بدأ الاتفاق النووي الجديد يتشكل. الافتراض في إيران وفي واشنطن، حتى لو كانت هناك حاجة إلى جولة محادثات أخرى من أجل استكمال صيغة المسودة، هو أن الطرفين كما يبدو وصلا إلى نقطة اللاعودة.
مشاعر نهاية السباق يمكن الشعور بها بالعصبية وعدم اليقين الذي يميز، مؤخراً، سوق النفط. قبل بضعة أيام أعلنت السعودية بأنها تميل إلى إقناع منظمة «أوبيك +» إلى التوصية بتقليص حصص بيع النفط. كما يبدو فإن هذا التحذير السعودي استهدف الضغط على الرئيس الأميركي، جو بايدن، كي لا يوقع على الاتفاق النووي. ولكن السعودية يتم إبلاغها بجميع مراحل المفاوضات.
السعودية تستعد لحرب أسعار
مقابل إسرائيل، التي ما زالت تعتقد بأنه ما زال يمكنها منع الاتفاق أو على الأقل أن تدخل عليه بعض تعديلات اللحظة الأخيرة، باتت السعودية تسلم به، وليس فقط من الآن. استهدفت جولات محادثات المصالحة، التي أجرتها في هذه السنة مع ممثلين إيرانيين رفيعي المستوى في بغداد، استكمال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين والتي تم قطعها في العام 2016، وتنسيق استراتيجية تسويق النفط قبل التوقيع على الاتفاق. وقد سبقتها دولة الإمارات، التي قبل نحو أسبوعين عينت سفيرا لها في إيران، وبذلك خرقت بشكل رسمي التحالف العربي المناهض لإيران، الذي لم ينجح في إحداث انعطافة في سياسة إيران.
يتوقع أن يرفع الاتفاق النووي معظم العقوبات عن إيران، التي فرضت عليها في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، عندما قرر الانسحاب من الاتفاق في 2018. سيفتح هذا الرفع أمام إيران من جديد سوق النفط العالمية، وسيمكنها القيام بتجارة دولية وتسلم نحو 100 مليار دولار، هي مجمدة في حسابات بنكية في الخارج، وتجنيد استثمارات ضخمة لتطوير آبار النفط وحقول الغاز فيها والبنى التحتية. أيضا في ظل نظام العقوبات نجحت إيران في تسويق 500 – 800 ألف برميل نفط يوميا، بالأساس للصين، وعند التوقيع على الاتفاق سيمكنها تغذية السوق بأكثر من 50 مليون برميل في المرحلة الأولى من الاحتياطي الموجود. يقدر الاحتياطي بـ 60 – 80 مليون برميل (وربما اكثر)، مخزن على سفن وفي مواقع مختلفة في آسيا.
بعد ذلك يتوقع أن تسوق إيران نحو 2.5 مليون برميل يوميا، وأن تزيد الإنتاج إلى اكثر من 3.5 مليون برميل يوميا، بعد فترة الترميم وإعادة التأهيل لمنشآتها النفطية.
بالنسبة للسعودية هذه بشرى سيئة. فإيران سترغب في إعادة زبائن قدامى إلى حضنها مثل الهند وكوريا الجنوبية، وحتى منافسة روسيا، وستضطر إلى إعطائها تسهيلات حقيقية، وستضع السعودية ودول الخليج أمام منافسة أسعار يمكن أن تضر ببرامجها للتطوير والتمويل. إذا كان تحذير السعودية قد تسبب برفع أسعار النفط من جديد إلى مستوى 100 دولار للبرميل تقريبا، فان دخول إيران يتوقع أن يخفض هذا المستوى من جديد. أيضا إذا كانت ميزانية السعودية تعتمد على سعر 80 دولاراً للبرميل فان تخفيضا كبيراً يمكن أن يلحق بها عجزا عميقا في الميزانية، ويعيق برامج بناء المشاريع الضخمة التي يخطط لها ولي العهد، محمد بن سلمان، حتى نهاية العقد.
مركز دولي جديد للغاز
حرب الأسعار، التي يتوقع أن تشتد في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، هي فقط أحد التحديات الاستراتيجية التي تضعها إيران أمام الاقتصاد العالمي.
في تموز الماضي التقى في طهران الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في قمة احتفالية.
رسميا استهدفت هذه القمة فحص الوضع في سورية وتهديد غزو تركيا لسورية.
