بمعرفة الخميني وأوساط أميركية عليا

هكذا دعمت إسرائيل إيران بالأسلحة والذخائر خلال حربها مع العراق

حجم الخط

بقلم: يعقوب هيخت*



آتى التعاون بين إسرائيل وإيران آية الله الخميني ثماره خلال الثمانينيات، خاصة خلال السنوات الخمس الأولى من الحرب الإيرانية - العراقية. فعلى الرغم من أن إيران الأصولية أطلقت على إسرائيل اسم "الشيطان الصغير" ودعت فعليا إلى القضاء على ما سمته "الكيان الصهيوني"، فقد تعاونت إسرائيل مع إيران بقيادة آية الله الخميني. وقد جاء هذا التعاون على خلفية التغيرات الاستراتيجية الكاسحة التي حدثت في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي في النصف الثاني من السبعينيات، والتي بلغت ذروتها في العام 1979:
1- أطيح بنظام الشاه، الذي كان حليفا لإسرائيل، في إيران في ثورة شعبية أسفرت عن إقامة نظام ديني بقيادة الخميني.
2- وقعت مصر، وهي أكبر دولة عربية وقد خاضت خمس حروب مع إسرائيل، في آذار 1979 اتفاقية سلام كاملة مع إسرائيل، وهي اتفاقية أخرجت مصر من دائرة القتال والعداوة السائدة بين الدول العربية وإسرائيل.
3- أكمل صدام حسين، الملقب بـ"الرجل القوي في بغداد"، إقامة حكمه في العراق، بعد أن أبعد عن مساره خصومه السياسيين في حزب البعث ومراكز القوة الأخرى في هذا البلد العربي.
في 22 أيلول 1980 غزا العراق إيران بهدف احتلال مقاطعة خوزستان الواقعة في الركن الجنوبي الغربي من إيران. هذه المنطقة غنية بمخزون النفط ويسكنها في الغالب العرب السنة الذين تربطهم علاقات عشائرية بالسكان العرب السنة في العراق.
كان صدام حسين يأمل في الاستفادة من الفوضى التي سادت إيران بعد الثورة الأصولية التي حدثت في أوائل العام 1979، وسرعان ما سيطر على منطقة خوزستان. لو نجحت هذه الخطوة لمنحت العراق سيطرة كاملة على معبر شط العرب المهم في الخليج العربي.
في إسرائيل، نُقل عن رئيس الوزراء مناحيم بيغن قوله، بسخرية إلى حد ما، إنه يتمنى النجاح للطرفين في الحرب التي اندلعت في الخليج الفارسي. لكن سعت إسرائيل، في الواقع، إلى ضمان أن تكون إيران أكثر نجاحا في الحملة العسكرية حتى لو لم تكن لها اليد العليا. ففي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وفقا للتصور الاستراتيجي الذي تبلور في إسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر، فإن العراق وما يعرف بـ"الجبهة الشرقية" (احتمال التعاون العسكري بين العراق وسورية والأردن وتحت ظروف معينة أيضا المملكة العربية السعودية) يشكلان تهديدا عسكريا ملموسا لأمن ووجود دولة إسرائيل.
هذه المخاوف في إسرائيل دعمتها تقييمات وكالات المخابرات الأميركية، التي ذكرت أن صدام حسين يسعى إلى تحقيق هيمنة إقليمية في الشرق الأوسط، وأنه في المرحلة الأولى لتحقيق هذا الطموح سيسعى إلى احتلال منطقة خوزستان والكويت وذلك من أجل نقل مصادر نفطية إضافية إلى سيطرته، والتي ستدر عائدات بمليارات الدولارات.
كان العراق وسورية على رأس ما سمي جبهة الرفض العربية، التي عارضت بشدة عملية السلام بين إسرائيل ومصر، والتي بدأت بزيارة الرئيس المصري، أنور السادات، لإسرائيل في تشرين الثاني 1977.
طالبت أوساط في إسرائيل تقديم المساعدة لإيران من خلال توريد الأسلحة والذخيرة، لأن هذا البلد الشيعي كان يخضع لعقوبات أميركية شديدة منذ تشرين الثاني 1979، بعد أن استولى ما يسمى "الطلاب" الإيرانيين على مجمع السفارة الأميركية في طهران واستولوا على 52 من المواطنين الأميركيين والعسكريين والدبلوماسيين. وقد قطعت هذه العقوبات على الفور جميع المساعدات العسكرية الأميركية للجيش الإيراني، الذي كانت قواته الجوية ووحداته العسكرية الأخرى مجهزة بأحدث أنظمة الأسلحة الأميركية وأكثرها تقدما.
في خريف العام 1980، مع بداية الهجوم العسكري العراقي على إيران، كانت إسرائيل تأمل في أن تمنع المساعدات العسكرية السخية هزيمة إيرانية ساحقة، ما من شأنه أن يمنح صدام حسين قوة اقتصادية وسياسية قصوى في سعيه ليصبح القائد الجديد الذي سيقاتل إسرائيل حتى النهاية.
