حيثما أتوجه أرى الخنوع. بين الاصدقاء في مكان العمل وايضا داخل منزلي يتجول الناس متألمين ومكشوفي الرأس. بعد تسعة اشهر تحول انتصار 2015 الى هزيمة، المعسكر الاكبر والأوسع للوسط – اليسار لم يستيقظ بعد. الجواب السائد هو أن الهزيمة في الانتخابات لم تكن صدفة: اسرائيل غيرت صورتها.
الدولة المتنورة التي أقامها آباؤنا وأجدادنا أصبحت قومية، متطرفة، دينية وظلامية، حيث سيطرت الصهيونية الدينية على مؤسساتها. الدين اللاصهيوني سيطر على الصفوف الاولى. مواقف لاديمقراطية ومفاهيم غير ليبرالية تتجذر لدى الجمهور. يقومون برفض دوريت ربنيان ويحرضون ضد الاقلية العربية ويغلقون تل ابيب يوم السبت، في الوقت الذي يقوم فيه الشباب المنظمون والمطيعون لليمين باحتلال تل وراء تل، وقواتنا تقوم بالتراجع الى الوراء. بقيت لدينا منطقة شاطئ ضيقة في الهاي تيك، المعارض وقاعات الموسيقى و"بات شيفع"، لكن ظهرنا للبحر. لقد ضعنا.
تيارات مختلفة في الوسط – اليسار ترد بشكل مختلف على الهزيمة. اليسار المتطرف يعمل ما يحب عمله: الهجوم على اليسار المعتدل. المشكلة هي حزب العمل، والمتهم هو اسحق هرتسوغ، والعدوة (المناوبة) هي ستاف شبير. اليسار المعتدل يفعل ما يستطيع فعله: التردد والتلعثم. أما الوسط – الوسط فيحول نفسه الى وسط – يمين. بدون خجل تحدث ظاهرة متعددة الابعاد وهي التملق أمام المزاج القومي ومراكز النفوذ السلطوية.
لكن القاسم المشترك في طابع الردود هو الشعور بالسقوط. في الوسط – اليسار يسود شعور أنه لن تقوم قائمة لاسرائيل الديمقراطية كي تستطيع وقف المستوطنات وانهاء الاحتلال والاتحاد حول القيم الليبرالية. يمكن أن نفهم شعور الخنوع. ففي اسرائيل يحدث تغيير ديمغرافي. وتحدث ظواهر الميل نحو اليمين والتدين. ويتبين أن بنيامين نتنياهو عبقري سياسي يعرف كيف يستغل العمليات الاجتماعية من اجل تعزيز سلطته.
لكن هل كل شيء اسود بالفعل؟ هل تحولت الاغلبية في اسرائيل الى فاشية؟ هل أصبح الجمهور المتحضر أقلية مقموعة ومطاردة ولا قوة لها؟ لا. الاغلبية الاسرائيلية فقدت ببساطة الثقة بنخبة السلام التي اخطأت مرة تلو الاخرى ولم تعترف بالاخطاء. الجمهور المتحضر تحول الى جمهور غير سياسي واختار عدم الحديث مع الاغلبية، بل وانغلق في تل ابيب. المرارة الحامضة لليسار المتطرف والتسليم الشاحب باليسار المعتدل وسطحية الوسط الذي يتوجه الى اليمين – هي السبب في ذلك. حيث لا يوجد بديل سياسي حقيقي للقوميين المتطرفين المسيحانيين. الانهزامية تحقق ذاتها وتخلد ذاتها وقد تتسبب بهزيمة اخرى ونهائية.
يجب أن يبدأ التغيير من الداخل. يجب أن نؤمن أولا: باسرائيل، بمواطنيها وبأنفسنا. وبعد ذلك الفهم أن التغيير محتمل، لكن يجب أن يكون بالازرق والابيض. والاعتراف أنه خلافا لما اعتقدنا في السابق، لم يكن هنا سلام مثالي على الباب. وأن نعترف أنه رغم جميع أحلامنا الشرق اوسطية فانه فظيع. لكن يجب علينا تذكير أنفسنا واقناع الآخرين أن الصهيونية الحقيقية تُصنع في يروحام ومجدال هعيمق ومعهد وايزمن – وليس في يتسهار وايتمار. وأن نُذكر أنفسنا ونقنع الآخرين بأننا لا نحتج فقط بل نقود. وأن نقوم من الانهزامية ونخرج من الانغلاق وأن نتحمل المسؤولية. أن نطلب اخواننا واخواتنا الاسرائيليين.
في العام 1970 تعلمت الصهيونية الدينية قصة نجاح حزب العمل واستخدمتها من اجل تغيير اتجاه حركة الدولة. الآن كل شيء تحول. على الصهيونية المتحضرة أن تتعلم قصة نجاح الصهيونية الدينية واستخدامها من اجل اعادة دولة اسرائيل الى المسار الصحيح – والى الايد عن هارتس