مع ذلك كانت إحدى النتائج المهمة في هذه القمة مذكرة تفاهم تم التوقيع عليها بين روسيا وإيران حول التعاون بينهما من أجل تطوير حقول الغاز في إيران باستثمار روسي يبلغ نحو 10 مليارات دولار، إضافة إلى استثمارات روسية في حقول النفط بنحو 30 مليار دولار. يطمح البرنامج إلى اكثر من ذلك. فحسب تقارير في وسائل الإعلام الإيرانية فان القصد هو تشكيل منظمة إقليمية تشبه «الأوبيك» لتسويق الغاز، يكون فيها إلى جانب روسيا وإيران أعضاء من دول أخرى في المنطقة.
ما زالت إيران حتى الآن ليست دولة غاز عظمى، بالأساس بسبب عدم وجود البنية التحتية. وهي تستهلك تقريبا الكمية التي تستخرجها. وفي كل شتاء تكون في حالة عجز يبلغ 250 مليون متر مكعب يوميا. ولكن مع تطوير بنى تحتية مناسبة فهي ستستطيع البدء بتسويق الغاز لدول مجاورة من بينها العراق وتركيا والأردن، حيث يتم، الآن، بناء أنبوب غاز يربط إيران مع باكستان بتمويل من روسيا.
الشراكة بين روسيا وإيران هي حتى الآن فقط على الورق. ومن غير المعروف إذا كانت لروسيا قدرة تمويلية لتنفيذ هذا المشروع في الوقت الذي تدير فيه حربا في أوكرانيا، التي تكلفها مئات ملايين الدولارات يوميا. وهي نفسها غارقة تحت عقوبات دولية.
في المقابل، التعاون مع إيران يمكن أن يشق لروسيا طريقا تتجاوز العقوبات، التي من خلالها تستطيع روسيا أن تنقل الغاز لإيران وأن تكون متحررة من العقوبات وأن تبيع بوساطتها الغاز الروسي، للمفارقة، حتى للدول الأوروبية.
هكذا تستطيع إيران أن تشكل مركز تسويق عالميا للغاز الذي سيعمل تحت سيطرة روسيا.
من شأن استراتيجية الغاز الإيرانية أن يكون لها أيضا تأثير بعيد المدى على التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وعلى اتفاقات تجارة الغاز التي تم التوقيع عليها بين منتجات إقليميات مثل إسرائيل ومصر وبين زبائنها في أوروبا.
الاحتكار الصيني
لكن قبل أن تتحول إيران إلى مزودة عالمية للغاز ستجد نفسها أمام الاتفاق طويل المدى الذي وقعت عليه قبل نحو سنة ونصف مع الصين، والذي تعهدت فيه الصين بأن تستثمر في إيران حوالى 400 مليار دولار على مدى 25 سنة مقابل احتكار شبه كامل لإنتاج الغاز والنفط في إيران. رغم أن تفاصيل الاتفاق لم تنشر علنا إلا أن تسريبات عن مضمونه تتحدث عن نسبة التخفيض التي ستحصل عليها الصين على الغاز والنفط الذي ستشتريه من إيران، التي ستكون في المتوسط 12 في المئة.
إضافة إلى ذلك يمكن للصين إرسال جنود أو رجال أمن إلى إيران من اجل الدفاع عن منشآت التنقيب والإنتاج.
وتستطيع إقامة قواعد عسكرية في عدد من الجزر في جنوب إيران. من غير الواضح كيف سيتساوق تطبيق هذا الاتفاق مع مذكرة التفاهم التي وقعت عليها إيران مع روسيا ومع توقها إلى بيع الغاز للدول الأوروبية ومع فكرة إنشاء منظمة تشبه «الأوبيك»، هدفها تركيز تسويق الغاز تحت سقف إيران وسيطرة روسيا.
صحيح أنه حتى لو باعت إيران كل نفطها للصين، وهذا سيناريو نظري حتى الآن، فان كميات كبيرة من النفط ستتحرر، تشتريها الآن الصين من مصادر أخرى.
وهذه ستبحث عن أسواق جديدة. التأثير المتوقع من هذا السيناريو هو أن دولا مثل السعودية وأعضاء «أوبيك» الآخرين سيضطرون إلى أن يقلصوا بصورة كبيرة تصدير النفط من اجل الحفاظ على مستوى معقول من أسعار الحد الأدنى التي تسمح لها بتمويل احتياجاتها الجارية.
إزاء هذه التنبؤات يقدر اقتصاديون في السعودية بأن الذعر سابق لأوانه. حسب قولهم، ستعرف سوق النفط دائما كيفية موازنة نفسها، وكذلك فإن الكميات التي تستطيع إيران تزويدها، على الأقل في السنة القادمة، هي فقط ربع إجمالي إنتاج السعودية الآن، حيث يبلغ 12 مليون برميل يوميا.
عن «هآرتس»