أين القنبلة العربية؟

30_1428063573_9503
حجم الخط

 

وسط سباق محموم على التسلح وتطوير القدرات الهجومية والدفاعية الحربية التي تضع الدول على خريطة النظام الدولي، لا ينفك العرب ينشغلون في أوضاعهم الداخلية والتعمق في قضايا متدنية بعيدة كل البعد عن التفاعل مع حركة تطور المجتمع والعالم.
قبل عدة أيام كانت كوريا الشمالية تجرب قنبلة هيدروجينية تصنف على أنها سلاح نووي حراري فتاك يفوق القنبلة النووية التقليدية الانشطارية، وبالرغم من التحفظات الدولية على نوع وحجم هذه القنبلة والمردود التفجيري منها، إلا أن كوريا الشمالية مصممة على امتلاك الأسلحة النووية المتطورة سعياً لإيجاد مكانة متقدمة على سلّم النظام الدولي.
دول كثيرة انتابها القلق من التجربة الكورية الشمالية، لا يستثني ذلك جارتها الكورية الجنوبية التي تنظر إلى مثل هذه الاختبارات بمثابة رسائل تهديد ليس لسول فحسب، وإنما للأمن والسلم العالميين، وهو موقف يعتبر مشروعاً في إطار التوجهات الدولية للحد من امتلاك وانتشار السلاح النووي.
أضف إلى ذلك أن العالم اليوم مليء بالقنابل النووية التي تهدد الكرة الأرضية وتمحيها عن الوجود، ومن غير المستبعد في إطار التنافس الدولي الشديد على احتلال مكانة في النظام الدولي، أن تكون القنبلة النووية جزءاً من السلاح الاستراتيجي لأي حرب محتملة.
حين شعرت الولايات المتحدة الأميركية بعيد الحرب العالمية الثانية أن التهديد الياباني مسّ رجولتها، قررت استخدام القنبلة النووية لحسم الحرب التي أدت في النهاية إلى إلحاق الهزيمة بطوكيو واستسلامها بدون شروط.
هذا السلاح الذي استخدم آنذاك والموجود منه الآن بكثرة لدى دول كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل... إلخ، ليس هناك من تأكيد على أنه سيخضع للتخزين ولن يستخدم في الصراعات المستقبلية، والسبب رغبة الكثير من الدول في الحصول عليه وامتلاكه لخلق حالة من توازن الرعب العسكري مع أعدائها من الدول الأخرى.
سباق التسلح النووي ابتدأ في الأساس بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي آنذاك، تبعه دخول كل من بريطانيا وفرنسا والصين النادي النووي العالمي، وانفتحت شهية الهند على امتلاك قنبلة نووية حتى تخوف بها جارتها باكستان على وجه التحديد، إلا أن الأخيرة امتلكت هذه القنبلة وأسهم هذا الأمر في إيجاد حالة من التوازن العسكري بين الجارتين.
ثم إن حالة التسخين وتحول الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو إلى دمار شامل كادت أن تقع في ستينيات القرن الماضي، فيما يعرف بأزمة كوبا وتخزين الصواريخ النووية الروسية التي كان يمكن خلالها حدوث حرب نووية شاملة، لولا الوساطات الدولية وفتح قنوات اتصال سرية لتهدئة المخاوف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك.
التجارب الكورية الشمالية للصواريخ النووية التي بدأت عام 2006، جاءت استجابة لفكرة تعظيم قوة بيونغاينغ ضد دول مثل اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، خصوصاً وأن لامتلاك السلاح النووي خصائص تؤهل أصحابه للدخول في مسرح المساومات الدولية.
إسرائيل الدولة المارقة التي فرضت نفسها على الفلسطينيين والعرب بالقوة، تمكنت من امتلاك السلاح النووي، وهي تشتغل بسياسة الإخفاء وعدم الإفراج عن ترسانتها النووية، وكم عملت بالباع والذراع من أجل منع أي دولة عربية من امتلاك السلاح النووي.
