وزير الدفاع غانتس هو أيضا هذا، مؤخراً، وطلب، الأسبوع الماضي، البدء بفحص الحاجة بشكل أفضل لكل اعتقال وكيفية تقليص عدد المصابين الفلسطينيين.
يسحق النشاط الإسرائيلي المعزز أكثر فأكثر المكانة المهزوزة للسلطة الفلسطينية. منذ اليوم يوجد غير قليل من المناطق في "يهودا" و"السامرة" التي تمتنع أجهزة السلطة عن الدخول إليها. كل عمل إسرائيلي ينتهي بمصابين يقلص اكثر فأكثر نجاعتها.
على مدى السنين، تحدثوا عندنا عن الحاجة إلى الاستعداد لـ"اليوم التالي لأبو مازن". الطبيعة لم تفعل فعلها بعد، لكن عمليا هذا اليوم حل وهو هنا. يتصرف أبو مازن كشخصية رمزية، وتجري صراعات الخلافة منذ الآن.

عن "معاريف"