قدّر مصدر إسرائيلي، ربما يكون مصدراً رفيعاً، هذا الأسبوع، أن الاتصالات من أجل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران ربما "سيتم تأجيلها الى ما بعد انتخابات منتصف الولاية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم"، ("هآرتس"، 4/9).
حسب مصادر اخرى، رفيعة أيضا، فإن الإيرانيين يهتمون بدرجة لا تقل عن ذلك بالانتخابات التي ستجرى في إسرائيل في 1 تشرين الثاني. ليس فقط يهتمون، بل هم أيضاً يؤثرون على نتائجها. بالاستعارة من الشعار الانتخابي لـ "الليكود" في العام 1996 "بيبي جيد لليهود"، فإن شعار اليسار في الانتخابات القادمة يجب أن يكون "بيبي جيد للإيرانيين".
عشية انتخابات 2019 تحدث رئيس "الشاباك" السابق، نداف ارغمان، عن تدخل "دولة أجنبية" في الحملة الانتخابية. قال المسؤول عن "الشاباك" (بسذاجة)، إنه لا يعرف ما هي المصلحة السياسية لهذه "الدولة الأجنبية" ولصالح من أو ضد من تتدخل في الانتخابات الإسرائيلية. وقال رئيس قسم الابحاث في الاستخبارات العسكرية السابق، العميد احتياط ايلي بن مئير، في حينه (في مقابلة مع راديو 103 اف.ام) بأن "الدولة الاجنبية" التي تتدخل في الانتخابات الإسرائيلي هي إيران. قبل عقدين تقريباً، وعشية تنافس شمعون بيريس امام بنيامين نتنياهو، طلب من رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه، موشيه يعلون، الاجابة عن السؤال الذي تملص منه ارغمان وهو ما هي مصلحة إيران ولصالح من تتدخل في الانتخابات.
أجاب الجنرال بأن إيران غير راضية عن العملية السلمية، وأنها تعتقد بأن استبدال الحكم في إسرائيل، أي عودة "الليكود" الى قيادة الدولة، سيؤدي الى المس بهذه العملية. ومن أجل الدفع قدماً بهذه المصلحة، أضاف يعلون، فان الإيرانيين يمنحون الدعم المالي لجميع التنظيمات "الارهابية"، ويقدمون لها وسائل "التخريب". لا يمكن الشك في أن يعلون أراد مساعدة معسكر السلام، حيث إنه عندما كان رئيس الأركان ووزير الدفاع في حكومات "الليكود" دعم تصفيته.
هكذا فإن إيران قدمت المطلوب منها تقديمه لمعسكر اليمين، وساهمت في فوز نتنياهو؛ في الأشهر التي سبقت الانتخابات خرق "حزب الله" تفاهمات عملية "المساءلة" من العام 1993، وامطر وابلا من صواريخ الكاتيوشا على مستوطنات الحدود الشمالية، وزادت الإصابات في أوساط جنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة الأمنية في لبنان، حيث قُتل 59 إسرائيليا في العمليات الانتحارية في إسرائيل واصيب المئات. لم يفوت نتنياهو الفرصة في التقاط الصور على خلفية الحافلات المحترقة والتحريض ضد "مجرمي اوسلو".
مرة أخرى تذهب إسرائيل الى جولة انتخابات على خلفية عمليات في "المناطق"، وتوتر على الحدود الشمالية. عاد مراسل الصحيفة، عاموس هرئيل، واقتبس عن جهات رفيعة في جهاز الأمن حذرت من خطر انتفاضة ثالثة، الى جانب تزايد تهديدات "حزب الله" فيما يتعلق بالخلافات على ترسيم الحدود البحرية. ومرة أخرى يشد نتنياهو على يد قوات الأمن التي تعمل على الأرض. وهو لا ينسى التذكير بأنه "فقط يد قوية ستهزم الإرهاب". في النهاية انتم تعرفون من هو صاحب اليد الأقوى في الشرق الأوسط. حافظ وزير الدفاع، بني غانتس، على قناة مفتوحة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في محاولة للحفاظ على التنسيق الامني، حتى أنه قام باستضافته في منزله في رأس العين. سيكون نتنياهو بحاجة الى مصادقة حزب "قوة يهودية" من اجل الاتصال مع المقاطعة، في اليوم الذي ستقف فيه "حماس" على أبوابها.
ستكون زهور العاصمة سعيدة عندما سيقتحم إيتمار بن غفير المسجد الأقصى على رأس زعران البؤر الاستيطانية ويتسبب بطرد السفير الإسرائيلي من الأردن وإلغاء اتفاقات ابراهيم.
سيضرب نتنياهو بيد "الارهاب" وسيوقف باليد الاخرى المشروع النووي الإيراني. حيث يتهم في نهاية المطاف رئيس الحكومة، يئير لابيد، ووزير الدفاع، بني غانتس، بأنهما "ناما في نوبة الحراسة"، في الوقت الذي طبخ فيه الرئيس الاميركي، جو بايدن، اتفاقاً نووياً جديداً مع إيران.
لن يكل نتنياهو ولن يمل الى أن يقوم بتصفية التهديد الإيراني. لقد شاهدنا كيف فعل ذلك في سنوات حكمه الطويلة. لا يوجد شخص في العالم، باستثناء صديقه دونالد ترامب، ساهم في تقدم القنبلة النووية الإيرانية اكثر من نتنياهو. ويشهد على ذلك الوثيقة التي نشرها الجنرال احتياط، اهارون زئيفي فركش، الذي كان رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، وجدعون فرانك، الذي كان رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، والدكتور اريئيل (ايلي) لفيتا، وهو من كبار علماء الذرة في البلاد.
في الوثيقة التي كتبت في أواخر حكم نتنياهو قال الثلاثة إن الاتفاق المتبلور هو أسوأ من سابقه، وهو يعكس انهيار سياسة نتنياهو، الذي شجع ترامب على الانسحاب من الاتفاق الأصلي. واشاروا الى أنه في الاتفاق النووي الاصلي من العام 2015 كانت هناك عقبات وقيود صعبت على إسرائيل قبوله. ولكن مع ذلك حقق لها بضع سنوات من الهدوء النسبي في الساحة النووية دون أن تضطر الى العمل بشكل مستقل بهذا الشأن على نطاق أوسع. "منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق"، أكد المحررون، "تسير إيران بثقة نحو القدرة النووية التي تزيد بكثير عما كان لديها حتى العام 2015". وحسب اقوالهم فإن الاتفاق المخفف الذي في الطريق سيقصر زمن الإنذار على تجديد جهود إيران في التوصل الى السلاح النووي، وستحتفظ ببنية تحتية واسعة للتخصيب تحت الأرض، تم توسيعها مؤخراً، الأمر الذي سيصعب خروج عمليات تصفية ضد هذه البنية التحتية الى حيز التنفيذ.
على أي حال، يبدو أن إيران لا تتسرع في التوقيع على اتفاق نووي جديد، فهي تفضل إدارة المساومة بعد منتصف تشرين الثاني أمام رئيس أميركي ضعيف ومتعب. توجد لها مصلحة في أن تعيد إسرائيل الى الحكم قبل ذلك بقليل الزعيم الذي دمر العملية السلمية، الذي تكرهه. وأيضاً الذي قرب الجمهورية الإسلامية الى مسافة قصيرة جدا من إنتاج القنبلة. هل بيبي، إذاً، هو جيد لليهود أم جيد للإيرانيين؟.
عن "هآرتس"