"تقليص النزاع" مدخلاً لمنع الانزلاق نحو الدولة الواحدة

ميخائيل ملتشتاين.jpeg
حجم الخط

بقلم: ميخائيل ميلشتاين

 

 



تقليص النزاع ليس فكرة جديدة. فقد طرح مرات عديدة منذ 1967 حلاً وسطاً بين أولئك الذين سعوا ليفرضوا السيادة على "المناطق" وأولئك الذين سعوا ليدفعوا قدماً برؤيا الدولتين. أبو الفكرة ومبتكر المصطلح كان موشيه دايان، الذي وصف منذ نهاية الستينيات رؤيا تقلل التماس بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتمنح حرية حركة لسكان "يهودا" و"السامرة" وغزة، وتحسن نسيج حياتهم بشكل يكسب إسرائيل هدوءاً أمنياً دون سيطرة مباشرة على الفلسطينيين.
مثلما في الماضي، اليوم ايضا تبدو واضحة فجوات بارزة في الفكرة: لا يوجد فلسطينيون مستعدون ليكونوا "شريكاً" لدفعها الى الامام، وهي تتجاوز البحث في مسائل سياسية مشحونة غير قابلة للإخفاء (بخاصة الحدود، القدس، واللاجئين)، وتعتمد بشكل أكبر مما ينبغي على الفرضية في أن الاقتصاد الجيد قادر على أن يهزم الايديولوجيات.
ينطوي تقليص النزاع الحالي على تكييف الفكرة القديمة مع الواقع الراهن، الذي في مركزه حكم ذاتي فلسطيني محدود في "يهودا" و"السامرة". الى جانب تحسين نسيج الحياة يُعرض اليوم على الفلسطينيين تواصل اقليمي في اطار الحكم الذاتي نفسه، وحرية حركة في ارجاء "يهودا" و"السامرة" وخارجها، دون الانشغال بمسألة الحدود. يدور الحديث عن فكرة تفترض بانه سيكون ممكنا ايجاد واقع ثنائي البعد في اطاره يعيش يهود وعرب في الارض الاقليمية ذاتها دون أن يلتقي الواحد بالآخر تقريبا.
ان فكرة تقليص النزاع ليست فكرة سلبية، والسعي الى تحسين حياة الفلسطينيين مبارك. ولكنها ليست رؤيا بعيدة المدى، بل وسيلة تكتيكية لاستقرار الواقع كي يكون ممكنا تخطيط المستقبل وفحص إمكانية اتخاذ القرارات الحاسمة، سواء باتفاق مع الفلسطينيين أم من طرف واحد. لقد اعتمد زعماء إسرائيل سنوات طويلة على نهج "القرار بعدم القرار"، ولكن في نهاية الأمر اضطروا ليتخذوا قرارات حاسمة، أساساً بعد نشوب الانتفاضتين، وأحداث كشفت ايضا ضعف السلام الاقتصادي وسيلة لحفظ الاستقرار على مدى الزمن.
ان الذين يتبنون تقليص النزاع يرون فيه وسيلة لمنع الدولة ثنائية القومية، اما نيتهم عمليا، فهي دولة واحدة، إذ ان دولة ثنائية القومية تنشأ في أعقاب اتفاق بين قوميتين وبقدر اقل معقولية في الواقع القائم. كون الفكرة لا تترافق وترسيم حدود أو نصب حاجز مادي، فهي تبشر عملياً باستمرار الدمج الجغرافي، الديمغرافي، الاقتصادي، والبنى التحتية حتى وان كان بشكل طويل المدى وبطيء نسبيا.
ينبع نقاش تقليص النزاع بقدر كبير من حرج استراتيجي تعيشه إسرائيل في ضوء التعقُّد المتزايد في السياق الفلسطيني. تغرق إسرائيل في الفخ الذي وصفه جيدا ميخا غودمان: فهي لا تريد ان تتحكم مباشرة بالفلسطينيين وتفهم بان ابتلاع "المناطق" سيهدد طابعها الحالي، لكنها بالمقابل تخاف من التحديات الامنية الكامنة في الانفصال عنهم، وأساساً إذا قامت دولة مستقلة. لكن تقليص التماس، ومنح جودة حياة للفلسطينيين، وتجاوز البحث في مسائل جوهرية سياسية لا يمكنها أن تشكل بديلا استراتيجيا. فهي تبعد فقط ببضع سنوات القرارات الحاسمة اللازمة.
نوصي بأن نستبدل الانكباب المتجدد على أفكار دايان بالعودة الى افكار واحد من منافسيه – يغئال الون، الذي تمسك في بداية طريقه بفكرة وحدة البلاد، لكنه فهم بعد 1967 اهمية الفاصل المادي بين المجتمعين وسيلة لاستمرار وجود إسرائيل بطابعها الأصيل. وهو لم يتحدث عن العودة الى حدود 1967 ولا عن قيام دولة فلسطينية، وفي السياق الإقليمي سمح بمجال تفسير نوصي السياسيين في إسرائيل بتطويره. تقليص النزاع قد يكون مرحلة أولى في هذا الاتجاه، لكن لاحقا سيستوجب أيضاً مد خط حدودي بين المجتمعين يمنع الانزلاق الى واقع بلقاني لدولة واحدة.

عن "يديعوت"