في عدد من الاجتماعات التي عقدت بين مسؤولين حكوميين إسرائيليين وإيرانيين في باريس وجنيف، تم الاتفاق على تقديم المساعدة العسكرية لإيران، وهي المساعدات التي ستدفع إيران مقابلها حسب الأسعار في أسواق السلاح الدولية.
المساعدات العسكرية الإسرائيلية المقدمة لإيران اشتملت على آلاف الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات والمحركات وقطع غيار الطائرات والدبابات المقاتلة وقذائف الهاون وغيرها من الذخائر، وتم إرسالها مباشرة لإيران على متن رحلات جوية مباشرة غادرت إسرائيل أو دولا أوروبية تحت أسماء مغطاة لشركات الطيران التي تشغل طائرات الشحن، أو على سفن الشحن التي غادرت ميناء إيلات، وأفرغت حمولتها العسكرية في ميناء بندر عباس الإيراني.
سرعان ما اكتشفت المخابرات الأميركية أن إسرائيل تزود إيران بالسلاح رغم العقوبات الأميركية الصارمة عليها، حتى أن زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي، كتب في مذكراته أن هذه الأخبار تسببت بدهشته وغضبه من إسرائيل.
أدى هذا الاكتشاف إلى محادثة غاضبة بين الرئيس الأميركي، جيمي كارتر، ورئيس الوزراء بيغن في منتصف تشرين الثاني 1980. وأكد بيغن لكارتر أن إسرائيل ستتوقف عن إمداد إيران بالأسلحة "من أربطة الحذاء إلى الأسلحة المتطورة" على حد تعبيره. لكن في الوقت الذي جرت فيه المحادثة اعتبر الرئيس الأميركي "بطة عرجاء" سياسيا، بعد أن هزم قبل أسبوعين فقط في الانتخابات الرئاسية مقابل المرشح الجمهوري، رونالد ريغان. وكرس الرئيس وقته حتى مغادرته البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 1981 للإفراج عن الرهائن الأميركيين المسجونين في طهران.
في الواقع، استمر توريد الأسلحة الإسرائيلية في الأعوام 1981-1986، وتم ذلك أيضا من خلال قنوات غير مباشرة من خلال تجار ووسطاء إسرائيليين وأجانب. مع استمرار تزويد إيران بالسلاح الإسرائيلي التقى وزير الدفاع الإيراني، الذي كان يخشى على كرسيه، أو ينبغي أن أقول رأسه، في ظل استمرار الإمداد بالسلاح الإسرائيلي، بالمرشد الأعلى الخميني وأبلغه بذلك.
وجاء في تقرير لوزير الدفاع الإيراني إلى الخميني أنه في ظل المأزق الإيراني الخطير في الحصول على الأسلحة بسبب الحرب المستمرة والعقوبات الأميركية الصارمة، تشتري إيران أسلحة وذخائر عبر وسطاء من دول مختلفة، بما في ذلك إسرائيل. ووافق الخميني على استمرار شراء الأسلحة والذخائر من إسرائيل، طالما تم ذلك من خلال قنوات غير مباشرة، من خلال تجار السلاح والوسطاء من مختلف الأنواع وليس مباشرة من إسرائيل.
اكتشف وزير الدفاع، أرئيل شارون، لأول مرة، خلال زيارة رسمية لواشنطن في أيار 1982، أن إسرائيل تزود إيران بمنظومات أسلحة وذخيرة. وكشف السفير موشيه أرينس في تشرين الأول 1982 أن مبيعات أنظمة الأسلحة وقطع الغيار، الغالبية العظمى منها أميركية الصنع، تمت بمعرفة وتنسيق المستويات العليا في إدارة الرئيس ريغان.
تشير التقديرات إلى أن إسرائيل باعت أسلحة لإيران في الأعوام 1980-1986 (بما في ذلك صفقات الأسلحة التي أجريت في 1985-1986 فيما يعرف بقضية إيران - كونترا) بما يزيد على 2.5 مليار دولار، وفي تقديرات، اليوم، بمبلغ يصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار.
لعب توريد الأسلحة والذخيرة من قبل إسرائيل دورا مهما في نجاح إيران في 1981-1982 في وقف الغزو العراقي لأراضيها، واستقرار الخطوط الأمامية وحتى اختراق عدة مناطق في جنوب العراق.
تبدد أمل صدام حسين في غزو منطقة خوزستان في لمح البصر، وتحولت الحرب العراقية الإيرانية إلى حرب دموية، حصدت دماء أكثر من مليون ضحية من (جنود ومدنيين من الجانبين). واستمرت الحرب 8 سنوات حتى إعلان وقف إطلاق النار بين البلدين في آب 1988.

عن "تايمز أوف إسرائيل"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*محاضر في جامعة حيفا وخبير العلاقات الدولية والأسلحة النووية وتاريخ صراعات الشرق الأوسط.