ومع الأسف الشديد لم يفلح العرب في امتلاك مثل هذا السلاح الرادع، في ظل عالم متوحش يزداد توحشاً يوماً بعد يوم، وليس هناك من أفق لفرملة تطور الأسلحة النووية، إذ بالرغم من الدعوات الدولية ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا أن معظم الدول الكبرى تطور هذه الأسلحة وتزيد من قدراتها التدميرية.
ويبدو أنه من الصعب جداً نزع السلاح النووي من العالم، كونه سلاح استراتيجي فعّال في إدارة الأزمات الدولية ومصدر تخويف للدول، ويعطي امتلاكه قوة لمن يحمله، فليس من السهل أبداً على دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل أن تتخلى عنه.
وفي أغلب الظن أن هذه الدول الكبرى وأخرى تعمل في الخفاء، ستسعى جاهدة لتطوير ترسانتها النووية، لأنها تعتقد أن عناصر القوة تسهم في بلورة النظام الدولي الذي تتمناه، وهذا الأمر كان واضحاً في سباق التسلح الذي جرى سابقاً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً، وهو اليوم يأخذ أبعاداً مختلفة غير البعد العسكري التسلحي.
من كل ذلك نفض العرب أيديهم من امتلاك السلاح النووي، فهم في كل الأحوال غير قادرين على تصنيع سلاح نووي عربي مائة بالمائة، والسبب أنهم لا يمتلكون المعرفة وليس عندهم قاعدة إنتاجية متنوعة تؤهلهم لامتلاك مثل هذا النوع من الأسلحة.
الأهم من كل هذا أن دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية لا تريد للعرب أن يتطوروا ويسيروا للأمام، والمشكلة من عند العرب أنهم حسموا موقفهم من واشنطن وقرروا الاستسلام لها، وليس هناك اليوم من مشروع عربي كامل متكامل، لا في الوحدة ولا التنمية ولا خلاف ذلك.
حتى يمتلك العرب قنبلة نووية أو حتى قنبلة معرفية تنموية مستدامة، فإن عليهم امتلاك إرادة سياسية غير منحازة للغرب، والأهم أن يضعوا خلافاتهم البينية على جنب، ويقرروا التشمير عن سواعدهم لبناء صروح المعرفة والعلم التي تؤهلهم لأن يكونوا لاعبين رئيسيين في النظام الدولي.
يكفي أن يظل العرب مسرحاً للاختبارات والتدخلات الدولية التي لا تهمها سوى تقسيم الوطن العربي وإقعاده تماماً، إذ أن الأخير لا يحتمل انقسامات فوق الانقسامات التي يعيشها، وينبغي أن تدرك النخب الحاكمة مدى خطورة هذا الوضع عليها وعلى الأمة العربية ككل.
والعبرة أن يتم التدقيق أكثر في الشؤون الداخلية لكل دولة عربية، من جهة وضع منظومة متكاملة لتحقيق التنمية المستدامة واعتبار الإنسان أساسها، والقفز عن الخلافات وإشراك مختلف قوى المجتمع في عملية الإنتاج ونحو استدامة التنمية.
أما أن لا يتطور العرب ويظلوا يستوردون كل شيء من الخارج، ويعيشون حالة استهلاكية لا يقابلها قاعدة إنتاجية اقتصادية متنوعة، فإن حالهم سيظل في الحضيض ويتدهور من كارثي إلى أكثر كارثية، والأولى أن يسترشدوا بتجارب دول مثل كوريا الجنوبية على سبيل المثال، التي كانت منذ انطلاقتها قزماً في عمر الدول القوية، بينما تمتلك اليوم قوة اقتصادية وإنتاجية هائلة تتفوق فيها على دول عريقة وكبيرة.
نعم في ظل حالة الشد والجذب الدولي ومع أحقية الحصول على حصة أو مقعد محترم في النظام الدولي، فإن على العرب أن يفكروا ملياً في امتلاك المعرفة وتسخيرها لامتلاك القوة والسلاح النووي، لأن العالم يعيش على سياسة البقاء للأقوى في عالم يزداد توحشاً.